تراكم الأزمات يكرس التفاوتات مع استفحال الفقر

ميثاق المستقبل مبادرة أممية لمكافحة الظاهرة عبر التعاون الجماعي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
الجمعة 2024/10/18
سد الجوع مهمة شبه مستحيلة

تعطي المؤشرات الدولية حول اتساع خارطة الفقر في العالم بشكل متسارع بعدما تمدد إلى مختلف الفئات الاجتماعية التي تعاني من مشاكل مركبة في الدول الضعيفة، لمحة عن مدى تكريس الأزمات الجديدة للتفاوت الطبقي، ما يعيق تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

نيويورك - تتعاظم محنة ملايين الفقراء، الذين يواجهون خيارات أكثر صعوبة جراء تدهور أوضاعهم المعيشية بفعل تراكم الأزمات الاقتصادية العالمية، والتي عمقت التفاوت الاجتماعي بين سكان البلدان، وخاصة محدودة الدخل.

وسيعيش 575 مليون شخص، أي 7 في المئة من سكان العالم، في فقر مدقع بحلول العام 2030 في حال لم يتم تحقيق الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة. كما أن ثلث البلدان فقط سيتمكن من خفض مستوياته إلى النصف بحلول هذا الموعد، وفق ما أوردته وكالة الأنباء المغربية الرسمية.

وهذا التحذير الصادر عن منظمة الأمم المتحدة، يبرز استفحال هوة الفقر التي تذكيها الأزمات العالمية، بدءا بتداعيات الوباء ووصولا إلى الحروب في عدد من مناطق العالم، مرورا بتبعات التغير المناخي وانعدام الأمن الغذائي التي تلقي بثقلها على العديد من البلدان.

وفي أحدث تقاريره، نبه البنك الدولي إلى أن القضاء على الفقر الذي يطال قرابة نصف سكان العالم، أي أولئك الذين يعيشون على أقل من 6.85 دولارات في اليوم للفرد قد يستغرق أكثر من قرن في حال استمر العمل بالوتيرة البطيئة ذاتها التي يمر بها العالم اليوم.

أنطونيو غوتيريش: يجب الاستثمار في العمل اللائق والتدريب والحماية الاجتماعية
أنطونيو غوتيريش: يجب الاستثمار في العمل اللائق والتدريب والحماية الاجتماعية

وحسب إحصائيات المؤسسة المالية الدولية، يعيش ما يناهز 700 مليون شخص، أي 8.5 في المئة من سكان العالم في فقر مدقع، وهو بأقل من 2.15 دولار في اليوم للفرد.

وكان مؤشر الفقر متعدد الأبعاد العالمي 2023 الذي يغطي سنة 2022، أظهر وجود 1.1 مليار فقير من بين 6.1 مليارات نسمة في 110 دول، وفق مقياس يعتمده برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع مبادرة أكسفورد للفقر والتنمية المباشرة، وهو مركز أبحاث.

ويستمر الفقر المدقع بضرب المناطق الريفية أكثر من المناطق الحضرية مع إقامة نحو 84 في المئة من الفقراء في العالم يقيمون في الأرياف.

ويبلغ عدد أفقر الفقراء الذين هم دون سن الثامنة عشرة 584 مليون طفل ومراهق في العالم. وتبلغ النسبة في صفوف القصر في العالم 27.9 في المئة مقابل 13.5 في المئة بين البالغين.

ويقيم غالبية هؤلاء أي نسبة 83.2 في المئة منهم، في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا أكثر مناطق العالم تعدادا للسكان.

ولبث ديناميكية جديدة، تبنت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، في سبتمبر الماضي ميثاق المستقبل خلال القمة المنعقدة بمناسبة الدورة السنوية الـ79 للجمعية العامة، التزمت فيه بجعل القضاء على الفقر في صلب جهود تنفيذ أجندة 2030.

ورغم أن الفقر المدقع انخفض بشكل ملحوظ خلال العقود الأخيرة، لكن معطيات الأمم المتحدة تشير إلى أن الجائحة شكلت نقطة تحول أدت إلى عكس اتجاه هذه المكاسب.

وذكّرت المنظمة بأن عدد الأشخاص الرازحين تحت وطأة الفقر المدقع ازداد لأول مرة منذ جيل بحوالي 90 مليون شخص مقارنة بالتقديرات السابقة.

◙ 575 مليون شخص ضمن دائرة الفقر المدقع بحلول 2030 أي ما يعادل 7 في المئة من سكان العالم

واستجابة لأزمة كلفة المعيشة التي تشهدها العديد من الدول، نتيجة ارتفاع مستويات التضخم وانعدام الأمن الغذائي بفعل الصراعات، كانت 105 دول ومناطق أعلنت عما يقرب من 350 إجراء للحماية الاجتماعية، بين فبراير 2022 وفبراير 2023.

وفي رسالته بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على الفقر، يؤكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أنه يتعين على المجتمع الدولي تنفيذ كافة بنود ميثاق المستقبل.

وشدد على أنه لتحقيق ذلك فلا بد من دعم برامج إنعاش أهداف التنمية المستدامة وإصلاح النظام المالي الدولي، بغية مساعدة البلدان النامية على الاستثمار في سكانها.

ومن أجل القضاء على الفقر العالمي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، يعتبر غوتيريش أنه يتعين على الحكومات إنشاء مؤسسات وأنظمة تضع الناس في صلب مبادراتها. كما أكد على أهمية الاستثمار في العمل اللائق والتدريب المهني والحماية الاجتماعية باعتبارها نقاط انطلاق حقيقية للخروج من براثن الفقر.

واعتبر أن الفقر، الذي يعد آفة عالمية تؤثر على مئات الملايين من الناس في جميع أنحاء كوكب الأرض، ليس أمرا حتميا، بل ينجم عن الاختيارات التي تتخذها، أو لا تتخذها، المجتمعات والدول.

وتكتسي ظاهرة الفقر أبعادا متعددة. وسيتم هذه السنة، تسليط الضوء على أحد أبعادها الخفية، المتمثل في سوء المعاملة الاجتماعية والمؤسساتية التي يعاني منها الأشخاص في وضعية الفقر.

سابينا الكيره: النزاعات تترك ندوبا في حياة الناس وتعيق أيضا خفض الفقر
سابينا الكيره: النزاعات تترك ندوبا في حياة الناس وتعيق أيضا خفض الفقر

ويتعرض الأشخاص الذين يعانون أصلا من الفقر من الوصم والتمييز المجتمعي، مما يفرز بيئة سلبية تتفاقم نتيجة الإساءة المؤسساتية. وينشأ ذلك الوضع من خلال السياسات والممارسات التمييزية، التي تحرم الناس من حقوقهم الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والسكن.

وبالرغم من المستويات غير المسبوقة التي تعرفها التنمية الاقتصادية والوسائل التكنولوجية والموارد المالية في العالم، فإن استمرار معاناة ملايين الأشخاص من الفقر المدقع تطرح أسئلة أخلاقية عميقة.

وتتساءل الأمم المتحدة بشأن الحاجة الماسة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لإنهاء التفاوتات والتهميش، وضمان تكافؤ الفرص للجميع. وفي خضم ذلك، تلقي الظواهر المرتبطة بالتغير المناخي بظلالها على الجهود المبذولة للقضاء على مشكلة الفقر.

ويقول الخبراء والمنظمات الدولية أن الكوارث الطبيعية التي أضحت أكثر تواترا، سنويا، تؤدي إلى سقوط ملايين الأسر في براثن الفقر، نتيجة خفض الإنتاجية وإضعاف النمو الاقتصادي، لاسيما في أفقر مناطق العالم.

ورأت سابينا الكيره مديرة مبادرة أكسفورد للفقر والتنمية البشرية في تصريح لوكالة فرانس براس أن “الحروب والنزاعات العنيفة لا تترك ندوبا عميقة ودائمة في حياة الناس فحسب، بل تعيق أيضا خفض الفقر".

وقالت إن “40 في المئة من 1.1 مليار فقير يقيمون في مناطق نزاع وأن معدل الفقر العام في المناطق التي تشهد حروبا أعلى بثلاث مرات منه في المناطق الخالية من الحروب".

وأكدت "ما شكل صدمة لنا هو عدد لأشخاص الذين يكافحون من أجل حياة كريمة مع الخشية على سلامتهم”، داعية "الأسرة الدولية إلى خفض الفقر إلى الصفر من خلال تعزيز فرص السلام".

11