تراجع الاقتصاد التركي يبدد أحلام أردوغان التوسعية في أفريقيا

أنقرة لم تعد في وضع يتيح لها تقديم المساعدة التي تحتاجها بلدان جنوب الصحراء الأفريقية.
الأحد 2021/03/14
تراجع رهان أردوغان وطموحاته الأفريقية

نيويورك - تخلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن الاحتفالات المهيبة ومظاهر الترف التي يحرص على الظهور بها في أغلب المناسبات الرسمية، خلال استقباله مؤخرا اثنان من رؤساء دول غرب أفريقيا في إسطنبول.

وعقد أردوغان لقاءاته مع الرئيس السنغالي ماكي سال ورئيس غينيا بيساو أمارو سيسكو إمبالو خلف أبواب مغلقة، دون استعراضات كبيرة كما اعتاد الرئيس التركي الساعي لتكريس نفوذ بلاده في منطقة القرن الأفريقي.

ويرى المحلل السياسي والكاتب الصحافي الهندي بوبي جوش في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ أن غياب مظاهر الترف عن الاستقبالات الرئاسية في تركيا مؤخرا يبدو مقصودا، حيث لم يعد لأردوغان الكثير مما يستطيع أن يقدمه لزواره من الرؤساء.

وسعى أردوغان لتعزيز روابطه مع دول جنوب الصحراء الأفريقية والتي كان يتم الترويج لها كدليل على تمدد النفوذ التركي، إلا أنه وعلى الرغم من توسع نفوذ تركيا في القارة الأفريقية في السنوات الأخيرة، فإن جائحة فايروس كورونا أدت إلى الحد من قدرة أنقرة على الرهان على طموحاتها الأفريقية.

ويرى جوش أنه في ظل المحنة التي يمر بها الاقتصاد التركي، لم تعد أنقرة في وضع يتيح لها تقديم المساعدة التي تحتاجها بلدان جنوب الصحراء الكبرى في الوقت الحالي، ما أدى إلى إضعاف قبضة أردوغان في غرب أفريقيا التي تشهد تصاعد المنافسة الفرنسية التركية على خلفية الصراع بين أردوغان ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون.

ومنذ وصول أردوغان إلى السلطة في 2003، فتحت تركيا 30 سفارة جديدة في القارة، وزار الرئيس التركي 28 دولة أفريقية وحرص على التسويق الإعلامي لسياساته تجاه القارة السمراء من بوابة النهوض باقتصاديات الدول الأفريقية المتعثرة.

وقد تكون التجارة التركية مع أفريقيا جنوب الصحراء ضعيفة بالنسبة لتعاملات دول القارة مع الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والهند، لكنها نمت إلى أكثر من سبعة أمثالها في أقل من عقدين، لتصل إلى 10 مليارات دولار.

ويرى جوش أن هذه الأرقام لا تعكس بشكل كاف اتساع وعمق الوجود التركي في المنطقة، والذي لا يشمل المصالح التجارية والأمنية فحسب، بل يشمل أيضا القوة الناعمة التركية الكبيرة.

ويشير مراقبون إلى أنه لا يمكن التعويل على أنقرة لتحقيق تنمية في هذه البلدان أو وقف بعض التوترات في دول جنوب الصحراء، ورأوا أن سياسة أنقـرة في أفريقيا لا تعـدو أن تكون تدخلا في الشؤون السيادية بامتياز، تحت عنوان التجارة والتنمية تعزيزا لنفوذها.

وقبل تفشي جائحة كورونا كانت أنقرة تعد موردا مهما للأسلحة في القارة، كما تحتفظ بقواعد عسكرية في الصومال والسودان وتوفر التمويل لقوات مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي.

على غرار ذلك كانت شركات البناء التركية تمد خطوط السكك الحديدية والمطارات، وتسيّر الخطوط الجوية التركية رحلات إلى وجهات في جنوب الصحراء الأفريقية أكثر من أي شركة طيران غير أفريقية. كما ساهمت المساعدات التركية والمؤسسات الخيرية الدينية في بناء المدارس والمستشفيات والمساجد.

لكن جائحة كورونا كشفت محدودية نفوذ تركيا، فقد اكتشفت دول جنوب الصحراء أن أنقرة ليس لديها الكثير الذي يمكن أن تقدمه لها في مواجهة التداعيات الاقتصادية.

ووجد أردوغان نفسه أمام خيارات محدودة لمجابهة أزمة مزدوجة، قد تكون آثارها مدمرة على الوضع الاقتصادي وعلى مستقبله السياسي.

وعلى عكس الصين والهند وروسيا، لا تستطيع تركيا توفير لقاحات مضادة للفايروس، كما أنها لا تمتلك أموالا ضخمة كتلك التي يمتلكها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين لمساعدة هذه البلدان المثقلة بالديون الهائلة.

وفي ظل اضطرار حكومات الدول الأفريقية إلى تقليل الاقتراض وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق للتعامل مع التداعيات المستمرة للجائحة، بما في ذلك احتمالات عودة عشرات الملايين من الأفارقة إلى دائرة الفقر من جديد، من المحتمل أن تقلص تلك الدول أو تؤجل العمل في العديد من مشروعات البنية التحتية العملاقة التي تعمل فيها شركات المقاولات التركية.

ويرى الخبير الأميركي في المقابل أن دول الخليج العربية لديها بالضبط ما تحتاجه الدول الأفريقية المتعثرة وهو المال، كما أن بروز الإمارات العربية المتحدة أيضا كمركز إقليمي للقاحات، يمنحها نفوذا إضافيا على حساب تركيا.