تراجع ثقة المصريين في الحكومة يثير قلق الدوائر الرسمية

اتساع التحديات يفرض على الحكومة ترميم العلاقة مع المواطنين.
الاثنين 2024/10/07
إقرار حكومي بالتقصير

اعتراف رئيس الحكومة المصري مصطفى مدبولي بتدني منسوب ثقة الشارع نقطة إيجابية، وتبقى العبرة، وفق المراقبين، في البحث عن الخلفيات التي قادت إلى تلك الحالة مع الرأي العام، وأن الشارع ينشد الحد الأدنى من الحياة الكريمة وتوفير احتياجاته.

القاهرة – تعمل الحكومة المصرية على استعادة ثقة الشارع، بعد اتساع دائرة المخاطر الإقليمية بالتوازي مع شعور عام بعدم وجود بادرة أمل لتحسن الأوضاع الاقتصادية قريبا، ما يشكل خطرا على الأمن والاستقرار في مصر.

وقال رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي خلال لقائه مع عدد من كبار الكتاب والمفكرين، مؤخرا، إن الحكومة تعمل على زيادة مؤشر الثقة المجتمعية مع المواطن، معترفا بأن ذلك ليس سهلا، وفي ظل التحديات الراهنة أصبح ملف إعادة بناء الثقة أمرا مهما للغاية.

وأضاف “مهم جدا مع التحديات الخارجية الرهيبة التي نواجهها أن نحافظ على التماسك الداخلي للدولة المصرية، أما ملف الثقة، والمصداقية في الحكومة، فلا أعلم إذا كان هناك تقصير من الحكومة أم لا.. بالرغم من ظهورنا إعلاميا لإتاحة البيانات الكافية للناس، هناك مشكلة في إقناع الناس بالإيجابيات“.

جمال أسعد: ترميم الثقة بين الحكومة والمواطنين ليس مهمة سهلة
جمال أسعد: ترميم الثقة بين الحكومة والمواطنين ليس مهمة سهلة

وترى دوائر سياسية أن نبرة رئيس الحكومة حول الثقة مع الشارع تعكس مخاوف متصاعدة من استمرار الخلاف بين الطرفين، وعدم إحساس الناس بإيجابيات على الأرض ما يغذي الإحباط، بالتزامن مع تقلبات إقليمية تستدعي تماسك الجبهة الداخلية.

وتشكو شريحة من المصريين من الظروف الاقتصادية الصعبة، ولا يهتم المنتمون إليها بما تتبناه الحكومة من خطط وسياسات لأنها لا تصب مباشرة في صالحهم، ما ضاعف عبء ترضية الناس، ومهما اتخذت الحكومة من قرارات إيجابية، تثار حولها شكوك، وقليلا ما تحظى بتأييد كبير من المواطنين.

وحمل اعتراف رئيس الوزراء بتلك المشكلة أن حكومته على مقربة من نبض الشارع، وتُدرك جيدا نظرته إليها، والمعضلة أنها لم تستوعب الأسباب التي عمقت الفجوة، وقادت إلى تهاوي جدار الثقة إلى هذا الحد، وهو ما يظهر في تأكيد مدبولي أن الكثير من الناس لا يسمعون عن إنجازات الحكومة.

ويصعب فصل مخاوف الحكومة عن تشعب التحديات الداخلية والخارجية، ما قد يتسبب في أزمات أمنية وسياسية أعمق، لأن قوة السلطة ومؤسساتها تتأسس على مقدار الثقة بها، وبدونها من السهل على خصومها تأليب الرأي العام.

ويرى مراقبون أن اعتراف رئيس الوزراء بتدني منسوب الثقة نقطة إيجابية وتحمل قدرا من الشجاعة، والعبرة في البحث وراء الخلفيات والأسباب التي قادت إلى تلك الحالة مع الرأي العام، والاقتناع بأن الشارع لا يطلب المستحيل، وينشد الحد الأدنى من الحياة الكريمة وتلبية رغباته.

وأكد المحلل السياسي جمال أسعد أن ترميم الثقة بين الحكومة والمواطنين ليس مهمة سهلة، ويتطلب التعامل بإجراءات واقعية يلمسها الناس، مع وجود محاسبة برلمانية ضد التقصير، والمصارحة طوال الوقت، والمشكلة أن الحوار الوطني بين الحكومة وطيف من المعارضة لم يسفر عن إجراءات تعيد الثقة.

وأوضح أسعد في تصريح لـ “العرب” أن تقريب المسافات بين الطرفين جزء أساسي من تأسيس حائط صد ضد أي مخاطر أو تهديدات، وتلك ضرورة سياسية تفرض على المسؤولين التعامل مع مطالب الناس بحكمة، وتقريبهم من التحديات لتعزيز التماسك.

وجزء من مشكلة الحكومة أنها اعتادت تقديم هدايا مجانية لخصومها، بإصرارها على التعامل مع قضايا الرأي العام بطريقة عقيمة، حيث تتراخى في تفنيد ما يذاع ويبث ويكتب من شائعات، وهناك شواهد عديدة تقاعس فيها مسؤولون عن المكاشفة ما كبد الحكومة خسائر سياسية فادحة.

ويستثمر مناوئون لها في إصرار بعض المسؤولين على إقناع الناس بواقع خيالي، بينما منسوب الفقر يتصاعد والظروف المعيشية تزداد قسوة، مع عدم وجود انفراجة ملموسة، ما أوحى للمواطن العادي بأن الحكومة تعيش بعيدة عنه، وهو ما وسّع الفجوة بين الطرفين.

كما أن جزءا من محاولات استعادة الثقة من جانب الحكومة يتعلق بالسعي نحو إعادة صناعة الأمل لدى المواطنين، بما يخلق حالة تفاؤل ويغلق الباب أمام دعوات مشبوهة تعتمد على التشكيك في السياسات الاقتصادية التي تتمسك الحكومة بتطبيقها.

ولفت جمال أسعد لـ”العرب” إلى أن تراجع الثقة في الحكومة قاد إلى تصديق شائعات خارج حدود العقل والمنطق، وهذا خطر سياسي، يفرض حتمية وجود غزارة في المعلومات المرتبطة بملفات حيوية، لأن التجاهل وعدم توضيح المواقف وشرح القرارات وعدم تفسير التوجهات يُحرج المؤسسات ويعمق الشكوك.

شريحة من المصريين تشكو من الظروف الاقتصادية الصعبة، ولا يهتم المنتمون إليها بما تتبناه الحكومة من خطط

وكثيرا ما يُفهم عدم تجاوب الحكومة مع مطالب الناس في معرفة الحقيقة على أن تمهيد لكوارث تتم التغطية عليها، وهي ثغرة يستغلها معارضون للنظام لتحقيق مآرب سياسية مشبوهة، أحيانا ينجحون في نيلها عبر استثمار غياب الثقة في الجهات الرسمية، وتصديق البعض لأي شيء يتردد حولها.

ويتطلب إقناع المصريين بالتغير إلى الأفضل بحثا عن الرضا الشعبي على أداء الحكومة، إجراءات حاسمة حول قضايا تمس صميم احتياجات الناس، خاصة أن اهتمام المواطن يكاد يقتصر على تدبير احتياجاته الرئيسية، ونجاحها في ضبط الأسواق وبدء تحسن الأوضاع الاقتصادية.

ومن دون الوصول إلى تحقيق بعض هذه الأهداف، فكل ما يتم التسويق له من إنجازات تنموية أو محاولة مخاطبة الشارع بطريقة هادئة بحثا عن الثقة المفقودة، أو ترويض غضبه، قد لا تكون له قيمة حقيقية، طالما أن الخطوة المرتبطة بإثبات حُسن النوايا من الحكومة لم تتحقق، وليست هناك بادرة لتنفيذها.

ومعروف عن المصريين استعدادهم لتحمل الصعوبات المعيشية، لأن بلادهم تواجه تهديدات لأمنها القومي، لكن قدرتهم على استمرار التحمل ترتبط بأن تفعل الحكومة ما عليها، وتكف عن التحجج بالتحديات لتبرير بعض الإخفاقات والسياسات الخاطئة، لأن ذلك يرتقي في نظر الناس إلى أنهم يتعرضون لتخدير سياسي.

وبعيدا عن مدى قدرة الحكومة على استعادة الثقة مع الشارع في هذا التوقيت أم لا، فإنها مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتصويب مساراتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، على الأقل ليشعر الناس بوجود نوايا للإصلاح وإرادة لتنفيذ رؤى تعبّر عن نبضهم، بدلا من إكراههم على سياسات لا جدوى منها.

2