تراجع الجنيه يدفع إعلاميين مصريين للخروج عن النص

مع احتدام الأزمة الاقتصادية في مصر، خرج إعلاميون مصريون عن الإطار الذي التزموا به طيلة السنوات الماضية بالدفاع عن الحكومة، فهل تكون الفرصة مواتية لوسائل الإعلام المحلية لاستعادة المشاهدين الذين لم يعودوا ينتظرون جديدا من وجوه مارست التطبيل في كل الأزمات؟
القاهرة - استخدم عدد من الإعلاميين المصريين المعروفين بولائهم للحكومة أخيرا نبرة جديدة لتوصيف الأوضاع الاقتصادية الراهنة والتحذير من خطورتها، ورسموا صورة قاتمة للأوضاع خلال الفترة المقبلة، وعبروا عن مخاوفهم بشأن المستقبل، ما يشكل خروجا نادرا عن النص بعد أن لعبت وسائل إعلام محلية دورا كبيرا في الدفاع عن السياسات العامة، والتخفيف من حدة المشكلات التي تعاني منها قطاعات واسعة.
وأثارت مواقف هؤلاء الإعلاميين تساؤلات عديدة حول ما إذا كان احتدام الأزمة الاقتصادية يقابله اتساع في مساحة الحرية أمام الإعلام للمساهمة في امتصاص المشكلات بما يتيح الفرصة لجذب الجمهور مرة أخرى، أم أنها جاءت بشكل شخصي ممن رأوا ضرورة في الحديث بلسان المواطنين لتخفيف الانتقادات التي يتعرضون لها باستمرار.
ورد الإعلامي عمرو أديب ضمنيا على تصريحات أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي، مساء الجمعة، خلال تهنئته للأقباط بمناسبة عيد الميلاد في كاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية الجديدة (شرق القاهرة) وطمأن فيها المصريين بشأن مستقبل البلاد. وقال أديب في برنامجه “الحكاية” المذاع على فضائية “إم.بي.سي.مصر” “لسنا خائفين أو قلقين على مصر، نحن خائفون على أنفسنا، وعلى أولادنا، وهذا خوف مبرّر لا يزرعه أحد، وتوجد حالة قلق وخوف حقيقي من المستقبل داخل كل بيت مصري، وكلمة اطمئنوا فقط غير كافية”.
وتابع “التقارير تقول إنّ سعر صرف الدولار سيصل إلى 28.5 جنيها مع عودة البنوك إلى العمل، الاثنين، بينما سعره في السوق السوداء يزيد على 30 جنيها، وعدد من المصنعين أكدوا لي ارتفاع الأسعار مجددا في الأيام المقبلة بسبب التراجع الحاصل في الجنيه، وتجربة الفترة الماضية تؤكد أن التجار في مصر أقوى من الحكومة، والدليل هو الزيادة المستمرة في أسعار السلع كافة”.
واستيقظ المصريون صباح الأربعاء الماضي، على انخفاض جديد مفاجئ لقيمة الجنيه المصري، ووصل سعره في اليوم نفسه إلى أكثر من 26.50 لكل دولار، وطرح بنك مصر والبنك الأهلي شهادات ادخار بقيمة 25 في المئة لسحب السيولة من الأسواق ومجابهة التضخم الذي وصل إلى مستويات مرتفعة.
ولم تختلف كثيرا الطريقة التي تحدث بها الإعلامي إبراهيم عيسي عن أديب، حيث أكد أن “الأزمة الاقتصادية الراهنة طاحنة وهي أسوأ الأزمات التي عبرت بها مصر خلال تاريخها الحديث، وخلّفت مشهدا ضبابيا أكثر ضغطا على الأعصاب”. وأوضح في برنامجه “حديث القاهرة” على فضائية “القاهرة والناس” الجمعة، أن “كبار رجال الاقتصاد في العالم ينظرون إلى أن تقييم قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي تم بصورة مبالغ فيها، بينما يرى بعض الخبراء أن مصر تعاني من ضائقة شديدة لدرجة أن بعض المشرعين يريدون طرح بعض أسهم قناة السويس للبيع”.
ويتفق خبراء الإعلام على أن وسائل الإعلام المحلية أمام فرصة مواتية لاستعادة المشاهدين، لأن هناك قناعة بوجود أزمات بحاجة إلى حلول، وتصعيد اللهجة الآن يتماشى مع تطلعات حكومية لامتصاص غضب الشارع، لكن الأزمة تكمن في قيود يفرضها إعلاميون على أنفسهم مع يقينهم بوجود محاذير يصعب الاقتراب منها.
مواقف الإعلاميين تثير تساؤلات عديدة حول ما إذا كان احتدام الأزمة الاقتصادية يقابله اتساع في مساحة الحرية ، أم أنها جاءت بشكل شخصي لتخفيف الانتقادات التي يتعرضون لها باستمرار
ويتجاوز الخروج عن النص هذه المرة من بعض الإعلاميين الحكومة ويصل إلى السياسات العامة للدولة، ويستهدف البحث عن آليات لمجابهة التراجع المستمر في قيمة الجنيه وانعكاسه على الأوضاع الداخلية، وهو أمر يصعب أن تتحمله الحكومة بمفردها، إذ توجد مؤسسات عدة تشترك في اتخاذ القرارات وتحسين الوضع الراهن. ويشير الخطاب غير المألوف إلى أن الإعلام المصري قد يكون على أعتاب مرحلة جديدة يمارس فيها عمله وسط مساحة أكبر من الحرية، مع انزواء الأسباب التي كان بمقتضاها يتم التعتيم على أوضاع سلبية عديدة بسبب الأخطار الأمنية التي تعرضت لها البلاد خلال سنوات ماضية.
وأكد أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة مسعد صالح أن رسائل الإعلاميين وإن كانت قوية هذه المرة لن تُقنع المواطنين لأنهم ظلوا صامتين لسنوات، ما يجعل الكثير من المتابعين يتساءلون عن أسباب اختلاف النبرة في هذا التوقيت، مع أن البلاد تعرضت لأزمات مختلفة سابقا، ويعبر ذلك عن فقدان مصداقيتهم لدى الرأي العام.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن الإعلام ليس مطلوبا منه في أوقات الأزمات الكبرى تكريس الخوف والقلق والتوتر للمواطنين، والأجدى أن يبحث الإعلاميون من خلال برامجهم عن حلول للمشكلات والحديث بموضوعية عن متاعب المواطنين وإثراء النقاش الموضوعي الذي يمكن أن يُغير الصورة النمطية للإعلام المحلي في نظر الناس، وأن الصراخ طوال الوقت لم يعد مجديا وبات فاقد التأثير.
وشدد صالح على أن الإعلامي المحترف يستطيع أن يخلق مساحة لتوصيل رسالته وإن تعرض للتضييق، والحديث عن تجارب دول مماثلة وكيفية تخطيها أزمات الركود الاقتصادي التي مرت بها يعد من الأدوات التي يمكن الاستفادة منها، فالمواطنون ينتظرون الرسائل المهنية والقرارات التي تؤثر إيجابا في واقعهم، ومن الأجدى للبرلمان أن يتخذ خطوات تشريعية لدعم منظومة التموين بدلا من مهاجمة الوزير والمتاجرة إعلاميا بما تعرض له الرجل من انتقادات حادة لتحميله وحده المسؤولية.
وتبقى المواءمة السياسية حاضرة في انتقادات الإعلاميين للأوضاع الراهنة، لأن وجود أزمة كبيرة واعتراف الحكومة بها ورئيس الدولة نفسه مع وجود إدراك عام بمخاوف الناس وقلقهم على مستقبل بلدهم يجعل أمام الإعلام مساحة للحركة يمكن توظيفها لرفع سقف الحرية دون تعرض القائمين عليه للإحراج من قبل النظام الحاكم.
المصريون استيقظوا على انخفاض جديد مفاجئ لقيمة الجنيه المصري، ووصل سعره في اليوم نفسه إلى أكثر من 26.50 لكل
وانتشرت على مواقع التواصل بصورة كبيرة تصريحات إعلامية لمرتضى منصور رئيس نادي الزمالك الرياضي على فضائية القناة المملوكة للنادي (الزمالك) وجه فيها انتقادات حادة لسياسة الدولة في ما يخص إدارة الاقتصاد الذي وصفه بأنه وصل إلى “مرحلة صعبة تنذر بخطر كارثي”.
ووجه منصور حديثه إلى الجهات المسؤولة بالدولة قائلا “الحقوا البلاد الناس مش لاقية تاكل (لا تجد قوت يومها)، ولا يمكن أن يأتي الاستثمار إلى دولة تعاني كل هذه المشكلات”. واختتم حديثه قائلا “إما أن نعمل على تحسين الأجواء العامة لجذب الاستثمار أو الاتجاه إلى الخراب، وما يحدث في الوقت الحالي خراب”.
وبلغة أخف وطأة وجه الإعلامي والنائب البرلماني مصطفى بكري نداء إلى أجهزة الدولة المختلفة عبر فيديو بثه على صفحته بموقع فيسبوك، طالب فيها “بضرورة التدخل لستر المواطنين”، مشيرا إلى أن الطبقة المتوسطة تكاد تكون سحقت سحقا، والفقراء أوضاعهم صعبة للغاية، في ظل تراجع الرقابة على الأسعار لمواجهة الاستغلال الكبير في الأسواق.
وقد تقود مواقف بعض الإعلاميين وجرأة القنوات الفضائية العاملين بها إلى التنصل من التعتيم السائد منذ سنوات الماضية، بما يوحي بإمكانية عدم العودة إلى المنهج الذي كان متبعا في السابق، وأن انفتاح الإعلام على الأزمات قد يجعله أكثر انخراطا في الموضوعات التي تشكل اهتماما للمواطنين.
ومن المتوقع أن يُحدث ذلك انفراجة لإعلاميين خسروا جزءا كبيرا من قاعدتهم الجماهيرية بعد انسياقهم المستمر وراء تصورات النظام.