تراجع شعبية الانتخابات يهدد فرص المعارضة في الكويت

الكويت- يخشى مرشحون في الانتخابات البرلمانية، المقررة في الكويت الثلاثاء المقبل، أن تؤدي نسبة المشاركة إلى ظهور برلمان عاجز عن أداء دوره في مراقبة الحكومة وإقرار التشريعات اللازمة للبدء بمسار سياسي وتنموي جديد في البلاد.
وتقدم إلى هذه الانتخابات 207 مرشحين، وهذا العدد من المرشحين من أقل الأعداد منذ انتخابات مجلس 1975. وهو ما يمثّل دليلا على أن عضوية “مجلس الأمة” لم تعد شيئا مغريا، وذلك للسبب نفسه الذي يدفع الكثير من الناخبين إلى العزوف عن المشاركة في الانتخابات؛ إذ عرفت الكويت ثلاثة مجالس نيابية في أقل من ثلاث سنوات، بينما العمر الدستوري للمجلس يبلغ أربع سنوات. ويعني الحل المتكرر للمجلس أن معدل عمر الوظيفة البرلمانية أقل من أن يستحق العناء، بالنسبة إلى المرشحين، كما يعني أن النائب المنتخب لن يؤدي الدور المنوط به بالنسبة إلى الناخبين.
وكانت انتخابات مجلس 2013 شملت 418 مرشحا، من بينهم 8 نساء. أما انتخابات مجلس 2016 فقد شملت 454 مرشحا، من بينهم 15 امرأة، وتراجعت الترشيحات إلى مجلس 2020 المنحلّ مرتين، لتشمل 359 مرشحا، من بينهم 33 امرأة. أما مجلس 2022 المُبطل أخيرا فسجّل 376 مرشحا، من بينهم 27 امرأة.
◙ طريقة تعامل الحكومة مع الاستجوابات التي يقدمها النواب، هي من بين أهم الأسباب التي وقفت وراء اللجوء إلى حل البرلمان
وعادة ما تكون نسبة المشاركة في عمليات التصويت في الكويت عالية، وهي تزيد في معظم الأحوال عن 70 في المئة من الناخبين، ما يوفر للأصوات الناقدة والمعارضة للحكومة مجالا واسعا للاستقطاب، وذلك في ظل نظام انتخابي يقوم على أن لكل ناخب صوتا واحدا، يقدمه لمرشح واحد في دائرته. ويتعين أن يفوز عشرة مرشحين عن كل دائرة من الدوائر الانتخابية الخمس، ليشكلوا برلمانا مؤلفا من 50 نائبا. وفي حال تراجعت أعداد الناخبين تكون فرص الأصوات التصالحية الموالية للحكومة ومراكز النفوذ أوفر، مستفيدة من تراجع حدة الاستقطاب.
وتتمثل التشكيلة البرلمانية من ثلاث كتل رئيسية، الأولى هي كتل التيارات المعارضة مثل “الحركة الدستورية الإسلامية” (حدس)، الجناح السياسي لـ”الإخوان المسلمين”، و”التجمع السلفي”، و”تجمع ثوابت الأمة” (السلفي أيضا)، و”التآلف الإسلامي” (الشيعي)، و”تجمع العدالة والسلام” (الشيعي)، و”المنبر الديمقراطي الكويتي”، و”حركة العمل الشعبي” (حشد)، فضلا عن كتل صغيرة مثل “مجموعة السبعة”.
وتضم الكتلة الرئيسية الثانية ممثلي القبائل الذين يملكون كتل تصويت كبيرة وجاهزة، ومثلهم ممثلو المناطق ذات الطبيعة الفئوية والطائفية، فيما تجمع الكتلة الثالثة دعاة إصلاح معتدلين وموالين لمراكز النفوذ وشخصيات تقليدية أو تتمتع بنفوذ تجاري. وفي العادة هذه الكتلة لا تغلب ممثلي الكتلتين الأخريين، إلا إذا تراجعت نسب المشاركة، فتميل الكفة لصالحها.
ويقول مراقبون إن توزيع الدوائر الانتخابية الحالي يرسم خارطة لمناطق متجانسة فئويا وطائفيا، ما يكشف عن انقسامات بينية داخل المجتمع الكويتي. وهذه تشجع بدورها على تغليب الأصوات الناقدة والمعارضة.
ويبلغ عدد الناخبين في الدوائر الانتخابية الخمس 793 ألف ناخب وناخبة، من بينهم 51.3 في المئة نساء و48.7 في المئة رجالا. وعلى الرغم من غلبة النساء في نسبة الناخبين، فإن عدد المرشحات إلى البرلمان المنتظر يبلغ 13 امرأة فقط، لا يملكن حظوظا وافرة في الفوز، وهو ما يجعل الناخبات أقل استعدادا للانخراط في عملية غير منصفة من الأساس، في مجتمع ذكوري لا يمنح المرأة الثقة، حتى ولو كانت تملك من المؤهلات العلمية أو الثقافية ما لا يمتلكه أربعة أخماس النواب.
وقال الوزير والنائب السابق أحمد المليفي إن “تحريك الجمود السياسي الذي أصاب العمل البرلماني يتطلب وقف الصراع، الذي أدى إلى خلافات بين الكتل النيابية من جهة، ووقف التصادم بين المجلس كسلطة تشريعية والحكومة كسلطة تنفيذية من جهة أخرى، بما أدت إليه تلك الخلافات من تعثّر على مدى سنوات”.
وتأتي الانتخابات الجديدة بعدما تمّ حل مجلس الأمة المنتخب في ديسمبر 2020 مرتين، الأولى بمرسوم أميري صدر في أغسطس 2022، بعد تعثر العمل البرلماني، إثر خلافات نيابية – حكومية ونيابية – نيابية عطلت عقد الجلسات. وبصدور حكم من المحكمة الدستورية في مارس الماضي، قضى بإبطال المجلس المنتخب في سبتمبر 2022، وعودة مجلس 2020 المحلول، كانت المرة الثانية لحل المجلس حيث رفعت الحكومة في 2 مايو الماضي طلبا بحله، وسرعان ما اعتمده ولي العهد، المفوض من أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد ببعض اختصاصاته، أملا في العثور على سبيل لإجراء انتخابات تسفر عن برلمان أقل ميلا إلى مشاكسة الحكومة أو مساءلتها.
وكانت مستشارة لجنة المرأة في مجلس الأمة سابقا عذراء الرفاعي أقرت في حديث مع التلفزيون الرسمي بوجود عزوف عام عن الترشح للانتخابات الحالية يشمل الرجال والنساء. وأرجعت ذلك إلى عدم الاستقرار السياسي والخوف من الترشح والإشاعات المستمرة التي تفيد بأن هناك بطلانا للمجلس المقبل.
ويقول مراقبون إن طريقة تعامل الحكومة مع الاستجوابات التي يقدمها النواب، هي من بين أهم الأسباب التي وقفت وراء اللجوء إلى حل البرلمان. فالحكومات المتعاقبة ظلت تتصرف بشكل يوحي بأنها لا تريد أن يُسائلها أحد أو يدقق أعمالها أحد. وهو ما لا يتوافق مع طبيعة الحاجة إلى وجود برلمان.