تراجع نسبة المشاركين في شعبة الرياضيات بالثانوية العامة في تونس

ضعف في المكتسبات الأساسية للمادة، وأولياء الأمور مدعوون للتحرك.
السبت 2025/06/14
الطالب الحلقة الأضعف في المنظومة التربوية

تشهد الشعب العلمية في تونس، وخصوصا شعبة الرياضيات، تراجعا في نسب الإقبال عليها، وهو تراجع يرجعه خبراء التربية والمختصون إلى ضعف المكتسبات الأساسية للمادة منذ مرحلة التعليم الابتدائي. وسجلت الثانوية العامة نسبة التحاق ضئيلة جدا هذا العام في اختصاص الرياضيات، دقّ على إثرها الخبراء ناقوس الخطر ودعوا أولياء أمور الطلاب إلى التحرك.

تونس ـ يطلق رجال التعليم والمختصون في الشؤون التربوية في تونس صيحة فزع بخصوص التراجع الكبير لعدد التلاميذ الذين يتوجهون لشعبة الرياضيات، مطالبين بضرورة أن يتغير هذا الوضع.

ودق وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأسبق منصف بوكثير ناقوس الخطر، وسبقته في ذلك وزيرة التربية السابقة سلوى العباسي التي نبهت إلى تراجع نسب المتوجهين إلى هذه الشعبة وهو ما اعتبرته لا يليق بتونس ويتطلب مراجعة وحلولا عاجلة.

وجاءت نسبة مشاركة الطلاب في شعبة الرياضيات هذا العام لتؤكد التراجع في الإقبال على الشعب العلمية، إذ انخفضت النسبة إلى حوالي 7 في المئة على المستوى الوطني.

وسحبت شعبة الاقتصاد والتصرف البساط من تحت أقدام شعبة الرياضيات لتحقق نسب التحاق عالية، ما جعل خبراء التربية يوجهون نداء للطلبة ومن خلفهم أسرهم بأن لا يهجروا شعبة مقابل شعبة أخرى لسهولة الثانية واستصعاب الأولى، حيث على أولياء الأمور أن يتابعوا أبناءهم منذ سنوات الدراسة الأولى ويكتشفوا ضعفهم في بعض المواد.

وعبّر المستشار العام في الإعلام والتوجيه منصف الخميري عن أسفه للتراجع الكبير في نسبة الموجهين من التلاميذ نحو شعبة الرياضيات حيث بلغت نسب التوجيه لهذه الشعبة 20 في المئة لنحو 25 سنة لتنخفض اليوم إلى حوالي 7 في المئة على المستوى الوطني، وفق قوله.

وأكد الخميري، في تصريح لإذاعة محلية خاصة، أن 74 في المئة من التلاميذ ما بين 7 و14 سنة مستواهم ضعيف في الرياضيات، مشيرا إلى أنه تم تسجيل نجاح نحو 7 آلاف تلميذ فقط في باكالوريا شعبة الرياضيات لسنة 2024، مقابل 30 ألف تلميذ نجحوا في شعبة الاقتصاد والتصرف.

من غير المعقول الاعتماد على معلمين يعانون من ضعف في مادة الحساب لتدريس هذه المادة في المرحلة الابتدائية

وأوضح أن عروض التكوين في التعليم العالي، التي تُعد محسوبة على التميز والتألق الدراسي، تستوعب عددا كبيرا من تلاميذ شعبة الرياضيات. كما أشار إلى أن ألف تلميذ من الأوائل في هذه الشعبة، والذين تحصّلوا على معدلات متميزة، تم استقطابهم من قبل جامعات دولية ألمانية وفرنسية، بالإضافة إلى الأقسام التحضيرية والمعهد الوطني للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا. وبذلك، لم يتبق سوى نسب محدودة من هؤلاء التلاميذ للمؤسسات الجامعية الأخرى التي تدرّس اختصاصات التصرف، والعلوم الأساسية، والتكنولوجيا.

وبخصوص معالجة ظاهرة العزوف المتزايد لدى التلاميذ التونسيين عن الشعب العلمية، وخاصة شعبة الرياضيات، دعا الخميري إلى ضرورة مراجعة المسالك التكوينية للمعلمين.

وبيّن في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء أن هذه المسالك التكوينية كانت موجهة في السابق أساسا لتلاميذ الشعب الأدبية، غير أنه لا يمكن اليوم مواصلة نفس النهج، مقدّرا أنّه من غير المعقول الاعتماد على معلمين يعانون من ضعف في مادة الحساب لتدريس هذه المادة في المرحلة الابتدائية.

وقال الخميري “من الضروري تغيير المقاربة، بحيث يتم توجيه أكبر عدد ممكن من المتفوقين في الشعب العلمية نحو المعهد العالي لتكوين المعلمين، الأمر الذي سينعكس إيجابا على تكوينهم، وعلى مخرجات التعليم في المراحل الأولى.”

وأوصى الخميري بضرورة تغيير نموذج تكوين المدرسين، مشيرا إلى أن المقاربات المعتمدة حاليا تفتقر إلى الجوانب التفاعلية واللعب، التي من شأنها تسهيل تعلم الرياضيات وتقريبها من ذهن التلميذ.

وقال إن تونس تحتاج إلى سياسة وطنية تقلّص التوجيه المفرط نحو شعب الآداب والاقتصاد، مع وجود تفاوت كبير بين الجهات، لافتا إلى أن ولاية صفاقس تسجّل نتائج نجاح مرتفعة في امتحان البكالوريا بفضل التوجيه القوي نحو شعبة الرياضيات.

وفي المقابل، أقرّ مستشار عام في الإعلام والتوجيه بأن وزارة التربية تحتاج إلى إرساء برامج تدعم المواد العلمية منذ المرحلة الابتدائية، في ظل هيمنة المواد الاجتماعية على حساب مادة الرياضيات.

التلميذ اليوم ليس بمنأى عما يعيشه المواطن التونسي في البلاد من ضغوطات يومية تؤثر عليه سلبا

وخلص إلى أن الإشكال لا يقتصر فقط على مسألة التوجيه، بل يمتد إلى النظرة المجتمعية السلبية تجاه مادة الرياضيات، فضلا عن غياب تكافؤ الفرص في التكوين المبكر، وهو ما يفسر تزايد الإقبال على شعبة الاقتصاد والتصرف.

وأكدت دراسة لـ”يونيسف” أن من أسباب النسب المنخفضة للالتحاق بشعبة الرياضيات، الضعف الكبير في المكتسبات الأساسية للتلميذ التونسي في المرحلة الابتدائية، الذي يعاني من ضعف فادح في مادة الرياضيات، مقابل معاناة 34 في المئة من التلاميذ من نقص في مهارات القراءة والكتابة.

وتظهر إحصائيات التعليم في تونس انحدارا ملحوظا لإقبال المتعلمين على شعبة الرياضيات.

ففي حين كانت النسبة 22.7 في المئة خلال السنة الدراسية 1999 – 2000 ، تقلصت لتصبح 9.2 في المئة خلال السنة الدراسية 2018 – 2019 وبلغت النسبة 8.5 في المئة خلال السنة الدراسية 2022 – 2023.

بل ولم تمثل نسبة الناجحين في شهادة الباكالوريا من المرشحين عن شعبة الرياضيات سوى 10 في المئة فقط من عموم الناجحين في الباكالوريا سنة 2023، و6 في المئة في دورة 2024.

وقبل أيام على العودة المدرسية، أثير جدل في تونس حول تخفيف المنهج الدراسي لمادة الرياضيات لطلاب المرحلة الإعدادية والثانوية من خلال حذف بعض المحاور من البرنامج. ونشر أساتذة ومدرسون وثيقة تحمل ختم وزارة التربية في الغرض، لكن سرعان ما نفت وزارة التربية الأمر، وأكدت في بلاغ مقتضب أن “لا تغيير في برنامج الرياضيات بالمرحلة الإعدادية والتعليم الثانوي”.

واعتبر رئيس الجمعية التونسية للرياضيات والفنون محمد الإمام أن تخفيف برامج مادة الرياضيات في المرحلتين الإعدادية والثانوية يمكن وصفه بأنه إجراء متهور، مشيرا إلى أن الرياضيات ليست مجرد مجموعة من القواعد والعمليات الحسابية، بل هي علم يعزز التفكير النقدي والمنطقي، وبتخفيف محتوى البرامج يتم حرمان التلاميذ من فرصة التعمق في هذا المجال وتطوير مهاراتهم. وقال “إن تحسين وضع الرياضيات في المنظومة التعليمية، يجب أن يتم أولا بإعادة صياغة البرامج بما يتناسب مع اختصاصات كل شعبة، فالطلاب الذين يتوجهون إلى العلوم التقنية أو الهندسية يحتاجون إلى برامج أكثر تعمقا من أولئك الذين يختارون مجالات أخرى، فهذا التنوع يضمن توافق المحتوى مع مستقبل كل طالب بدلا من تقديم برنامج واحد للجميع.”

Thumbnail

ويجمع عدد من المختصين في الشأن التربوي على أن المدرسة التونسية فقدت الجاذبية وأن التلميذ أصبح الحلقة الأضعف في المنظومة التربوية على غرار تعكر المناخ الاجتماعي وكثرة الإضرابات على مر السنوات الأخيرة.

وبيّن رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم سليم قاسم في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، أن التلميذ اليوم ليس بمنأى عما يعيشه المواطن التونسي في البلاد من ضغوطات يومية تؤثر عليه سلبا، معتبرا أن التلميذ لم يتحصن بكفايات تعليمية لبناء حاضره وغده.

من جهتها اعتبرت رئيسة الجمعية التونسية لتكنولوجيا التربية الحديثة ياسمين الصكلي أن تقنيات العمل التعليمية تعيق التلميذ عن أن يكون حلقة فاعلة في العملية التربوية، مبرزة في هذا الخصوص أن تقنيات العمل المعتمدة تعتبر تقليدية وترسخ الهوة بين التكنولوجيات الحديثة واستخدامها في العملية التربوية، وهو ما يدخل حسب تقديرها الملل في عملية تلقي البرامج التعليمية ومنهجية تقديمها للتلميذ.

ولفتت من جهة أخرى إلى استشراء ظاهرة صعوبات التعلم لدى شريحة واسعة من التلاميذ والتي من شأنها أن تعيقهم في سنوات متقدمة عن النجاح والاستمرار في الدراسة، إضافة إلى أن العديد من الأولياء لا يتفطنون إلى مثل هذه الصعوبات في مراحلها الأولى، إلى جانب ما شهده نمط الحياة من تغيرات أفقدت العائلة البعض من وظائفها التي أوكلتها إلى الحضانات المدرسية.

ودعت رئيسة الجمعية التونسية لتكنولوجيا التربية الحديثة إلى إصلاح الزمن المدرسي وتدريس المواد الاجتماعية بالمرحلة الابتدائية في شكل نواد.

15