تداعيات رقمية لكورونا: الأنظمة القمعية تتحكم في الإنترنت بعد الجائحة

واشنطن - أظهرت جائحة كورونا جانبين من التقدم التكنولوجي؛ الأول إيجابي وقد ساعد في توفير اللقاحات الآمنة والفعالة في وقت قياسي ودعم الاقتصاد بأدوات الإنترنت للعمل من المنازل، كما أدى إلى تحسّن رصد الأمراض والصحة العامة.
لكن الجانب الثاني هو الجانب السلبي الذي عزز حملات التضليل التي تشنها جهات مغرضة فاعلة، وأنظمة استبدادية، والذي عزز أيضا القرصنة والتشويش على الخصوم، كما زاد من الأضرار العامة مثل تعرض أشخاص لهجمات من أجل طلب فدية والاحتيال.
وفي حادثة جديدة ولكن ليست الأخيرة، كشفت هيئة الإذاعة الدنماركية العامة بالتعاون مع العديد من وسائل الإعلام الأوروبية الأخرى أن وكالة الأمن القومي الأميركية تنصّتت على كابلات الإنترنت الدنماركية تحت الماء من 2012 إلى 2014 للتجسس على كبار السياسيين في ألمانيا والسويد والنرويج وفرنسا.
وأفاد التقرير أن وكالة الأمن القومي نجحت في الوصول إلى الرسائل النصية والمكالمات الهاتفية وحركة المرور على الإنترنت متضمنة خدمات البحث والمحادثات والرسائل، بما في ذلك تلك العائدة إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير الخارجية آنذاك فرانك فالتر شتاينماير وزعيم المعارضة بير شتاينبروك.
وتوقع الكاتب الصحافي الفرنسي ليونيل لوران في تصريحات صحافية أن تتحكم الأنظمة القمعية والقوية في الإنترنت في حقبة ما بعد كورونا، مبرزا أن هذه هي الحقيقة القاتمة التي يتعين على الغرب التصدي لها مع إعادة فتح الاقتصاد، في حين تشكل قمة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى المقررة الشهر الجاري توقيتا مثاليا لذلك.
ولطالما صدرت تحذيرات العام الماضي من وقوع هجمات سيبرانية، ولكن حجم المشكلة ومدى انتشارها وصلا إلى آفاق جديدة.
وسبق أن حذر الإنتربول من أن الوباء شجع على تصاعد الهجمات الإلكترونية في حوالي 50 دولة استهدفت بشكل متزايد الحكومات والمؤسسات الصحية.
واتهمت الولايات المتحدة وأوروبا الصين وروسيا بتصعيد حرب معلومات ابتداء من نظريات المؤامرة المتعلقة بالجائحة، إلى نشر معلومات مضللة عن اللقاحات وأيضا بالهجوم على أهداف غربية، في الوقت الذي تفرض فيه الدولتان مزيدا من القيود على حريات مواطنيهما.
وأوضحت منظمة “فريدم هاوس” الأميركية، التي ذكرت العام الماضي أن حوالي 75 في المئة من سكان العالم يعيشون في دول تشهد تراجعا في الديمقراطية، أن الجائحة قد ألقت بـ”ظلال رقمية”.
ويقول لوران إنه لا يوجد علاج سهل لهذه المشكلة، فروسيا على سبيل المثال تركت دولا مثل المملكة المتحدة في غضب شديد، وهي عاجزة عن ملاحقة مرتكبي الهجمات الإلكترونية.
كما أن توجه موسكو وبكين نحو “السيادة” الرقمية شجع أنظمة دكتاتورية أخرى، كما ظهر في إجبار بيلاروسيا طائرة ركاب شركة “ريان إير” الأيرلندية على الهبوط في مطار مينسك الأسبوع الماضي. وفي حرب المعلومات تكمن جذور هذه الأزمة التي أدت إلى صدع جديد بين الغرب ورئيس بيلاروسيا القوي ألكسندر لوكاشينكو الذي يتمتع بدعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وكان الهدف الظاهر للوكاشينكو من إجبار الطائرة على الهبوط هو الصحافي البيلاروسي المعارض رومان براتاسيفتش الذي يبلغ من العمر 26 عاما والذي يعيش في المنفى. وبراتاسيفتش هو رئيس التحرير السابق لقناة نيكستا التي تعمل من خلال تطبيق المراسلة المشفرة “تليغرام”.

وبدا جليا أن هناك نمطا من التصعيد؛ ففي الشهر الماضي بعد أيام من اعتقال أجهزة الأمن في روسيا مواطنين من بيلاروسيا واتهامهما بالتخطيط لتنظيم ثورة، قالت مينسك إنها أحبطت انقلابا كان يجرى الإعداد له عبر تطبيق زووم لاجتماعات الفيديو.
وكانت السلطات في بيلاروسيا حجبت العديد من المواقع الإلكترونية وفرضت قيودا على الإنترنت منذ إعادة انتخاب لوكاشينكو في أغسطس الماضي.
وتبعث حادثة “ريان إير” برسالة مفادها أن من ينتقدون مينسك عبر الإنترنت ليسوا في مأمن حيثما كانوا، حتى ولو في المنفى. ويتفق هذا مع عقلية الحصار الدؤوبة التي يتسم بها لوكاشينكو حيث يتصدى لتهديد حرب “هجينة” عبر الانترنت وغيرها، وهو يفترض أن الغرب يشن هذه الحرب ضده.
ويقول لوران إن صياغة إستراتيجية لمواجهة ذلك تتطلب القفز على لغة الماضي بشأن الدفاع عن حرية الإنترنت. وتستحق الأحداث التي تدور بشأن بيلاروسيا الرد عليها بما هو أبعد من العقوبات الضرورية، كما يتعين على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إظهار مزيد من التضامن مع المجتمع المدني في بيلاروسيا عبر مزيد من الدعم والتمويل.
وتقول المستشارة في مجال المخاطر السياسية كاتيا جلود إن الإعلام المستقل يحتاج إلى دعم من أجل مواجهة الغرامات التي لا تتوقف، والتصدي للمعلومات المضللة، وأيضا لإطلاق مواقع إلكترونية بديلة. وقال تاديوز جيكزان رئيس تحرير نيكستا لصحيفة “نيو ستيتسمان” البريطانية إن محاولات جمع أموال عبر المنح لم تفلح في الماضي وهو ما أدى إلى ظهور صعوبات مالية.
كما أن وجود المزيد من الموارد لتعزيز الثقافة الرقمية من شأنه أيضا أن يقدم مساعدة.
وبرأي الصحافية هانَّا ليوباكوفا من بيلاروسيا، فإن الإعلام المستقل سوف يستفيد من وجود المزيد من الأدوات لمكافحة الرقابة، وسواء كان ذلك من خلال شبكات افتراضية خاصة أو مواقع إلكترونية متطابقة (وهي وسيلة لتكرار نفس المحتوى عبر خادم ونطاق مختلفين من أجل التحايل على الحجب) أو عبر أي أدوات أخرى.
ويتعين على الغرب أيضا تعزيز الجهود لتقويض الفاعلين المغرضين عبر الإنترنت، وفي نفس الوقت لدعم الفاعلين الإيجابيين. ويعني هذا مزيدا من الحرص من أجل ضمان عدم تصدير تكنولوجيا الرقابة إلى الأنظمة القمعية.
وقد عطلت حكومة لوكاشينكو في بيلاروسيا معظم خدمات الإنترنت خلال الاحتجاجات على إعادة انتخاب الرئيس الصيف الماضي باستخدام تكنولوجيا من إنتاج شركة “ساندفاين” الأميركية.
وقد تم استخدام آليات “ساندفاين” لفرض رقابة على الإنترنت في أكثر من عشر دول خلال الأعوام الأخيرة.
ويرى لوران أنه يتعين على مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى تحديد المشتبه بهم من مجرمي الهجمات الإلكترونية وفضحهم، وأيضا التهديد بالرد على الدول التي ترفض باستمرار معاقبة هؤلاء. ويجب على المجموعة توفير مزيد من الموارد لمراقبة أسواق الإنترنت المظلمة المجهولة، حيث تزدهر الجريمة كخدمات يتم تقديمها، وأيضا تجار التضليل في ما يتعلق بكوفيد – 19 بدعم من عملات مشفرة وأسماء مستعارة.
وتعد شبكة “تور” التي تخفي هويتها من أفضل الأدوات المستخدمة ضد الرقابة ولها استخدام مزودج، حيث أنها تستضيف الأسواق التي تتسم بالإجرام، وأيضا الأنشطة المشروعة التي تريد أن تهرب من أعين المتطفلين.
وعرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في عام 2014 أكثر من 100 ألف دولار لمن يستطيع أن يكشف هويتها من أجل الوصول إلى معارضين سياسيين، لكن سعيه قوبل بالرفض. وتاريخيا تمول وكالات تابعة للحكومة الأميركية شبكة “تور”.
وأظهر بحث أعده إيريك جاردين من جامعة “فيكتورا تيك” البحثية كيف تتجمع أوجه الاستفادة من “تور” بشكل غير متناسب في دول لا تعد حرة أو حرة بشكل جزئي، في حين تتجمع أضرارها في الدول الديمقراطية.
وحذر لوران في ختام تقريره من أنه إذا لم تضع الديمقراطيات الليبرالية إستراتيجية متناسقة ليستفيد منها الفاعلون الإيجابيون، مع الإضرار بالفاعلين المغرضين، سوف تستمر “الظلال الرقمية” التي ألقت بها الجائحة طويلا.