تذمر تونسي من تردي البنية التحتية والخدمات في الحوض المنجمي

إضراب عام بمدينة أم العرائس التونسية احتجاجا على تدهور البنية التحتية والطرق والتنقل وقطاع الرعاية الصحية.
الجمعة 2025/02/21
ارتفاع غير مسبوق في حوادث الطرقات

تونس - شهدت مدينة أم العرائس في ولاية (محافظة) قفصة جنوب غرب تونس، إضرابا عاما الخميس، احتجاجا على "تدهور" البنية التحتية في هذه المنطقة الغنية بمناجم الفوسفات.

وبدعوة من الاتحاد الجهوي للشغل، وهو فرع من المركزية النقابية الاتحاد العام التونسي للشغل، تم إغلاق المدارس والمحلات التجارية والمؤسسات العامة والخاصة.

وقال الأمين العام للاتحاد الجهوي محمد الصغير الميراوي لوكالة فرانس برس إن ذلك يأتي “احتجاجا على تدهور البنية التحتية والطرق والتنقل وقطاع الرعاية الصحية.”

واتُخذ هذا القرار إثر حادث مرور بين حافلة نقل عام وشاحنة الثلاثاء، أسفر عن ستة قتلى وتسعة جرحى، لكن البعض يرى أن الحادث قد لا تكون له علاقة ببنية الطرق وإنما بالتهور والسرعة، حيث تشهد البلاد ارتفاعا غير مسبوق في الحوادث.

وأكد الميراوي أن “هذا الحادث الأليم أثار غضب سكان منطقتنا المهمّشة”، موضحا أن هذه “النوعية من الحوادث القاتلة تحدث باستمرار في منطقتنا التي لا تزال تفتقر إلى المعدات الأساسية والضرورية لمواجهة الكوارث.”

وأضاف أن “هناك نقصا كبيرا في وسائل النقل العام، والمستشفى لا يحتوي على المعدات اللازمة لتقديم حتى خدمات الطوارئ أو لاستقبال الجثث في المشرحة.”

وتابع “مع ذلك، فإن مدينتنا منجمية ويجب أن تكون من بين المناطق الأولى التي تمتلك على الأقل العناصر الأساسية.”

وشهد الحوض المنجمي، الذي يضم إلى جانب أم العرائس، مدن الرديف والمتلوي والمظيلة، مراحل من الاحتجاجات الاجتماعية وخصوصا في 2008، عندما اندلعت اضطرابات واجهها النظام السابق بشدة. ولم يفلح سقوطه في معالجة المشكلة.

محمد الصغير الميراوي: مدينتنا بها مناجم ويفترض أن تمتلك خدمات أساسية
محمد الصغير الميراوي: مدينتنا بها مناجم ويفترض أن تمتلك خدمات أساسية

ووقفت عوامل سياسية ومؤسساتية وإدارية حاجزا أمام التنمية الجهوية إذ لم تهتم الحكومات خلال أكثر من ستة عقود بالتوزيع العادل للموارد من مخصصات الإنفاق العام على البنية التحتية وتركيز الاستثمارات والمشاريع ذات الجدوى الاقتصادية المستدامة.

لكن أحداث ديسمبر 2010 التي انتهت بالإطاحة بنظام زين العابدين بن علي منتصف يناير 2014، ولئن كانت في الظاهر انتفاضة على الواقع التنموي السائد، فإنها عرت مشاكل إنمائية ملحة.

ويرى محللون أن الاختلال الهيكلي في إدارة الاقتصاد انعكس في شكل عجز الدولة عن تحقيق نمو متوازن ومستدام نتيجة نظام سياسي واجتماعي هيمن عليه كارتل يضم سياسيين ورجال أعمال حقق أصحابه منافع شخصية على حساب السكان.

وعلى مدار سنوات برزت العديد من الخطط الحكومية التي لم تغير أو تترك أثرا في وجهات نظر المسؤولين، وحتى رجال الأعمال والمستثمرين التونسيين حيال ما يمكن فعله لتقليص الهوامش الاجتماعية الاقتصادية.

وفي حين كان الساسة يطلقون وعودا بإحداث تنمية عادلة بين المناطق الداخلية والساحلية، لوحظ أن الهوة تزداد اتساعا بين السياسات التي يقدمها من هم في السلطة وبين آمال وطموحات الجهات الداخلية، وخاصة التي تزخر بالموارد غير المستغلة.

والأربعاء، دعا الاتحاد الجهوي السلطات إلى توفير أسطول “محترم” من وسائل النقل العام، وكذلك إنشاء مركز للحماية المدنية في مدينة أم العرائس التي يعيش فيها 40 ألف نسمة، وتزويد المستشفى المحلي بالمعدّات اللازمة.

أم العرائس والرديف والمتلوي والمظيلة مرت بمراحل من الاحتجاجات ولم تفلح أي حكومة في معالجة المشكلة

وتُعاني عدة مدن داخل البلاد، والتي تشهد أزمة اقتصادية ومالية متفاقمة، من تدهور البنى التحتية، ورغم وعود الحكومات المتعاقبة بتحسين الخدمات والقيام بالتطوير، لكن معظم الخطط لا تجد طريقها في الواقع.

وشهدت ولاية فقصة منذ 2011 عدة احتجاجات للمطالبة بالبنى التحتية والوظائف عملا بوعود قطعتها عدة حكومات لهذه المنطقة التي تعد مصدرا هاما لاستخراج مادة الفوسفات، أحد الموارد الطبيعية الرئيسية في تونس.

وتونس التي كانت تنتج 8 ملايين طن من الفوسفات المستخدم كسماد في عام 2010، لم تعد تستخرج سوى ما بين 2.7 و4 ملايين طن سنويا، بسبب الاضطرابات الاجتماعية المتكررة ونقص الاستثمار في المنطقة.

ومن الواضح أن السلطات تواجه صعوبة في تنفيذ خططها، وهذه الصعوبة يمكن أن تكون نتيجة أسباب من بينها الإدارة غير الفعالة وضعف التنسيق بين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والبيروقراطية مما يؤدي إلى تأخير تنفيذ المشاريع.

وبعد أعوام من الأزمات، لا تزال تونس تجد نفسها في وضع غير مريح لتوفير التمويلات اللازمة لتحديث البنية التحتية وتطوير القطاعات الحيوية مع ضعف القدرة على جذب المستثمرين.

كما أن العجز في الميزانية وارتفاع الدين العام حدا من قدرتها على تنفيذ برامج التنمية المنشودة، وهو مطلب يتكرر باستمرار بين الفينة والأخرى دون أن تلمس الأوساط الشعبية تقدما ملموسا في تنفيذه.

10