تداعيات ثقيلة للجائحة على القدرة الشرائية للموريتانيين

تحولت موجة الغلاء في موريتانيا إلى أحد أبرز التحديات التي تواجه الحكومة في ظل حالة الإحباط التي تسود المواطنين، وخاصة الطبقة الفقيرة، وحملة الانتقادات من الأوساط الاقتصادية جراء تراجع قدرتهم الشرائية رغم المحاولات التي قامت بها لتعديل بوصلة الأسواق.
نواكشوط - تختزل انتقادات النقابات وضغوط الأوساط الشعبية بشأن التراخي في ضبط انفلات الأسعار مدى الصعوبات التي تعترض الحكومة في سعيها لتخفيف وطأة هذه المشكلة عن شريحة الفقراء تحديدا والتي وجدت نفسها في متاهة تلاشي قدرتها الشرائية بوتيرة سريعة.
وشهدت أسعار المواد الغذائية الأساسية خلال الأشهر الأخيرة ارتفاعا غير مسبوق تراوح بين 10 و30 في المئة جراء التداعيات الثقيلة التي خلفتها الإجراءات الحكومية للحد من الأزمة الصحية في بلد يعد من أكثر دول المنطقة المغاربية تأثرا بالأزمات.
وعلى مدى الأسابيع الأخيرة سيطرت قضية ارتفاع الأسعار على اهتمامات الرأي العام في البلد الذي يعيش 31 في المئة من سكانه، البالغ عددهم 4 ملايين نسمة، تحت خط الفقر.
وبينما أشارت هيئات غير حكومية إلى أن الغلاء طغى بشكل كبير على سلع أساسية، من أبرزها الأرز والسكر والألبان والزيوت والخضروات والقمح والأسماك واللحوم، حذرت العديد من المنظمات النقابية البارزة والأحزاب السياسية من مخاطر تهدد البلد إذا لم يتم احتواء أزمة ارتفاع الأسعار.
واعتبرت النقابة الحرة لعمال موريتانيا والنقابة الوطنية للشغيلة الموريتانية أن السياسة المرتبكة للحكومة هي التي تقف وراء الارتفاع غير المسبوق لأسعار المواد الأساسية.
وقالت النقابتان في بيان مشترك مؤخرا إن “الارتفاع في الأسعار يزيد من الأوضاع الاقتصادية السيئة للعمالة الموريتانية المحلية، التي تعاني أصلا من تدني الأجور وضعف القوة الشرائية”. وشددتا على أن هذا الوضع “ينذر بحدوث كارثة، ما لم تتخذ السلطات الإجراءات اللازمة لمنع ذلك”.
الخليل ولد خيري: ارتفاع الأسعار يعود إلى الاحتكار ومضاربات التجار
وأرخت الأزمة الصحية بتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية بشكل واضح على القدرة الشرائية للطبقات الشعبية الفقيرة وحتى الوسطى التي تشير عدة تقارير محلية إلى أنها تسير نحو الاضمحلال بشكل تدريجي.
ومنذ بداية العام الحالي استفاق الموريتانيون على موجة غلاء وصفها كثيرون بأنها “غير مقبولة”، وقد طالت خاصة السلع الضرورية الأكثر استهلاكا؛ وبمقارنة بسيطة بين أسعار مواد كالزيت والسكر واللبن يتبين أن أسعار بعضها تجاوز 50 في المئة في هذه السنة.
وتمارس النقابة العامة لعمال موريتانيا ضغوطا على السلطات لدفعها إلى اتخاذ قرارات جريئة وعملية بشأن تنظيم الأسواق التجارية وحماية القوة الشرائية للأسر التي تعيش الغالبية العظمى منها تحت خط الفقر.
وقالت النقابة في بيان إنه “لم يعد في الإمكان تبرير استمرار الدولة في تطبيق ضريبة القيمة المضافة والضرائب الجمركية الأخرى على المواد الغذائية الأساسية والتخلي عن مراقبة الأسعار”.
وكانت الحكومة قد أعلنت في وقت سابق الشهر الجاري في أعقاب اجتماع برئاسة رئيس الوزراء محمد ولد بلال عن خطة وصفتها بـ”المستعجلة” لاحتواء أزمة ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية.
وقال وزير الصيد والاقتصاد البحري ادي ولد الزين الأسبوع الماضي إن “الحكومة اتخذت إجراءات هامة تتعلق بخفض أسعار المواد الأساسية بنسبة تفوق 10 في المئة”.
وحتى تتفادى أية عراقيل في تنفيذ خطتها، التي يشكك البعض في صمودها بسبب نشاط المضاربين والمحتكرين، تم تشكيل لجنة خاصة لمتابعة موضوع الأسعار ومراقبة الأسواق ومدها بالوسائل العملية الكفيلة بتمكينها من القيام بالمهمة المسندة إليها.
كما أعلنت الحكومة أنها سوف تضخ ألف طن من الأسماك في الأسواق شهريا وبيعها بخمسة أواق (حوالي 0.4 دولار) للكيلوغرام، فضلا عن اتفاقها مع تجار اللحوم على خفض الأسعار وإنشاء نقاط حكومية تبيع بعض المواد الاستهلاكية بأسعار مخفضة.
وتقول الحكومة إنها استكملت كل المتطلبات الإجرائية والقانونية الضرورية للبدء في التنفيذ الفوري والصارم للتدابير المتخذة بهدف الحد من ارتفاع الأسعار.
ومع ذلك يرى رئيس منتدى المستهلك الموريتاني الخليل ولد خيري أن الارتفاع الحاصل في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية يعود إلى الاحتكار والمضاربات التي يقوم بها التجار.

ونسبت وكالة الأناضول إلى ولد خيري قوله إن “موردي المواد الاستهلاكية الأساسية لا يتجاوزون 10 تجار وإن هؤلاء تعودوا التحكم في السوق ويمارسون الاحتكار والمضاربات”.
وأضاف “الارتفاع الحاصل في الأسعار جزء منه يعود إلى أسباب الغلاء على الصعيد العالمي، لكن الجزء الأكبر منه يعود إلى تحكم التجار الكبار في السوق واحتكارهم لاستيراد المواد الأساسية”.
وخلال وقت سابق من هذا الشهر قالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) إن أسعار الغذاء العالمية ارتفعت في أغسطس الماضي بعد شهرين من التراجع.
وذكرت فاو في تقريرها الشهري أن المؤشر على أساس شهري صعد بنسبة 3.1 في المئة من 123.5 نقطة في يوليو، بينما ارتفع بنسبة 32.9 في المئة على أساس سنوي.
وارتفعت أسعار الحبوب خلال الشهر الماضي بنسبة 31.1 في المئة على أساس سنوي، فيما زادت أسعار الزيوت النباتية بنسبة 6.7 في المئة.
وزادت أسعار السكر بنسبة 9.6 في المئة في أغسطس على أساس سنوي، مسجلا ارتفاعا للشهر الخامس على التوالي، في المقابل سجلت منتجات الألبان انخفاضا بنسبة 13.6 في المئة على أساس سنوي خلال أغسطس الماضي.
وفي نوفمبر الماضي وصف البنك الدولي الاقتصاد الموريتاني بأنه “بالغ الحساسية للصدمات الخارجية كاضطراب أسعار المواد الأولية والظروف المناخية والأزمات السياسية”، مردفا أنه “يعتمد على المساعدات الدولية”.
وقال البنك في تقريره السنوي إن موريتانيا تصنف “ضمن الدول الأقل تطورا حيث تحتل المرتبة 160 من أصل 189 دولة حسب الترتيب العام المعتمد على مؤشر النمو البشري”. كما لفت إلى أن نسبة الفقر انخفضت في موريتانيا سنة 2014 من 42 في المئة إلى 31 في المئة.