تدفق المهاجرين الأفارقة يلقي بظلاله على علاقة تونس بالجزائر

مبعوث خاص من قيس سعيد إلى تبون لمعالجة ملف التهريب وتأمين الحدود.
الخميس 2025/03/20
ملف شائك

تونس – تعاني تونس من استمرار تسلل المهاجرين الأفارقة عبر الحدود مع الجزائر بالرغم من وجود تنسيق أمني بين البلدين، في حين يتهم نشطاء تونسيون على مواقع التواصل الاجتماعي الجارة الغربية بالتغاضي عن دخول المهاجرين، ما يزيد الأعباء على تونس في مواجهة أزمة المهاجرين المعقدة.

وقالت أوساط سياسية تونسية إن في لقاء الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بمبعوث الرئيس التونسي قيس سعيد، وزير الداخلية التونسي خالد النوري، والإشارة عقب ذلك إلى أن المباحثات شملت مواضيع منها ملف التهريب وتأمين الحدود وتأثير ذلك على اقتصاد البلدين، تأكيدا على أهمية زيادة التنسيق وضبط الحدود في مواجهة تدفق المهاجرين الأفارقة نحو تونس.

وتجد تونس نفسها في وضع حرج بسبب وصول الآلاف من المهاجرين إلى أراضيها خلال السنوات الماضية عبر حدود الجزائر وليبيا، واستقرارهم، ولو بشكل مؤقت، على أراضيها، في ظل تمسك الدول الأوروبية بإعادة المهاجرين إلى بلدان العبور التي انطلقوا منها، وعلى رأسها تونس.

نبيل الرابحي: على الجزائر أن تبدي تعاونا أكبر في ملف المهاجرين
نبيل الرابحي: على الجزائر أن تبدي تعاونا أكبر في ملف المهاجرين

ولا تقدر تونس على ترحيل المهاجرين لغياب اتفاقيات مع بلدانهم الأصلية ولصعوبة إعادتهم من حيث أتوا على حدود الجزائر وليبيا في ظل حرص كل بلد على غلق الباب أمام هؤلاء المهاجرين، وهو وضع يلقي بظلاله على التعاون الأمني بين الأطراف الثلاثة قبل قمة طرابلس.

ويطالب مراقبون تونسيون الحكومة بتشديد إجراءاتها على الحدود سواء مع ليبيا أو الجزائر وعدم الاكتفاء بالتنسيق المباشر مع حكومتي البلدين لمواجهة حيل شبكات التهريب والجهات التي تساعدها على التسلل إلى تونس.

وأكد المحلل السياسي نبيل الرابحي أن “زيارة وزير الداخلية التونسي إلى الجزائر هي زيارة أمنية بامتياز،” حاثا على المزيد من “التنسيق مع الجزائر لأن تونس ليست لها حدود مع بلدان جنوب الصحراء، على عكس الجزائر التي تحدها النيجر ومالي.”

وطالب الرابحي في تصريح لـ”العرب” بتفعيل الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي لمواجهة تعقيدات ملف الهجرة، لافتا إلى أن أوروبا تبدو “كأنها تنصلت من مسؤولياتها،” في إشارة إلى زيادة الدعم المالي والاستثماري الذي وعد به الأوروبيون تونس لمساعدتها على مواجهة الأزمة.

وتابع الرابحي “على الجزائر أن تبدي تعاونها في ملف الهجرة بمنع تدفق المهاجرين نحو تونس، لكنْ لاحظنا أنها بدت كما لو أنها تنصلت أيضا من مسؤولياتها في الفترة الأخيرة.”

ولم يعد التحدي أمنيا فقط بالنسبة إلى مشكلة المهاجرين في تونس، حيث تحول إلى قضية تثير اهتمام التونسيين، خاصة في ظل تواتر ما يشاع بشأن أعمال منسوبة إلى بعض المهاجرين وتهديهم للأمن والاستقرار في مناطق وجودهم.

وتشهد ولاية (محافظة) صفاقس، وخاصة معتمديتي جبنيانة والعامرة، حالة من الاحتقان بسبب تزايد أعداد المهاجرين غير النظاميين، ويعبر السكان المحليون عن قلقهم وتذمرهم من الوضع، ويشكون من تزايد حالات الجريمة والاعتداءات.

ويراهن التونسيون على وقف أي تدفق جديد للمهاجرين من أجل التفرغ لمعالجة أوضاع عشرات الآلاف من الموجودين حاليا، وهو ما يفسر التركيز على تطوير التنسيق مع الجزائر، حيث تفيد تقارير محلية بأن أغلبية المتسللين يدخلون عبر حدودها.

وأكد الخبير الأمني التونسي خليفة الشيباني أن “الهجرة هي القضية رقم واحد في تونس والجزائر، والتنسيق الأمني بين الطرفين قائم من قبل،” لافتا إلى أن “العناوين الكبرى للزيارة هي تأمين الحدود والتهريب والتعاطي مع ملف الهجرة.”

وقال في تصريح لـ”العرب” إن “ملف المهاجرين القادمين من دول الساحل والصحراء أصبح يهم مختلف بلدان شمال أفريقيا، واليوم هناك ضبط للحدود بين تونس والجزائر.”

وكان المتحدث باسم الحرس الوطني التونسي العميد حسام الدين الجبابلي قد أثار في مايو الماضي موضوع تدفق المهاجرين من الجزائر بشكل واضح، ما فُهم على أنه إشارة إلى القلق الرسمي التونسي من ضعف التنسيق الأمني على الحدود الغربية (الجزائر).

وقال الجبابلي إن تونس سجلت خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2024 تسلل أكثر من 19 ألف مجتاز لحدودها البرية من قبل مهاجرين غير نظاميين، ودخل أكثر من 70 في المئة منهم عبر الحدود الغربية للبلاد.

خليفة الشيباني: التنسيق الأمني قائم بين تونس والجزائر والهجرة أهم ملف
خليفة الشيباني: التنسيق الأمني قائم بين تونس والجزائر والهجرة أهم ملف

وتجد السلطات التونسية نفسها في وضع معقد وأنها تحتاج إلى التحرك لتطويق أزمة المهاجرين على الأقل من ناحية وقف تدفق أعداد جديدة، وذلك في ظل دعوات من جهات مختلفة إلى التحرك لترحيل هؤلاء، وهو أمر لا تقدر الحكومة على تنفيذه.

وتواجه الحكومة التونسية انتقادات من منظمات حقوقية ونشطاء بشأن ما يقولون إنه تضييق على المهاجرين فيما يشتكي سكان محليون ونواب برلمان ونشطاء من بطء الحكومة في مواجهة الأزمة.

ويطالب السكان المحليون بترحيل المهاجرين غير النظاميين، ويشكون من تقصير السلطات في التعامل مع الملف، كما يعبرون عن استيائهم من تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية في المنطقة.

وطالب النائب طارق المهدي بتدخل القوات الحاملة للسلاح من أجل التصدي لما وصفه بعمليات “سطو مسلح” ينفذها مهاجرون من دول أفريقيا جنوب الصحراء.

وقال المهدي خلال مقابلة إذاعية إن “هناك عصابات إجرامية تترصد المنازل الآمنة التي لا يمكنها صدهم (أفراد هذه العصابات) أو مقاومتهم. يدخلون المنازل عنوة ويستولون على الأموال بتهديد السيوف والأسلحة البيضاء،” واصفا وجود المهاجرين في مدينتي العامرة وجبنيانة بأنه “احتلال”.

وانتقدت أيضا النائبة في البرلمان فاطمة مسدي ما وصفته بـ”دولة داخل الدولة” في غابات الزياتين بمنطقة العامرة، في مقاطع فيديو وثقتها على حسابها في فيسبوك وسط مخيم عشوائي.

ويعمل المهاجرون على تدبير أمورهم في المخيمات، ويقول أغلبهم إنهم لا يريدون البقاء في تونس ولكن الحرس البحري التونسي يمنعهم من العبور إلى الجزر الإيطالية القريبة من سواحل ولاية صفاقس.

1