تراجع الدعم الخارجي يعمّق أزمات الأردن

يرجع محللون انحسار المساعدات المالية الخارجية للأردن لاسيما الخليجية منها إلى عدة عوامل لعل أهمها الاصطفافات الإقليمية المتناقضة والتي تتعارض مع مصالح بعض الدول المانحة. ويزيد تراجع المعونات المالية من حدة الأزمة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية.
عمّان - لا يكاد يمر عام على الأردن دون أزمة يكون سببها اقتصاديا، لاسيما أن المملكة تقع في مكان جيوسياسي جعل منها واجهة لتلقي ويلات وتداعيات أزمات تحيط بها.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الأردن المأزوم اقتصاديا استطاع خلال السنوات الماضية أن يحافظ على استقراره وسط محيط ملتهب، بل وأن يحمي حدود دولٍ تُجاوره، إلا أن ذلك لم يشفع له، بل شهد دعمه تراجعا ملحوظا، واقتصر على قروض لم تجنبه تداعيات الأزمات.
وانشغلت دول العالم، وخاصة الأوروبية منها، بالأزمة الروسية – الأوكرانية وما خلفته من نتائج ثقيلة عليها، فيما تبحث دول إقليمية عن تعزيز مكانتها العالمية، ليُترك الأردن وحيدا تحت وطأة مواقفه السياسية التي لا تلقى استحسانا من أطراف ترى فيها معارضة لمصالحها.
ويحاول الأردن أن يعوض نقص دعمه الخارجي عبر إجراءات حكومية لا يقبلها الشعب، ومنها “المشتقات النفطية” التي شهدت أسعارها ارتفاعا كبيرا أدى إلى حدوث إضراب قطاع النقل في الخامس من الشهر الجاري، وما نتج عنه من تطورات واحتجاجات أسفرت عن مقتل 4 من رجال الأمن، ومشتبه به في قتل واحد منهم.
وبيّن المحلل الاقتصادي مازن مرجي أن “المساعدات التي كان يتلقاها الأردن كمنح، إن كانت من الدول العربية وخاصة الخليجية، أو من الاتحاد الأوروبي ودوله، إضافة إلى الولايات المتحدة وكندا واليابان، كانت تشكل ركيزة أساسية لدعم الموازنة الحكومية السنوية”.
وأضاف مرجي “منها ما كانت منحا مطلقة غير مشروطة ودون مقابل موجهة إما لبرامج الموازنة أو برامج أخرى تنفذ بإشراف هذه الجهات الداعمة، أو ضمن برامج واتفاقيات ثنائية لدعم قطاعات معينة، مثل الصناعة والتجارة والطاقة والمياه وغيرها”.
وأما عن الوضع الحالي، فاعتبر مرجي أن “هناك تراجعا كبيرا للمساعدات الموصوفة بالمنح، وأصبحت قليلة جدا منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008”.
وأشار إلى أن “بعض الدول المانحة خفضت مساعداتها للأردن بشكل كبير لأسباب ودوافع سياسية خاصة بها، ولا ترتبط بقدرة تلك الدول أو عدمها على مساعدة الأردن”.
ورأى أن بعض الدول “تحاول الضغط على الأردن بسبب مواقفه السياسية من قضايا معينة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وما تسمى بـ”صفقة القرن” التي تسعى لرفع يد المملكة عن وصايتها على الأماكن المقدسة فيها”.
ولفت إلى أن “تراجع أدوار الأردن المحورية بالمنطقة، وتمثيله سابقا عن دول عظمى، وخاصة الولايات المتحدة، دفع بدول مانحة إلى تقليص وتخفيض مساعداتها بما يتناسب مع الدور المفترض للأردن”.
وأضاف “الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تُقدم للأردن مساعدات كبيرة للموازنة، ورغم ذلك فإن العجز مستمر، وسابقا كان يُغطى من المساعدات الأخرى للدول، إلا أن مساعدات تلك الدول تحولت إلى برامج لا تسمن ولا تغني من جوع، وهو ما عمق تأزّم الوضع الاقتصادي”.
وتوقع مرجي استمرار المصاعب الحكومية بالأردن للعام القادم 2023، مرجعا سبب ذلك إلى ”استمرار التوسع في الإنفاق ما بين 9 و10 في المئة، وعجز بالموازنة بواقع 2.6 مليار دينار (3.6 مليار دولار)، ونسب نمو متدنية لا تزيد على 2.6 في المئة، وبطالة نسبتها 22.6، وفقر نسبته 22 في المئة”.
الأردنيون يحمّلون مسؤولية تأزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لحكومة بشر الخصاونة مطالبين برحيلها
وحسب تبرير الحكومة، لا يستطيع الأردن حل تلك المشكلة إلا باللجوء إلى الاقتراض الخارجي والداخلي، وهو ما أدى إلى ارتفاع قيمة المديونية إلى 50 مليار دولار، وبما نسبته 116 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الألمانية – الأردنية (حكومية) بدر الماضي، “أعتقد أن أولويات الدول المؤثرة في المنظومة السياسية العالمية قد تغيرت في السنوات الأخيرة لأسباب عديدة، منها كسر ظهر الإرهاب، والذي كان للأردن دور كبير فيه بحكم موقعه الجيوسياسي”.
ورأى أن “بعض الدول الإقليمية حاولت القفز على الدور الأردني تجاهها، من خلال محاولات التطبيع المستمرة ومساعي إرسال رسالة إلى دول العالم مفادها أن المملكة ليست اللاعب الوحيد في هذا الملف”.
وأشار الماضي إلى “تغيّر البنى السياسية في الإقليم، والتي لم تعد ترى أن دعم الأردن كدولة محورية من أولوياتها السياسية والاقتصادية، في ظل عدم إدراك لأي مآلات يمكن أن يؤدي بها عدم الاستقرار في الأردن”.
وأرجع أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك (حكومية) محمد بني سلامة أسباب تراجع الدعم الدولي للأردن إلى عوامل تخص الشأن الداخلي، وأخرى خارجية تتعلق بالدول المانحة.
وفي توضيحه لذلك، بين أنه “على الصعيد الداخلي، هناك تراجع للمسيرة الديمقراطية وحقوق الإنسان في الأردن على النحو الذي وثقته تقارير المنظمات الدولية المعنية بذلك، والتي صنفته كدولة غير حرة وغير ديمقراطية”.
وأضاف بني سلامة، وهو خبير دولي في دراسات الديمقراطية وحقوق الإنسان، أن “الكثير من الدول المانحة تربط المساعدات التي تقدمها بالتحسن في ملفات حقوق الإنسان والديمقراطية”.
وأما فيما يتعلق بالدول المانحة، فقد عزا تراجع دعمها للأردن إلى “ظروفها الداخلية والأعباء الاقتصادية التي ترتبت عليها” بسبب أزماتها المختلفة وخاصة فايروس كورونا.
وحثّ بني سلامة بلاده كي لا تُعوّل كثيرا على المساعدات الخارجية لأنها “مشروطة دائما، وربما يأتي يوم تتوقف فيه بشكل كلي، وعليها أن تكيّف نفسها للتعامل مع هذه المستجدات على المدى البعيد”.
وشهد الأردن خلال الأيام الماضية احتجاجات واسعة جاءت تطورا لإضراب في قطاع النقل، طالب منفذوه بـخفض أسعار المشتقات النفطية التي سجلت ارتفاعات كبيرة خلال العام الجاري.
ومساء الخميس الماضي، قُتل العقيد عبدالرزاق الدلابيح برصاصة في الرأس أثناء تعامله مع أعمال شغب كانت تقوم بها مجموعة من “الخارجين عن القانون” في معان جنوبي البلاد.
والاثنين، أعلن الأمن العام الأردني تنفيذ مداهمة لضبط مشتبه به في قتل الضابط، أسفرت عن مقتله و3 من رجال الأمن.
ويحمل الأردنيون مسؤولية تأزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لحكومة بشر الخصاونة مطالبين برحيلها وهو ما قد يقدم عليه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في قادم الأيام ضمن سلسلة من التدابير لتطويق الاحتجاجات.
ويتوقع محللون أن تتطور الأمور إلى حال عصيان مدني على مستوى المملكة في غياب القدرة على اجتراح الحلول.
ويؤكد محللون أن حكومة الخصاونة تفتقر إلى خبرة التعامل مع الشارع، معتبرين أن حججها للدفاع عن سياستها القائمة على رفع أسعار الوقود تهاوت أمام الأزمات المتراكمة التي تلاحقت على الأردنيين منذ جائحة كورونا.
وقدمت الحكومة الأردنية بعض الحلول من بينها زيادة أجور الشحن، وتوزيع مبالغ مالية دعما للأسر الأكثر تضررا، لكن يبدو أنها لم تكن مرضية بشكل كاف للمحتجين.