تخبط البرهان يقوده إلى إلقاء مسؤولية الفشل على عاتق الوزراء والولاة

الخرطوم – لم يستطع قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان الحفاظ على قدر من تماسك إدارته للسلطة حاليا، ويقوده ارتباكه وتخبطه إلى تصفية خصومه في مجلس الوزراء وولاة الولايات ومجلس السيادة كي يتنصل من الفشل الذي بات يصاحبه، عسكريا وسياسيا، وفي الداخل والخارج.
يأتي هذا فيما يلوّح أعضاء من مجلس السيادة، ممن أقالهم البرهان، بالاجتماع لاتخاذ قرار عزله من منصبه كرئيس للمجلس واعتبار كل قراراته لاغية.
ويسعى الجنرال البرهان للقيام بتغييرات في عدة مناصب ليوحي بأنه مازال يدير دفة السلطة المتهاوية بعد اتساع رقعة الانتصارات العسكرية التي حققتها قوات الدعم السريع في ولايات عديدة ونجاحها في تحقيق مكاسب سياسية من خلال تمسكها بالتفاوض بينما يتنصل وفد الجيش من الالتزام بقواعد التفاوض الرئيسية.
وينظر متابعون إلى تصرفات قائد الجيش مع معاونيه على أنها نوع من التخبط في الإدارة، والذي يمكن أن ينهي مسيرته قريبا بعد أن تعالت أصوات تنادي بعزله من منصبه، باعتباره عقبة أمام وقف الحرب بعد استسلامه لرؤية فلول النظام السابق ورضوخه لأجندة الحركة الإسلامية، والتي لم تعد خافية على الكثير من المواطنين.
وقال الأمين العام للحزب الوطني الاتحادي الموحد عضو المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير محمد الهادي محمود إن “قرارات البرهان تثبت أنه حريص على أن يبقى في السلطة مهما كان الثمن، ويشعر بأن المنصب يمنحه الحماية المطلوبة، وانعكس ذلك على محاولاته السابقة التي لم يلتزم فيها بشأن ترك السلطة قبل الحرب، ويقيل كل من يختلف معه، وبدأ بإقالة المدنيين من مجلس السيادة ثم أطراف عملية السلام وصولا إلى بعض الوزراء وولاة الولايات”.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن ما يصدره البرهان من قرارات “مراسيم تزيد الوضع تعقيدا، وكل ما يتخذه في هذا الإطار لا شرعية له ويقود إلى المزيد من التعقيدات، ونخشى أن يُدخل البلاد في حرب أهلية طاحنة”.
ولفت الهادي إلى أن كل من يقوم بتعيينهم “من أرباب النظام البائد لتثبيت أوضاعهم، وهو مستعد للقيام بأي خطوة تخدم استمراره في الحكم، بما في ذلك عقد اتفاق مع الدعم السريع أو العودة إلى الاتفاق الإطاري، مهما كلفه الأمر”.
وأصدر البرهان قرارا يقضي بإنهاء تكليف الفريق شرطة خالد حسان محي الدين من مهام وزير الداخلية، ومحمد سعيد الحلو من مهام وزير العدل، وبتول عباس عوض من مهام وزير الصناعة، وعبدالعاطي عباس من مهام وزير الشؤون الدينية والأوقاف.
وتكليف اللواء شرطة خليل باشا سايرين أمرقيل بمهام وزير الداخلية، ومعاوية عثمان محمد خير بمهام وزير العدل، ومحاسن علي يعقوب بمهام وزيرة الصناعة، وأسامة حسن محمد أحمد بمهام وزير الشؤون الدينية والأوقاف.
وأنهى تكليف إسماعيل عوض الله العاقب من مهام والي ولاية الجزيرة، وخوجلي حمد عبدالله من مهام والي ولاية كسلا، والباقر أحمد علي من مهام والي الولاية الشمالية، ومعتصم عبدالسلام عوض عبدالسلام من مهام والي ولاية غرب كردفان، وسعد آدم بابكر من مهام والي ولاية وسط دارفور، وحامد محمد التجاني هنو من مهام والي ولاية جنوب دارفور.
واعتمد تكليف الطاهر إبراهيم الخير الحسن بمهام والي ولاية الجزيرة، ومحمد موسى عبدالرحمن يونس بمهام والي ولاية كسلا، وعابدين عوض الله محمد بمهام والي الولاية الشمالية، وعصام الدين هارون أحمد محمد بمهام والي ولاية غرب كردفان.
وأعفى قائد الجيش الهادي إدريس والطاهر حجر من عضوية مجلس السيادة الانتقالي، ووزير الثروة الحيوانية والسمكية حافظ إبراهيم عبدالنبي، وأنهى تكليف وزراء: الطاقة والنفط، والتجارة والتموين، والنقل، والعمل والإصلاح الإداري.
ويقول مراقبون إن السودان يعيش حالة خوف من اندلاع حرب أهلية بعد إعلان حركتي تحرير السودان، جناح مني أركو مناوي، والعدل والمساواة، جناح جبريل إبراهيم، التخلي عن موقف الحياد من الحرب وانحيازهما رسميا إلى الجيش.
والتقى نائب قائد قوات الدعم السريع الفريق عبدالرحيم دقلو ممثلين عن حركات تحرير السودان (المجلس الانتقالي)، وتحرير السودان، والعدل والمساواة للتنسيق بشأن توفير الأمن في إقليم دارفور.
تصرفات قائد الجيش مع معاونيه تعكس حالة من التخبط في الإدارة، والذي يمكن أن ينهي مسيرته قريبا بعد أن تعالت أصوات تنادي بعزله من منصبه
ونجحت قوات الدعم السريع في فرض سيطرتها على نيالا وزالنجي والجنينة والاقتراب من الفاشر، والتواجد بكثافة في كل ولايات دارفور، والخرطوم، وشمال وغرب وجنوب كردفان، وشمال النيل الأبيض، والاقتراب كثيرا من ولاية نهر النيل.
وكشف عضو مجلس السيادة المقال ورئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس عن وجود مخطط من أنصار الرئيس السابق عمر البشير لجر الإقليم إلى حرب أهلية.
وقال الطاهر حجر رئيس تجمع قوى تحرير السودان إن من وصفهم بأعضاء مجلس السيادة (الشرعيين) سيعقدون اجتماعا قريبا ليتخذوا قرارات حاسمة تجاه القضايا الوطنية الكبرى، من بينها إعفاء رئيس مجلس السيادة من منصبه.
وأكد أن جميع القرارات التي يتخذها المجلس السيادي الانتقالي بتشكيلته الحالية بقيادة البرهان، والمكونة من خمسة أعضاء فقط، “باطلة وغير شرعية” لأن المجلس يجب أن يتكون من 14 عضوا.
ولدى مجلس السيادة لائحة داخلية تحدد النصاب القانوني اللازم لاجتماعات المجلس بتسعة أعضاء، وتصدر قراراته بموافقة عدد محدد لا يقل عن تسعة أعضاء.
وأعلن الطاهر حجر، عبر صفحته على فيسبوك، عدم اعترافه بما صدر عن البرهان وعدم تعاطيه معه، وقال إنه سيقوم بواجباته مع بقية أعضاء مجلس السيادة الشرعيين في تحمّل المسؤولية للعمل مع أطراف النزاع والقوى المدنية والأطراف الدولية لوقف الحرب واستعادة مسار التحول المدني الديمقراطي بالحلول السلمية.
ووصف تصرفات الجنرال البرهان بـ”الهمجية، لا تلتزم بالدستور أو بالقانون أو بأي وثائق أو أعراف، وهو ما يتضح في قرارات الإقالة”. ووصل تباين الآراء بين مسؤولي الحكومة السودانية إلى حد نشوب الخلافات بشأن إدارة ملف وزارة الخارجية، وتنقلات السفراء في البعثات الدبلوماسية.
وأشارت تقارير محلية إلى أن نائب القائد العام للقوات المسلحة وعضو مجلس السيادة شمس الدين الكباشي هو من يدير ملف وزارة الخارجية منذ انقلاب أكتوبر 2021. وأكدت التقارير وجود تباينات بين بعض المسؤولين الكبار بشأن التنقلات بين السفراء في المحطات الخارجية وطريقة إدارة ملف الوزارة في مجلس السيادة.
وتصاعدت الخلافات بين المسؤولين بسبب تقارير أعدتها الوزارة وأخرى جاءت من جهات أمنية حول نشاط عدد من السفراء في الخارج ومستوى نشاطهم وتفاعلهم. وحدثت تغييرات كثيرة في قيادة وزارة الخارجية وحركة نقل السفراء في الخارج خلال الفترة الماضية، وأصبحت الوزارة تعاني من أزمات مالية وصراعات سياسية لافتة.