تدريب عسكري مصري - صيني مُحمل برسائل سياسية إلى واشنطن

القاهرة – فتح تدريب عسكري بين مصر والصين المجال لطرح أسئلة واستفسارات عديدة حول الرسائل التي أرادت القاهرة توصيلها إلى الولايات المتحدة، كحليف عسكري رئيسي لها، مع استمرار توتر الأوضاع في المنطقة، وبطء تنفيذ صفقات تسليح جوي أبرمتها مصر مع واشنطن، مقابل توالي تدفق الدعم العسكري الأميركي إلى إسرائيل.
وتجري القوات الجوية المصرية والصينية تدريبا مشتركا تستضيفه مصر، بدءا من منتصف أبريل إلى الأول من مايو، وهو الأول من نوعه على مستوى القوات الجوية النوعية، ما يعزز التعاون بين جيشي البلدين في أحد المجالات الحيوية.
وأشارت تقارير إعلامية دولية إلى وصول ما لا يقل عن خمس طائرات Y-20 وطائرة إنذار مبكر وتحكم، محمولة جوا من طراز KJ-500.
وسببت التحركات المصرية لتعزيز التعاون العسكري مع بكين إزعاجا مكتوما لواشنطن، وقلقا ظاهرا في إسرائيل التي عبرت أكثر من مرة عن تخوفها من تضخم القدرات العسكرية لمصر.
تعاون مصر مع الصين يتم في وقت يعيش فيه العالم مرحلة تتراوح معالمها بين الرضوخ للغطرسة الأميركية واتجاه الدول إلى البحث عن خدمة مصالحها
وتعد هذه التدريبات في نوعيتها وتوقيتها مهمة بعد أن واجهت القاهرة صعوبات في شراء مقاتلات متطورة من روسيا والولايات المتحدة، بينما مصر بحاجة إلى تحقيق قدر من التوازن العسكري بكلفة أقل، مع تزايد الهواجس عقب تلويح يرمي إلى قطع المعونة العسكرية الأميركية المقدمة لها مؤخرا.
ووافقت الولايات المتحدة في أكتوبر الماضي على صفقة صواريخ ستينغر مع مصر، تتضمن 720 صاروخا بقيمة 720 مليون دولار أميركي، وقررت أن تستأنف تقديم مساعداتها العسكرية للقاهرة كاملة (بقيمة 1.3 مليار دولار)، غير أن ذلك لا يتماشى مع تطلعات القاهرة المرتبطة بتحديث السلاح الجوي.
ووفقًا لموقع “سيمبل فلاينج SF” المتخصص في شؤون الدفاع، اعتمدت مصر لعقود على مزيج من موردي الأسلحة الغربيين والروس والأوروبيين، ثم اتجهت بشكل متزايد إلى الصين لتنويع ترسانتها، مدفوعة باعتبارات اقتصادية وحسابات إستراتيجية.
وبذلك تبعث الصين أيضا إشارة إلى واشنطن من وراء التدريب الجوي مع مصر، تؤكد أنها وصلت إلى مناطق نفوذ عسكري لم تصل إليها من قبل، واقتربت من دولة تستحوذ عليها شركات السلاح الغربية، وقد يعقب التدريبات إبرام صفقات أسلحة، بما يشير إلى أن بكين بدأت تستند إلى حلفاء اقتصاديين في منطقة الشرق الأوسط، في خضم معركتها المحتدمة مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وقال مؤسس الفرقة “999” صاعقة بالجيش المصري اللواء نبيل أبوالنجا إن القاهرة تستهدف الحفاظ على التوازن العسكري لقواتها الجوية، بعد تراجع قدرة روسيا على تصدير أسلحة متطورة وبكميات كبيرة إلى العديد من الدول، وهو ما أثر سلبا على واردات السلاح من موسكو، في وقت تتزايد فيه رغبة مصر في تحقيق الردع المطلوب في المجال الجوي، بالتزامن مع مساعدات أميركية تقدم بسخاء إلى إسرائيل.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن تعزيز العلاقات الاقتصادية بين مصر والصين يمكن أن توازيه علاقات عسكرية، وأن القاهرة تبحث عن خدمة مصالحها عبر التواجد في تكتل “بريكس” الذي يعوَّل عليه في تقديم المزيد من الامتيازات الاقتصادية من جهة وإبرام صفقات عسكرية بالعملات المحلية من جهة أخرى.
وأوضح أن ما توصلت إليه التكنولوجيا العسكرية الصينية يدفع إلى الاستفادة منها ومن أسعارها التفاضلية مقارنة بأسعار الأسلحة الأميركية ولا يتم تقدميها إلى مصر بكامل إمكانياتها في أحيان كثيرة، وتخضع عمليات الصيانة وقطع الغيار لاعتبارات سياسية.
وجعل اختلال موازين التفاعل الأميركي مع الحرب على قطاع غزة والانحياز بشكل كامل إلى إسرائيل، القاهرة بحاجة إلى قوة كبرى تدشن معها تعاونا دفاعيا يعزز قدراتها الجوية، ويخدم مبدأ التنوع الذي قامت عليه خطة التسليح المصرية منذ عام 2014 وأهداف القاهرة الإستراتيجية وعدم ارتهانها بإرادة واشنطن.
وتكشف التدريبات الجوية بين مصر والصين وما سوف تفرزه من نتائج أو تداعيات طبيعة التعاون بينهما، ومدى الاتجاه نحو توطيد العلاقات العسكرية بين البلدين. ورغم أن التدريب الجوي أول تدريب مشترك عسكري بين القاهرة وبكين، إلا أن هذه ليست المرة الأولى التي تحلق فيها طائرات حربية تابعة لسلاح الجو الصيني في سماء مصر.
الصين لها استثمارات ضخمة في مصر تسعى إلى تأمينها، ولذلك تعبر التدريبات عن رغبة في حماية مصالحها بكل قوة
وأرسل سلاح الجو الصيني خلال الفترة من 27 أغسطس إلى 5 سبتمبر من العام الماضي سبع طائرات مقاتلة من طراز J-10 عالية الأداء، تابعة لفريق بايي للاستعراضات الجوية، وطائرة نقل من طراز Y-20 للمشاركة في النسخة الأولى من معرض مصر الدولي للطيران بدعوة من سلاح الجو المصري.
وأفادت تقارير عسكرية بأن الصين طورت تكنولوجيا الرادار لتعزيز قدرتها على رصد الطائرات الشبحية الأميركية، مثل أف 22 رابتور وأف 35 لايتنينغ 2.
وعمل بعض العلماء الصينيين على أنظمة رادار مرتبطة بشبكة الأقمار الصناعية بيدو، التي يمكنها التحوّل إلى أنظمة بديلة مثل جي بي أس الأميركي، أو غاليليو الأوروبي، أو غلوناس الروسي، في حال حدوث تشويش.
وذكر مدير مركز الدراسات والبحوث الإستراتيجية في الجيش المصري سابقا اللواء علاء عزالدين أن القاهرة غيّرت خريطة علاقاتها العسكرية منذ نحو عشر سنوات، بما يحقق المصالح العليا للدولة، ويساهم في تنويع مصادر السلاح التي تضمن تأمين القرار الوطني، وأن التعاون مع الصين يتم في وقت يعيش فيه العالم مرحلة تتراوح معالمها بين الرضوخ للغطرسة الأميركية واتجاه الدول إلى البحث عن خدمة مصالحها.
وقال في تصريح لـ”العرب” إن الصين لها استثمارات ضخمة في مصر تسعى إلى تأمينها، ولذلك تعبر التدريبات عن رغبة في حماية مصالحها بكل قوة، كما يساعد التدريب الجيش المصري في الإطلاع على أساليب جديدة قد تفتح الباب لآفاق تعاون أكبر يمكن أن يتم الاتجاه إليها إذا تصاعدت وتيرة التهديدات.
وشدد على أن صفقات الأسلحة المتوقعة تركز على مجال الدفاع الجوي، ونقل الأسلحة والعتاد، ويبدو أن ما يحدثه هذا التعاون من قلق لدى دوائر في إسرائيل طبيعي، في ظل الاقتناع بضرورة أن تبقى إسرائيل القوة العسكرية الأولى في المنطقة، وإن كانت هناك قوى أخرى يجب أن تكون بفارق كبير عنها، وهو ما كشفته تصريحات من مسؤولين وسياسيين في إسرائيل طالبت بتفكيك بنية الجيش المصري في سيناء.