تراجع الأسعار يُفاقم معاناة مُصدّري النفط الخام في الأسواق الناشئة

دول الخليج قادرة على تحمل الضغوط بفضل الاحتياطيات وانخفاض الديون.
الأربعاء 2025/04/16
لكل طريقته في التأقلم مع السوق

يجمع مُحللون على أن الانخفاض الحاد في أسعار النفط الخام، والذي يُعزى بشكل رئيسي إلى حرب الرسوم الجمركية، سيُثقل كاهل ميزانيات المُصدّرين في الأسواق الناشئة على عكس المنتجين الخليجيين، في حين أن التباطؤ الاقتصادي المُحتمل قد يُقلّص أيضًا أيّ فوائد للمستوردين.

نيروبي/لاغوس- أدت المخاوف بشأن تأثير حرب تجارية متبادلة ذكتها الولايات المتحدة مطلع أبريل الجاري على النمو العالمي والطلب على النفط إلى انخفاض أسعار خام برنت بأكثر من 20 في المئة خلال أسبوع، لتصل إلى أدنى مستوى لها في أربع سنوات.

ومع ذلك استعادت الأسعار بعضًا من عافيتها لتقترب من 66 دولارا للبرميل، بعد أن كانت أقل من 60 دولارًا لكن الأسعار لا تزال منخفضة بأكثر من 10 في المئة منذ بداية الشهر الجاري.

وجاء هذا التحول مدفوعا بإعفاءات جديدة محتملة من الرسوم الجمركية الأميركية، وانتعاش واردات النفط الخام الصينية تحسبا لانخفاض الإمدادات الإيرانية.

ومن المتوقع أن تشهد تركيا والهند وباكستان والمغرب ومعظم دول أوروبا الناشئة التي تعتمد على واردات النفط بعض الفوائد من انخفاض أسعار النفط الخام.

توماس هوغارد: الخاسرون يتضررون بشكل أكبر نسبيا عكس الدول الموردة
توماس هوغارد: الخاسرون يتضررون بشكل أكبر نسبيا عكس الدول الموردة

لكن الدول المصدرة للنفط، بما في ذلك دول الخليج ونيجيريا وأنغولا وفنزويلا، وإلى حد ما البرازيل وكولومبيا والمكسيك، ستعاني من خسارة جزء كبير من عائدات العملات الصعبة، وفقًا للمستثمرين.

وقال توماس هوغارد، مدير محفظة ديون الأسواق الناشئة في جانوس هندرسون إنفستورز “سيتضرر الخاسرون بشكل أكبر نسبيًا من المكاسب التي شهدتها الدول المستوردة.”

وأضاف لرويترز “غالبًا ما تساهم صادرات النفط بشكل كبير في المالية العامة، مما سينعكس إيجابًا على أقساط مخاطر الائتمان.”

وأسعار النفط الحالية أقل بكثير من متوسط افتراضات الميزانية البالغ 69 دولارًا، وفقًا لتوقعات الدول الرئيسية المصدرة للنفط للعام المقبل، وفقًا لحسابات بنك الاستثمار الأميركي مورغان ستانلي، مما جعل أنغولا والبحرين أكثر الدول حساسية.

وتشعر أنغولا بالفعل بضائقة مالية. وصرحت وزارة المالية أنها اضطرت إلى سداد 200 مليون دولار الأسبوع الماضي بعد أن أصدر بنك جي.بي مورغان طلبًا لتغطية هامش ربح على مبادلة العائد الإجمالي للدولة الواقعة في جنوب أفريقيا والبالغة مليار دولار.

ومبادلة العائد الإجمالي هي قرض أصدره المُقرض في ديسمبر الماضي، مدعومًا بسندات أنغولا الدولارية.

وقالت الوزارة لرويترز الاثنين “لقد أثر الوضع الحالي على سوق السلع وسندات اليورو في الأسواق الناشئة، بما في ذلك مستوى تداول سندات اليورو الأنغولية، مما أدى إلى طلب تغطية هامش ربح. وقد أوفت أنغولا بالتزاماتها في الوقت المحدد وبالنقد.”

واختارت أنغولا القرض المضمون لإدارة التزاماتها في وقت واجهت فيه إمكانية وصولها إلى سوق سندات اليورو حالة من عدم اليقين بسبب ارتفاع ديونها الخارجية لمجموعة من الدائنين الأجانب، بما في ذلك الصين ومقرضين تجاريين آخرين.

كما هو الحال مع ما يُسمّى بمصدري السندات الحدودية الآخرين، ارتفع متوسط عوائد سندات الدولار الأنغولية إلى خانة العشرات في ظل عمليات بيع الأصول الخطرة عقب فرض الرسوم الأميركية.

ويُصنّف صندوق النقد الدولي ديون أنغولا على أنها مُعرّضة لخطر ضائقة ديون عالية، لكن الحكومة أكدت أن مسار ديون البلاد لا يزال قويًا ومستقرًا.

ويبرز في خضم ذلك انهيار بعض صفقات الديون. وأفاد بنك جي.بي مورغان في مذكرة بحثية بأن انخفاض سعر النفط الخام يُضعف أيضًا صفقات ديون الأسواق الحدودية التي صمدت لمدة عام على الأقل.

66

دولارا سعر البرميل ارتفاعا من 60 دولارا، لكنه لا يزال منخفضا بـ10 في المئة عن بداية أبريل

وأشار إلى تجارة الفائدة النيجيرية، التي شملت الاستثمار في سندات الخزانة النيجيرية المُصدّرة للنفط على أساس الرهان على أن عملة النيرة لن تنخفض بسرعة مقابل الدولار. ويُخاطر المستثمرون الآن بتكبد خسائر إذا أثر انخفاض سعر النفط الخام على النيرة.

وقال بنك جي.بي مورغان في مذكرة للمستثمرين “اضطر البنك المركزي النيجيري إلى زيادة تدخلاته في مبيعات الدولار لتجنب مخاطر قابلية التحويل والحد من التحرك غير المنظم.”

وذكر محللو البنك أن الانخفاض المستمر في أسعار النفط قد يُقوّض التقدم المُحرز مؤخرًا في الإصلاحات الاقتصادية، بل قد يُعيق مسار التقدم.

ويُشكّل النفط حوالي 90 في المئة من صادرات نيجيريا، ومن المُتوقع أن تُموّل عائدات النفط الخام 56 في المئة من ميزانية هذا العام. وتوقعت الحكومة أن يبلغ سعر برميل النفط 75 دولارًا في ميزانية 2024، لكنها اضطرت إلى تغيير خطتها.

وصرح وزير المالية والي إيدون للصحافيين الأسبوع الماضي “سنعود إلى نقطة البداية لإعادة النظر في ميزانيتنا.”

وأشار خبراء اقتصاديون إلى أن الدول الخليجية المُنتجة للنفط، مثل السعودية والإمارات، قادرة على تجاوز الأزمة بشكل أفضل نظرًا إلى ارتفاع احتياطياتها، وانخفاض ديونها نسبيًا، وبعض الخطوات الحاسمة في التنويع الاقتصادي.

ومع ذلك، قد يُعقّد انخفاض الإيرادات قدرة هذه الدول على الإنفاق على مشاريع جديدة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك.

ونظريًا، من المتوقع أن تستفيد دول الأسواق الناشئة المستوردة للنفط من انخفاض فواتير الاستيراد، وتحسن عجز الحساب الجاري، وتأثير إيجابي على ضغوط التضخم، لكنها تواجه أيضًا مخاطر.

وقالت مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري إن “توقعات انخفاض أسعار النفط إيجابية لمستوردي الخام، وإن كان من غير المرجح أن تُوازن بين الرياح المعاكسة الكبيرة الناجمة عن الحرب التجارية ومخاطر التراجع الكبيرة.”

وخفضت وكالة الطاقة الدولية توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط في 2025 بشكل حاد الثلاثاء بسبب التوترات التجارية المتزايدة، وذلك بعد يوم من خطوة مماثلة من البلدان المصدرة للبترول (أوبك).

وفي تقريرها الشهري، خفضت الوكالة توقعاتها لنمو الطلب إلى 730 ألف برميل يوميا من توقع سابق عند 1.03 مليون برميل يوميا. وقالت إن “تصاعد التوترات التجارية أثر سلبا على التوقعات الاقتصادية والطلب على النفط.”

مونيكا مالك: المستوردون لن يوازنوا بين رياح الرسوم ومخاطر السوق
مونيكا مالك: المستوردون لن يوازنوا بين رياح الرسوم ومخاطر السوق

ومن المتوقع أن يتباطأ النمو أكثر في عام 2026 ليصل إلى 690 ألف برميل يوميًا، حيث أن انخفاض أسعار النفط لم يُعوّض سوى جزء عن ضعف البيئة الاقتصادية.

والاثنين خفّضت أوبك توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط في 2025 للمرة الأولى منذ ديسمبر 2024، عازية ذلك إلى تأثير البيانات الواردة عن الربع الأول من العام والرسوم الأميركية.

وشكلت الرسوم الأميركية إلى جانب خطة مجموعة أوبك+ التي تضم دول أوبك وحلفاء تقودهم روسيا زيادة الإنتاج، ضغوطا على أسعار النفط خلال الشهر الجاري وأثارت مخاوف بشأن النمو الاقتصادي.

وتوقعت أوبك في تقريرها الشهري ارتفاع الطلب العالمي على النفط 1.3 مليون برميل يوميا هذا العام و1.28 مليون برميل يوميا في 2026، بانخفاض 150 ألف برميل يوميا عن تقديرات الشهر الماضي لكلا العامين.

وخفضت أيضا توقعاتها لنمو الاقتصاد العالمي خلال العام الجاري إلى ثلاثة في المئة من 3.1 في المئة، وللعام المقبل إلى 3.1 في المئة من 3.2 في المئة.

وكانت المنظمة قد ذكرت الشهر الماضي أن المخاوف بشأن التجارة ستسهم في التقلبات، لكنها أبقت على التوقعات دون تغيير حينذاك، قائلة إن “الاقتصاد العالمي سيتكيّف.”

وقالت أوبك في أحدث تقاريرها “أبدى الاقتصاد العالمي ثباتا في اتجاهه نحو النمو في بداية العام، إلا أن الديناميكيات الأخيرة المتعلقة بالتجارة زادت الشكوك في ما يتعلق بتوقعات النمو الاقتصادي العالمي على المدى القصير.”

ولا تزال هذه التوقعات عند الحدّ الأعلى من التوقعات في القطاع، وتتوقع أن يستمرّ تنامي استخدام النفط لسنوات، على عكس وكالة الطاقة الدولية التي تتوقع أن يبلغ الطلب ذروة في العقد الحالي مع تحوّل العالم إلى أنواع وقود أنظف.

وأظهر تقرير أوبك أيضا أن إنتاج النفط من الدول الأعضاء في أوبك+ انخفض في مارس بواقع 37 ألف برميل يوميا إلى 41.02 مليون برميل يوميا بسبب خفض الإنتاج في نيجيريا والعراق.

ومن المقرّر أن ترفع المجموعة الإنتاج في أبريل ومايو في إطار خطة للتخلص التدريجي من أحدث شريحة تخفيضات في إنتاج النفط، والتي جرى الاتفاق عليها لدعم السوق.

10