تراجع إدارة بايدن عن سحب القوات الأميركية من العراق سيناريو محبط لإيران وميليشياتها

إبقاء الولايات المتّحدة على قوّاتها في العراق يمثّل السيناريو الأقرب إلى منطق الأحداث وتطوّرات الصراع في المنطقة، حيث لا تبدو الإدارة الأميركية الجديدة في وَارِدِ إخلاء الساحة أمام إيران والاستسلام لمخطّطها القائم على الربط بين الساحتين السورية والعراقية ضمن مسار أطول يصل بين طهران وبيروت، ومن شأن استكماله أن يمنح الإيرانيين ميزة كبرى في صراع النفوذ الشرس الذي يخوضونه.
بغداد - تشير معلومات مسرّبة من وزارة الدفاع الأميركية، البنتاغون، إلى أنّ مراجعات إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لقرارات سلفه دونالد ترامب، قد تشمل قرار سحب القوات من العراق، ما يعني أنّ الإدارة الجديدة لا تعتزم إخلاء الساحة العراقية لإيران وستواصل اتّخاذ الأراضي العراقية منصّة لمراقبة التحرّكات الإيرانية، وكسر حلقة الوصل التي تقيمها طهران بين سوريا والعراق كجزء من مسار أطول يمتد من إيران إلى لبنان.
وتثير مثل تلك المعلومات قلق حلفاء إيران في العراق من قادة أحزاب وميليشيات شيعية تمثّل الأذرع التنفيذية للمخطّطات الإيرانية في البلد، ولذلك ترى نفسها معنية بشكل مباشر بعدم سحب القوات الأميركية التي سبق أن استُخدمت بالفعل في ضرب مواقع تابعة للميليشيات في مناطق الحدود بين سوريا والعراق وأوقعت بها خسائر مادية وبشرية.
وتعقيبا على أنباء بشأن اعتزام وزير الدفاع الأميركي الجديد، لويد أوستن، مراجعة قرار سحب قوات بلاده من العراق، توعّد عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي محمد البلداوي، الخميس، باللجوء إلى ما سمّاه “المقاومة” إذا فشلت السياسة في إخراج القوات الأجنبية من البلاد.
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية عن مسؤولين بوزارة الدفاع البنتاغون، أن إدارة بايدن تبحث استراتيجيتها في العراق وأفغانستان، كرد فعل على قرار سلفه دونالد ترامب، سحب بضعة آلاف من الجنود بشكل عاجل من البلدين.
وأشارت الصحيفة إلى أن أوستن قال، خلال جلسة الاستماع أمام مجلس الشيوخ للتصديق على ترشيحه للمنصب، إنه سيعمل على مراجعة استراتيجيات الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان.
وكان البرلمان العراقي الذي تشغل القوى السياسية الشيعية جزءا كبيرا من مقاعده، قد أصدر في 5 يناير 2020 قرارا ينصّ على إخراج القوات الأجنبية من البلاد، وذلك بعد يومين من مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس في غارة جوية أميركية قرب مطار بغداد.
وفي 2014، انتشر نحو خمسة آلاف جندي أميركي في قواعد عسكرية بأرجاء العراق بطلب من حكومة بغداد ضمن تحالف دولي تمّ تشكيله بمشاركة العشرات من الدول لمحاربة تنظيم داعش الذي استحوذ، آنذاك، على ثلث مساحة البلاد.
وفي أغسطس الماضي، اتفق رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي مع ترامب على أن تسحب واشنطن قواتها من العراق خلال ثلاث سنوات.
وينتشر في الوقت الحالي نحو ثلاثة آلاف جندي أميركي في العراق ضمن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش وفق التحالف الذي تقوده الولايات المتّحدة.
وقال البلداوي المنتمي إلى تحالف الفتح ممثّل ميليشيات الحشد في مجلس النواب العراقي إنّ “قرار إخراج القوات الأجنبية من البلاد شأن عراقي”.
وأضاف لوكالة الأناضول “في حال لم تنجح الحلول السياسية الحكومية لإخراج القوات الأجنبية، فسنلجأ إلى المقاومة لإخراجها”، مؤكّدا قوله “تم اتخاذ القرار ولا رجعة فيه، وليس أمام تلك القوات إلا الانسحاب، ونحن سائرون مع الحكومة باتجاه التطبيق”.
كما رأى النائب المنتمي أيضا إلى عصائب أهل الحق، وهي إحدى أشرس الميليشيات الشيعية في العراق ومن أكثرها ولاء لإيران، أنّ “تواجد القوات الأجنبية في البلاد يشكل تهديدا خطرا على أمن واستقرار العراق والمنطقة”، معتبرا أنّ “الولايات المتحدة تريد أن تجعل من البلد ساحة للاقتتال وهذا أمر مرفوض”.
ويتهم عراقيون واشنطن وطهران باتخاذ العراق ساحة لتصفية حساباتهما، عبر القوات الأميركية الموجودة هناك والفصائل الشيعية العراقية المسلحة المقربة من إيران.
وقالت الصحيفة الأميركية إنّ وزير الدّفاع الجديد يعتزم إجراء دراسة استراتيجية حول مستوى وجود القوات الأميركية حاليا في العراق. واعتبر جون كيربي المتحدث باسم أوستن أنّه من المعقول أن ترغب إدارة بايدن في فهم أفضل لوضع العمليات فى كل من أفغانستان والعراق، والموارد التى يتم استخدامها في البعثات العسكرية هناك، مؤكّدا قوله “لم يتغير شيء في رغبتنا في الدفاع عن الشعب الأميركي من خطر الإرهاب مع التأكد من أنّنا نحدّد استراتيجيتنا بشكل مناسب”.
وبقدر ما يواجه التواجد العسكري الأميركي في العراق من اعتراضات من قبل معسكر الموالاة لإيران المكوّن من أحزاب وميليشيات شيعية، يلقى ترحيبا من قوى عراقية أخرى سنّية وكردية بالأساس تخشى أن يؤدّي تراجع الدور الأميركي في البلد إلى المزيد من اختلال التوازن لمصلحة حلفاء طهران المهيمنين أصلا على أهم مفاصل السلطة.
وقال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، مؤخّرا، إنّ العراق سيطلب من الإدارة الأميركية الجديدة تحديد فريق تفاوضي جديد لبحث تواجد قواتها العسكرية في البلاد.
وعندما أصدر البرلمان العراقي قرار إخراج القوات الأجنبية من البلاد، هاجم رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان البارزاني القرار واصفا إياه بالسيء، بأنّه وليد عواطف وانفعالات ناتجة عن مقتل سليماني والمهندس، ومعتبرا أنّ وجود القوات الأميركية في العراق يستمدّ مشروعية من كون تلك القوات جاءت “بناء على دعوة من الحكومة العراقية وبالتشاور مع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عندما كان تنظيم الدولة الإسلامية على مشارف بغداد”، متسائلا “هل الوضع الحالي في العراق يبرر انسحاب القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي بالنظر إلى مهمتها، وهي المساعدة في هزيمة الدولة الإسلامية”.
ويظهر هذا الموقف أنّ أنصار بقاء القوات الأميركية في العراق لا يفتقرون إلى سند واقعي يتمثّل في عدم قدرة القوات العراقية على ضبط الأوضاع الأمنية في البلد بشكل كامل، بدليل مواصلة تنظيم داعش رغم هزيمته العسكرية منذ أكثر من ثلاث سنوات لهجماته الدامية، على غرار التفجيرين الانتحاريين المنسوبين إليه واللذين وقعا الأسبوع الماضي في سوق بالعاصمة بغداد وأوقعا العشرات من الضحايا بين قتلى وجرحى، وكذلك هجومه الأخير على موقع لقوات الحشد الشعبي في محافظة صلاح الدين والذي خلّف أحد عشر قتيلا من عناصر تلك القوّات.