تراجع فرص الحل لأزمة مصرف ليبيا المركزي واتجاه لفرض سلطة الأمر الواقع

تمسك سلطتا طرابلس وبنغازي بمواقفهما يجهض مساعي التوصل إلى حل سياسي.
الثلاثاء 2024/09/17
أزمة سياسية تمهد لاستفحال أزمة مالية

لا تزال أزمة مصرف ليبيا المركزي تراوح مكانها، بعد فشل إلى حدّ الآن في التوصّل إلى حلّ سياسي بين الأطراف المشاركة في المشاورات برعاية الأمم المتحدة، وسط ترجيحات المراقبين بوجود أطراف خارجية تدعم تنحي الصديق الكبير عن رئاسة المصرف.

طرابلس - تراجع منسوب التفاؤل في الشارع الليبي حول إمكانية إيجاد حل سياسي لأزمة المصرف المركزي من قبل الأطراف المشاركة في المشاورات الثلاثية التي ترعاها البعثة الأممية بين المجلس الرئاسي ومجلسي النواب والدولة.

وأكدت مصادر مطلعة لـ”العرب”، أن لا أحد من الأطراف المعنية بالأزمة مستعد للتراجع قيد أنملة عن موقفه، مرجّحة أن تكون هناك أطراف خارجية تدعم قرار المجلس الرئاسي بالإطاحة بالصديق الكبير الذي لا يزال مقيما في تركيا إلى جانب عدد من كبار مساعديه بعد فرارهم من طرابلس.

وتابعت أن مجلسي النواب والدولة عجزا عن التوصل إلى حل الأزمة واكتفيا بالاتفاق على جملة الشروط المطلوب توافرها في المحافظ المركزي الذي سيتم تعيينه لاحقا وفق اتفاق أبوزنيقة المغربية حول المناصب السيادية الصادر منذ يناير 2021 ولم يجد طريقه للتنفيذ بسبب الصراع القائم بين المجلسين.

لجنة الاقتصاد بالبرلمان اعتبرت أن إقحام المصرف المركزي في المعترك السياسي أثر سلبيا على الوضع المالي العام

وأضافت المصادر أن هناك معركة كسر عظم بين سلطات طرابلس ونظيرتها في بنغازي، ولاسيما بين مجلس النواب ورئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة الذي تولى إدارة الجهود المبذولة لإقناع القوى الغربية الكبرى بعدم التدخل لنصرة المحافظ المقال من قبل المجلس الرئاسي الصديق الكبير.

وفي الأثناء، قالت وكالة “بلومبيرغ” الاقتصادية إن مصر وتركيا تسعيان للضغط على حكومتي الوحدة الوطنية المؤقتة والمكلفة من مجلس النواب للتوصل إلى اتفاق ينهي حصار تصدير النفط في ليبيا، ونقلت عن مسؤولين ودبلوماسيين، أن مصر وتركيا تسعيان إلى “استثمار زخم صداقتهما الجديدة لمحاولة حل الصراع على السلطة في ليبيا، العضو في (أوبك)، والذي يهدد بالتحول إلى حرب أهلية”.

ويرى مراقبون، أن الحديث عن ضغوط تركية مصرية يعني أن الحل صار بعيدا، وأن الوضع سيستمر على ما هو عليه، إلى أن يعتاد الجميع على سلطة الأمر الواقع التي باتت جزءا أصيلا من السيادة المعتمدة من قبل الفاعلين الأساسيين في ليبيا.

واتهم الباحث بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة جلال حرشاوي أطراف الأزمة الليبية بـ”بعض المماطلة” في مشاورات مصرف ليبيا المركزي، وقال عبر حسابه بمنصة إكس إن بعض اللاعبين يدركون أن “مرور الوقت من دون تحقيق تقدم قد لا يكون أمراً سيئاً بالنسبة إليهم، ولديهم من الأسباب ما يجعلهم يفترضون أن الشعب سوف يلقي باللوم على رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة وليس عليهم بشأن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة”.

وتابع حرشاوي أنهم “يفترضون أنه مع تفاقم الصعوبات، فإن طرابلس سوف تعاني أكثر من بنغازي. هم يهدفون لاستغلال الأمر عبر عدم المساعدة في حل أزمة (مصرف ليبيا المركزي) لتقويض صورة الدبيبة ومكانته”، وفق تقديره.

ودفع استمرار الأزمة بلجنة الاقتصاد في مجلس النواب إلى مخاطبة البعثة الأممية وسفراء دول والمؤسسات المالية الدولية لتوضيح أضرار اقتحام مصرف ليبيا المركزي، مقترحة ثماني خطوات لحل الأزمة، من بينها عودة المحافظ الصديق الكبير ونائبه مرعي البرعصي، واستئناف إنتاج وتصدير النفط الخام، وتشكيل حكومة موحدة، وتقنين الإنفاق العام، ومكافحة الهجرة غير النظامية التي تجاوزت ثلاثة ملايين مهاجر.

البعثة الأممية للدعم في ليبيا، عبّرت عن أسفها لكون مجلسي النواب والأعلى للدولة لم يتوصلا بعد إلى اتفاق نهائي

وحذّرت اللجنة في تقرير مطول حول الأزمة، من مغبة استمرار الأوضاع، ودعت كل الأطراف المحلية والدولية إلى ضرورة الإسراع في عودة الأمور إلى نصابها وفق التشريعات النافذة والاتفاق السياسي الليبي، معتبرة أن إقحام المصرف المركزي في المعترك السياسي بقرار المجلس الرئاسي أثَّر سلبيًا على الوضع المالي العام، وأوقف مسيرة التوحيد التي نجح فيها المصرف كأول مؤسسة سيادية تتمكن من إنجاح هذا الاستحقاق الوطني.

وأشار التقرير إلى تأثر المنظومة المصرفية والعلاقات والتبادلات المالية الدولية بسبب انتهاك حرمة المصرف المركزي، والتعدي على اختصاصه، ورأى أن الأحداث الأخيرة أدت إلى تهاوي سعر صرف الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية بسبب توقف بيع النقد الأجنبي، لافتا إلى أن قرار الرئاسي تسبب في الإضرار بسمعة المصرف المركزي والقطاع المصرفي الليبي لدى المؤسسات المالية الدولية والبنك المركزي، ممّا أدّى إلى تجميد وتعليق علاقات المصرف المركزي مع تلك المؤسسات على حد قوله.

وأبرز التقرير أن ليبيا تعرّضت لمخاطر اقتصادية عالية كانت قد هددت دولاً عربية مجاورة، مثل العراق وتونس ولبنان ومصر وغيرها، موصيا بضرورة استقرار المصرف المركزي وصولاً إلى استقرار سياسي واقتصادي، المستمد من استقرار إنتاج النفط الخام وصادراته.

وكانت البعثة الأممية للدعم في ليبيا، عبّرت الجمعة الماضي عن أسفها لكون الطرفين لم يتوصلا بعد إلى اتفاق نهائي، وأعربت بالمقابل عن ترحيبها “بالتقدم المحرز بشأن المبادئ والمعايير والآجال التي ينبغي أن تنظم الفترة الانتقالية المؤدية إلى تعيين محافظ ومجلس إدارة جديدين للمصرف المركزي”، مشددة على ضرورة أن تتولى كافة الأطراف تحمّل مسؤوليتها عن معالجة هذه الأزمة على وجه السرعة، كون استمرارها ينطوي على مخاطر جسيمة على رفاه الليبيين وعلى علاقات ليبيا مع شركائها الدوليين، داعية الأطراف الليبية إلى إعطاء الأولوية لمصلحة ليبيا العليا وإخراج المصرف المركزي من دائرة الصراعات السياسية.

إلى ذلك، قال مصرف ليبيا المركزي برئاسة الصديق الكبير الاثنين، إن ما ورد في تقرير الإدارة المكلّفة من قبل الرئاسي عن الإيرادات والنفقات عن شهر أغسطس الماضي، هو عبارة عن تضليل للرأي العام، وقد يكون الهدف منه إخفاء بعض المبالغ.

لا أحد من الأطراف المعنية بالأزمة مستعد للتراجع قيد أنملة عن موقفه، حيث هناك أطرافا خارجية تدعم قرار المجلس الرئاسي بالإطاحة بالصديق الكبير

وأكد المركزي في بيانه أن إطفاء الدين العام لا يتم بجرة قلم وهو من اختصاص السلطتين التنفيذية والتشريعية، وأوضح أن مصروفات الباب الأول (المرتبات) زادت بحسب البيان بمقدار 1.1 مليار دينار، بالرغم من أن البيان ذكر في الفقرة (5) منه أن مرتبات شهر أغسطس غير مشمولة في هذا التقرير .

وبين المركزي أن إخفاء الالتزامات القائمة من جدول استخدامات النقد الأجنبي والتي قدّرها البيان نفسه في الفقرة (11) م بمبلغ 6.12 مليار دولار، بالرغم من كونها التزامات قائمة يجب على المصرف سدادها عند استحقاقها، يؤكد قصد التضليل وإخفاء الحقائق في البيان. وتابع المركزي أنه لا يعقل نشر بيانات عن أرباح شهرية للمصرف المركزي قبل مراجعتها واعتمادها من قبل ديوان المحاسبة فضلا عن التصرف فيها.

وأشار مصرف المركزي في ليبيا إلى أن نسب البيان الشهري إلى مجلس الإدارة منتحل الصفة الذي لا يملك نصابا قانونيا بالأساس، نظرا لانسحاب أغلبية أعضائه الذين تمت تسميتهم في قرار المجلس الرئاسي غير القانوني.

وحذر البيان من أن تلك المغالطات تمسّ سمعة المصرف المركزي، وفيها تعمد تضليل الرأي العام وتشويه الحقائق والأرقام، كما تحمّل الإدارة منتحلة الصفة وكل من وقف وراءها المسؤولية الكاملة عن هذا التضليل والتشويه، ونحث الأجهزة الرقابية والقضائية على القيام بدورها في التصدي لهذه الممارسات الخطيرة واتخاذ الإجراءات اللازمة تجاهها.

وكانت إدارة مصرف ليبيا المركزي المكلفة من الرئاسي أعلنت أن الدين العام المقيد في دفاتره تم إطفاؤه وأصبح صفرا، وأوضحت في تقريرها الشهري للإيراد والإنفاق خلال الفترة من يناير إلى نهاية أغسطس 2024، أن إجمالي الإيرادات بلغ 66.72 مليار دينار (318.85 مليار دولار)،

والإنفاق العام بلغ 59.5 مليار دينار (284.11 مليار دولار)، في حين بلغت إيرادات النقد الأجنبي خلال هذه الفترة 13.5 مليار دولار، وإجمالي الاستخدامات التي تم تنفيذها 16.2 مليار دولار، والعجز بالنقد الأجنبي وصل إلى 2.7 مليار دولار.

4