تراكم الأزمات يضغط لإعادة توجيه بوصلة منظمة التجارة العالمية

تواجه منظمة التجارة العالمية تحديا صعبا لإعادة توجيه بوصلة أولوياتها في ظل تراكم الأزمات، التي باتت السمة الطاغية على الاقتصاد العالمي منذ سنوات، خاصة مع الانتقادات المتتالية لهذا الهيكل جراء تقاعسه في مراجعة سياساته، التي ثبت عجزها عن مواجهة الصدمات.
جنيف - يراقب المحللون والأوساط الاقتصادية ما ستفضي إليه النقاشات داخل منظمة التجارة العالمية المقررة الأحد المقبل في جنيف أثناء أكبر اجتماع منذ أربع سنوات سعيا لإحياء دورها المحوري في تحفيز المبادلات السلعية واستدامة سلاسل الإمداد.
وبالرغم من استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا للشهر الرابع على التوالي، لا تزال المديرة العامة للمنظمة نغوزي أوكونجو إيويالا مصممة على تنظيم الاجتماع حتى لو أن بعض الدول ترفض التفاوض مباشرة مع موسكو.
ويعتقد سيباستيان جان أستاذ الاقتصاد الصناعي في المعهد الوطني الفرنسي للفنون والحرف أنه سيتحتم على الاجتماع الوزاري التعامل مع أجواء المواجهة الحادة ونقاط التوتر المتعددة هذه والحد من الأضرار قدر الإمكان.
وقال لوكالة الصحافة الفرنسية “على الأعضاء إثبات أنه ما زال بإمكان منظمة التجارة العالمية لعب دور مفيد، لتفادي مثلا أن يؤدي انعدام التنسيق إلى تفاقم الأزمة الغذائية”.

وسيكون هذا أول اجتماع وزاري تنظمه المديرة العامة النيجيرية، التي تسلمت مهامها في مارس 2021 وتحصد ثناء الجميع على سعيها الحثيث لإعادة منظمة التجارة العالمية إلى الواجهة في ظل الأزمة والخصومات المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين، القوتين الاقتصاديتين الأوليين في العالم.
ودعت إيويالا الثلاثاء الماضي الدبلوماسيين إلى بذل مجهود أخير لتحقيق نتائج ذات مغزى، مؤكدة “لا يزال هناك العديد من الثغرات، لكننا نحرز تقدما. دعونا نبقي على الضغط ونواصل العمل في هذه اللحظة الحرجة”. وأضافت "صدقوا أو لا تصدقوا، إنني مقتنعة حقا بأننا سنتوصل إلى ذلك".
ومع ذلك لا تزال المواقف تتابين بشأن هذا التفاؤل المفرط في التوصل إلى حلول على مستوى منظمة ظلت عاجزة لأعوام عن حل أبسط الخلافات بين الدول ولم تتمكن من الحفاظ على مستوى معقول من الثقة في نشاطها.
ويقول مانفرد إلسيغ أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بيرن إن المديرة العامة أثارت ترقبا لأنها تود فعلا التوصل إلى اتفاقات. لكن في نهاية المطاف كل ما يمكنها أن تفعله هو توجيه الأعضاء.
ويرتدي هذا الاختبار الأول لحقيقة نفوذ إيويالا أهمية خاصة بعدما انتهى آخر اجتماع وزاري عقد في أواخر عام 2017 في بوينوس أيريس من دون التوصل إلى اتفاق هام.
وتتراكم الملفات منذ ذلك الحين، ومنها مشروع الاتفاق حول حظر المساعدات الحكومية التي تشجع صيد السمك الجائر.
ورأى مصدر دبلوماسي في جنيف، لم تكشف وكالة الصحافة الفرنسية عن هويته، أن “هناك رهان مصداقية حقيقي بالنسبة إلى منظمة التجارة العالمية”.
وبعد أكثر من عشرين عاما على بدء تنظيم هذه المحادثات، سيسعى الوزراء إلى انتزاع اتفاق بالرغم من الخلافات التي لا تزال قائمة حول التعاطي مع الدول النامية وخصوصا بين الهند والدول الغنية.
وحذر سفير في جنيف بأن صيد السمك هو “التفاوض الوحيد المتعدد الأطراف في منظمة التجارة العالمية”. وقال إنه “في حال الفشل فسيوجه ذلك إشارة واضحة بأن الأعضاء لم يعودوا قادرين على التفاوض معا، كما سينذر بنهاية المفاوضات متعددة الأطراف”.
كما يثير الاجتماع ترقبا شديدا حيال استجابة المنظمة للوباء. وتركزت المفاوضات مؤخرا حول اقتراح برفع براءات الاختراع مؤقتا عن اللقاحات ضد كوفيد-19، عمل عليه أربعة من كبار المصنعين هم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند وجنوب أفريقيا.
وتعرض الاقتصاد العالمي لهزّة كبيرة خلال العامين الماضيين، والذي شهد الإغلاق الكبير وتوقف الإمدادات العالمية بسبب مخاوف الإصابة بفايروس كورونا، مما ألقى بتصنيفات ائتمانية سلبية على الحكومات والشركات حول العالم.

ويندد الاتحاد الدولي لصناعة الأدوية بالنص معتبرا أنه “يضعف الملكية الفكرية”، كما تنتقده المنظمات غير الحكومية التي تطالب برفع لا يكون مؤقتا وأن يشمل جميع المواد الطبية المتعلقة بكوفيد-19.
وقال الخبير الاقتصادي جوزف شتيغليتز إن “هناك مشكلة إمداد حقيقية على صعيد كشف الإصابات والمعالجة”، معتبرا أن النص “يعكس مصالح صناعة الأدوية”.
ويعقد الاجتماع الوزاري غير المحسوم النتائج في وقت فقدت منظمة التجارة العالمية من أهميتها بسبب عجزها عن إبرام اتفاقات كبرى على ضوء قاعدة الإجماع المتبعة.
وقال مدير منظمة منصة جنيف للتجارة دميتري غروزوبينسكي إن “ثمة خطر حقيقي بأن تخسر مهمة المنظمة التفاوضية من أهميتها إذا لم تتمكن المنظمة من الإيفاء بوعودها خلال هذا المؤتمر، رغم أن التطلعات أدنى بكثير بسبب الحرب الجارية في أوكرانيا”.
ويتمنى البعض أيضا أن يتفق الوزراء في جنيف على برنامج إصلاحات ولاسيما لتكييف قواعد منظمة التجارة العالمية مع اقتصادات مثل الصين وخصوصا على صعيد المساعدات الحكومية، ولإصلاح هيئة الاستئناف التابعة لها.
وهيئة الاستئناف التي تعتبر الأداة الرئيسية لتسوية الخلافات التجارية مشلولة منذ أن عرقلت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تعيين قضاة فيها. وأبدت إدارة خلفه جو بايدن استعدادها لإعادة تحريكها دون تقديم اقتراح عملي.
وفي حين توقعت المنظمة في دراسة نشرتها منتصف أبريل الماضي أن تؤدي الحرب إلى تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى مستوى يتراوح بين 3.1 و3.7 في المئة هذا العام، إلا أنها ترجح أن يستقر نمو التجارة العالمية بين 2.4 و3 في المئة.