تدشين مصفاة الدقم ينقل صناعة التكرير العمانية إلى آفاق جديدة

طاقة الإنتاج اليومية للمشروع البالغة كلفته 7.8 مليار دولار تقدر بنحو 230 ألف برميل من منتجات التكرير.
الجمعة 2024/02/09
منتجاتنا وفق أعلى المعايير!

نقلت سلطنة عمان استثمارات صناعة التكرير إلى آفاق أوسع بتدشينها أضخم مشروع لها في البلاد، حيث من المتوقع أن يعزز طموحاتها وموقعها وخارطة الخدمات، التي يمكن تقديمها لزيادة القدرة التنافسية محليا وعالميا لتلبية الطلب المتنامي على مشتقات النفط.

الدقم (سلطنة عمان)- جسدت الحكومة العمانية رؤيتها الطموحة بشأن مستقبل قطاع التكرير عبر التدشين الرسمي لمصفاة الدقم بعد تأخير دام أربع سنوات لتعزز بذلك تواجدها ضمن أبرز اللاعبين في هذه الصناعة بمنطقة الخليج العربي.

وأعطى سلطان عُمان هيثم بن طارق الأربعاء الماضي إشارة انطلاق نشاط المصفاة التي تم تشييدها على مساحة 900 هكتار في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم بحضور أمير دولة الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح.

ومن المتوقع أن تعزز المصفاة، وهي مشروع مشترك مناصفة بين مجموعة أوكيو العمانية وشركة البترول الكويتية، طموحات البلدين الخليجيين من خلال موقعها وخارطة الخدمات التي يمكن تقديمها لزيادة القدرة التنافسية محليا وعالميا بهدف تلبية الطلب المتنامي على مشتقات النفط. وتتطلع صناعة النفط في السلطنة إلى زيادة قدرات التكرير من أجل تلبية الطلب المتزايد على الوقود، والتوسع في صادرات مشتقات النفط بدلا من بيع النفط الخام.

عبدالسلام المرشدي: إنشاء المصفاة في الدقم جاء لما تتميز به من موقع متفرد
عبدالسلام المرشدي: إنشاء المصفاة في الدقم جاء لما تتميز به من موقع متفرد

وبالنسبة إلى الكويت فإنه من المتوقع أن تقلل صادرات خام مصفاة الدقم، التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 230 ألف برميل يوميا، بمقدار 100 ألف برميل أخرى يوميا إلى 200 ألف برميل يوميا في عام 2024، حسب ما ذكرته شركات استشارية.

وكانت مسقط قد استهدفت تدشين المصفاة في البداية مطلع عام 2020 بعد عامين من وضع السلطان هيثم حجر الأساس للمشروع، ولكن تم تأجيل ذلك بسبب العثرات التي تسببت فيها الأزمة الصحية وتداعيات الإغلاق الاقتصادي المنجر عنها.

وتعد المصفاة، التي كلف تشييدها أكثر من 7.5 مليار دولار، وفق البيانات الرسمية بعدما كان في البداية 7 مليارات دولار، جزءا من منطقة صناعية بدأت مسقط ببنائها وتضم مشاريع في قطاع الطاقة وأخرى صناعية ولوجستية لأغراض التعبئة والتوزيع والتسويق.

ومنطقة الدقم الصناعية التي تبعد حوالي 550 كيلومترا عن العاصمة مسقط أكبر مشروع اقتصادي منفرد في السلطنة، وهي تأتي في إطار جهود البلاد لتنويع موارد اقتصادها وتقليص اعتماده على إيرادات النفط.

وساهم في عمليات تشييد المصفاة تحالف ضم شركتي تكنكاس رمونداس الإسبانية ودايو الكورية لبناء الوحدات الرئيسية، أما وحدات المساندة فتكفل بها تحالف بتروفاك البريطانية وسامسونغ الكورية الجنوبية. وقامت شركة سايبم الإيطالية ببناء مرافق الخدمات التابعة، والتي تشمل 8 منشآت لتخزين النفط الخام في ميناء رأس مركز.

وترتكز رؤية الحكومة لمصفاة الدقم على أن تصبح شركة تكرير بمستوى عالمي، ما يعزّز النمو الاقتصادي وقدرات إنتاج مشتقات النفط لتتجاوز 500 ألف برميل يوميا، ما يجعل مسقط على مشارف طفرة في هذه الصناعة.

وأكد عبدالسلام المرشدي رئيس جهاز الاستثمار العماني (صندوق الثروة) في كلمة خلال التدشين أن المشروع يأتي تَجسيدا للعلاقات المُتجذِّرة بينَ البلدين وتتويجا لهذَا الإرث المُشترك.

ونقلت وكالة الأنباء العمانية الرسمية عن المرشدي قوله “لقد تَكاتفت جُهود الجانبين للعملِ على مصفاة الدقمِ والصناعات البتروكيماوية باعتبارها أكبر مشروعٍ استثماريٍ بين دولتين خَليجيتَين في قطاع المَصافي”. وأوضح أن إنشاء المصفاة في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم جاء لما تتميز به من موقع متفرد، وما تمتلكه من مقومات وحوافز تجعلها منطقة جذابة للاستثمارات.

وتكمن أهمية سلطنة عمان، وهي ليست عضوا في منظمة أوبك، بمنطقة الشرق الأوسط والعالم في امتلاكها احتياطات نفطية مؤكدة تبلغ 5.4 مليارات برميل، ما يضعها في المرتبة الثانية والعشرين عالميا ويساعدها في زيادة قدرتها على التكرير.

وتواجه دول الخليج تحديات من أجل زيادة طاقة الإنتاج للإيفاء بالطلب العالمي وخاصة في أسواق أوروبا، التي ابتعدت عن فلك الوقود الروسي، وفق حصة من المرجح أن تكبر مع مرور الوقت ما دام النزاع في أوكرانيا قائما لفترة أطول.

الشيخ نواف الصباح: التحديات تستوجب منا تشغيل المصفاة بشكل آمن ومربح
الشيخ نواف الصباح: التحديات تستوجب منا تشغيل المصفاة بشكل آمن ومربح

ومن هذا المنطلق تطمح مسقط إلى استكمال عمليات تشغيل المشروع الضخم بشكل كامل في أسرع وقت ممكن ووفق المعايير الدولية المعمول بها لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من بيع المواد المكررة.

وأوضح الشيخ نواف الصباح، الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية، أن التشغيل التجاري للمصفاة يدل على “الإخاء التاريخي بين سلطنة عمان ودولة الكويت”.

وتطرق إلى التحديات التي تعصف بصناعة النفط والغاز أهمها التوجه العالمي إلى التحول في الطاقة، الأمر الذي يستوجب العمل معا لتأمين تشغيل المصفاة بشكل آمن ومربح كي تصبح صرحا عالميا للابتكار والريادة في صناعة التكرير العالمية. وفعليا شرعت المصفاة بشكل تجريبي في 2023 بتصدير شحنتين من وقود الديزل إلى شرق أفريقيا تقدر حجم كل منهما بـ50 ألف طن.

ووفقا لبيانات شركتي أل.أس.إي.جي وكبلر، قامت مصفاة الدقم أيضا بتصدير نحو 25 ألف طن من النافتا في يونيو الماضي، فضلا عن تصدير ما يقرب من 90 ألف طن من زيت الوقود عالي الكبريت بين نهاية أبريل ومنتصف مايو من 2023.

واعتمد تصميم المصفاة على وحدة التكسير الهيدروجيني ووحدة الفحم البترولي، وستنتج مع تشغيلها التجاري بالكامل الغاز البترولي المسال والنافتا ووقود الطائرات والديزل والكبريت، إضافة إلى الفحم البترولي.

ورجحت شركة غلوبال داتا لأبحاث السوق، ومقرها لندن، في تقرير نشرته العام الماضي أن تقود مصفاة الدقم مصافي الشرق الأوسط في التحفيز التكسيري للسوائل، وهو ما يجعلها الأكثر كفاءة.

وتستخدم هذه العملية على نطاق واسع لتحويل الكسور الهيدروكربونية ذات الحرارة العالية والموجودة في زيت النفط الخام إلى بنزين وغازات أولفينية ومنتجات أخرى أعلى قيمة.

وتحتل منطقة الدقم المرتبة الثالثة عالميا في هذا المجال، ويرجح خبراء على نطاق واسع أن تسهم بنحو 17 في المئة من السعة العالمية لوحدة التحكم في الغازات بحلول عام 2026. ومن المتوقع أن تسجل سوق النفط والغاز في السلطنة معدل نمو سنوي مركب يزيد عن 3.5 في المئة حتى العام 2027، وفق شركة موردر أنتليجنس للأبحاث.

ويقول محللون إن عوامل مثل التصنيع السريع وزيادة استخدام المنتجات البترولية المكررة، مثل البنزين وغاز البترول المسال والغاز الطبيعي المضغوط، في البلاد ستؤدي إلى دفع صناعة التكرير قدما.

11