تداعيات الحرب في السودان تهدد الأمن والاستقرار داخل دول الجوار

مخاوف أممية من تزايد نفوذ الجماعات المسلحة على الحدود في جمهورية افريقيا الوسطى مستفيدة الهشاشة الأمنية داخل السودان بفعل الحرب المستعرة.
الجمعة 2025/06/27
حرب السودان تنعكس سلبا على أمن القارة الافريقية

واشنطن – حذّرت الأمم المتحدة يوم الخميس من تداعيات خطيرة للحرب المستعرة في السودان على أمن واستقرار دول الجوار، لا سيما جمهورية إفريقيا الوسطى، التي بدأت تشهد مؤشرات مقلقة لانفلات أمني وتزايد في نشاط الجماعات المسلحة العابرة للحدود.
ففي تطور لافت الأسبوع الماضي، تعرضت دورية تابعة لبعثة الأمم المتحدة في جمهورية إفريقيا الوسطى لهجوم من قبل مجموعة مسلحة، مما أدى إلى مقتل جندي لحفظ السلام من زامبيا. وقد أثار هذا الهجوم القلق في أروقة الأمم المتحدة من توسع رقعة العنف الإقليمي وتفاقم أزمة الاستقرار في منطقة تعاني أصلاً من هشاشة أمنية مزمنة.
وتشهد السودان منذ أبريل 2023 حرباً دامية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، خلفت آلاف القتلى وملايين النازحين داخلياً وخارجياً، وأحدثت فراغاً أمنياً على الحدود الغربية والجنوبية، فتح المجال أمام الميليشيات والجماعات الإجرامية للتمدد نحو أراضي الدول المجاورة.
وخلال جلسة لمجلس الأمن الدولي، لفت مساعد الأمين العام لعمليات السلام، جان-بيار لاكروا، إلى هشاشة الوضع الأمني في المناطق الحدودية لجمهورية إفريقيا الوسطى، مشيراً إلى تقرير صادر عن مكتب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، يوثق سلسلة من الهجمات المسلحة التي تنسب إلى جماعات متسللة من السودان.
وقال لاكروا "عند الحدود مع السودان في شمال شرق جمهورية إفريقيا الوسطى، يُعزى انعدام الاستقرار المتصاعد إلى انعكاسات النزاع السوداني، بما في ذلك عمليات التوغل التي تنفذها مجموعات مسلحة تستهدف المدنيين والبنى الأمنية".
ولا تقتصر المخاطر على الهجمات المسلحة فقط، بل تشمل أيضاً البعد الإنساني. فقد بدأت موجات من اللاجئين السودانيين في التدفق إلى جمهورية إفريقيا الوسطى هرباً من أهوال الحرب، ما يزيد من الضغوط على قدرات الدولة الفقيرة على الاستيعاب وتوفير الخدمات. وبحسب تقرير أممي حديث، بلغ عدد اللاجئين السودانيين في إفريقيا الوسطى منذ اندلاع الحرب حوالي 36.642 لاجئاً حتى الأول من يونيو 2025.
وفي هذا السياق، حذر ممثّل جمهورية إفريقيا الوسطى لدى الأمم المتحدة، ماريوس أريستيد حجة نزيسيو، من خطورة النزاع السوداني، قائلاً "النزاع في السودان يشكّل خطراً فعلياً على استقرارنا. فالمجموعات المسلّحة تعبر حدودنا، تُجنّد شبابنا، وتنتهك سيادتنا الوطنية".
وتعدّ جمهورية إفريقيا الوسطى من أفقر بلدان العالم، وقد شهدت سنوات طويلة من الصراعات الداخلية، ما جعلها تعتمد بشكل كبير على دعم بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام. إلا أن امتداد النزاع السوداني إلى أراضيها يهدد بإشعال صراع إقليمي متعدد الأطراف، لا يمكن التنبؤ بعواقبه.
وفي ظل هذه التحديات، شدد لاكروا على أن جمهورية إفريقيا الوسطى تمرّ بمرحلة مفصلية، داعياً إلى تعزيز الدعم الدولي لضمان تقدم العملية السياسية، خاصة مع اقتراب الانتخابات المقبلة التي تُعتبر حجر الأساس في مسار الاستقرار. وقال: "إذا استمرّت هذه الجهود الإيجابية، فمن الممكن أن تتحوّل جمهورية إفريقيا الوسطى إلى قصة نجاح حقيقية، ليس فقط لسكانها بل أيضاً كنموذج لفعالية عمليات حفظ السلام".
غير أن هذا التفاؤل المشروط يصطدم بواقع أمني معقد، خاصة مع اتساع رقعة انعدام القانون وضعف التنسيق بين دول المنطقة في مراقبة الحدود. كما أن طول أمد الحرب في السودان قد يؤدي إلى مزيد من التدهور، ليس في جمهورية إفريقيا الوسطى فقط، بل أيضاً في دول أخرى مثل تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا.
وفي ضوء هذه المعطيات، يبرز التساؤل حول مدى قدرة المجتمع الدولي على احتواء تداعيات الحرب السودانية ومنعها من إشعال فتيل عدم الاستقرار الإقليمي. فالدروس المستقاة من الأزمات السابقة في إفريقيا تؤكد أن ترك الصراعات دون حلول سياسية شاملة يؤدي في نهاية المطاف إلى زعزعة منطقة بأكملها، وليس دولة واحدة فقط.