تحوّل عراقي في إستراتيجية النهوض بصناعة الوقود الأحفوري.

شكل توجه العراق إلى القطع مع السياسة القديمة في إستراتيجية إبرام عقود النفط والغاز مع الشركات الأجنبية تحولا جذريا نحو طريقة النهوض بقطاع الوقود الأحفوري ما سينعكس على الاقتصاد، بينما ستكون فيه البلاد على الأرجح على أعتاب طفرة في الاستثمار.
بغداد - خطا العراق خطوة مهمة على طريق تنفيذ إستراتيجيته الطموحة لتطوير صناعة النفط والغاز، والذي يتطلع المسؤولون من خلاله إلى إحداث نقلة شاملة ليس في طريقة النظرة إلى هذا القطاع الحيوي فقط، بل أيضا في تنمية الاقتصاد.
وأكدت مصادر الخميس أن البلد يجري أكبر تغيير منذ عقود في طريقة التعامل مع شركات النفط العالمية، في محاولة لجذب المزيد من الاستثمارات إلى قطاع الهيدروكربونات، إذ تتحول بغداد إلى تقاسم الأرباح الناتجة عن تطوير احتياطياتها الضخمة.
ووقعت بغداد الأربعاء الماضي بالأحرف الأولى عقود تطوير 13 رقعة استكشافية وحقلا للنفط والغاز بناء على جولة عطاءات عقدت في مايو الماضي، ومنحت الشركات عقودا تنص على تقاسم الأرباح وتتضمن بنودا أكثر جاذبية مقارنة بعقود الخدمات الفنية.
وأفصح مسؤول بوزارة النفط، حضر التوقيع الأربعاء الماضي، لرويترز بأن “عقود تقاسم الأرباح تقدم حصة من الإيرادات بعد خصم رسوم الامتياز ونفقات استرداد التكاليف”.
وقال المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول له الحديث إلى وسائل الإعلام، لرويترز إن “العراق قام باعتماد عقود المشاركة بالأرباح بدلا من عقود الخدمة لجولة عطاءات مايو لتشجيع وجذب المزيد من الاستثمارات في مجال الطاقة”.
وقالت وزارة النفط العراقية عقب التوقيع في بيان إن “الاتفاقات يمكن أن تزيد الإنتاج بمقدار 750 ألف برميل من الخام و850 مليون قدم مكعبة قياسية من الغاز”.
وأكد مسؤولون عراقيون في قطاع النفط أن بلدهم يريد من جولة العطاءات هذه، السادسة للبلاد، على وجه الخصوص زيادة إنتاج الغاز الطبيعي، الذي يسعى لاستخدامه لتشغيل محطات الكهرباء التي تعتمد بشكل كبير على الغاز المستورد من إيران.
وأوضح وزير النفط حيان عبدالغني في البيان أن “زيادة إنتاج الغاز قد تسمح بالمزيد من المرونة لتزويد محطات الطاقة الكهربائية” من هذا المورد.
وتتضمن عقود الخدمات الفنية التقليدية دفع مقابل ثابت عن كل برميل من النفط يتم إنتاجه بعد احتساب التكاليف، ومن المرجح أنها أقل ربحية للمستثمرين الأجانب مقارنة بشروط عقود المشاركة بالأرباح.
وأبرمت السلطات العام الماضي اتفاقا نفطيا بقيمة 27 مليار دولار مع شركة توتال إنيرجيز الفرنسية عرض فيه استرداد أسرع وأقل مخاطرة من خلال تقاسم أكبر للإيرادات، في نموذج أكد العراق في ذلك الوقت أنه يمكن تكراره لجذب المزيد من الشركات الأجنبية.
واشتكت شركات النفط الكبرى من أن بنود عقود الخدمات النفطية التقليدية في العراق تعني أنها لا تستطيع الاستفادة من ارتفاع أسعار النفط وتتعرض للخسارة عندما ترتفع تكاليف الإنتاج.
والعراق، ثاني أكبر منتج في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بعد السعودية، لديه حاليا القدرة على إنتاج ما يقرب من خمسة ملايين برميل يوميا.
وبموجب اتفاق تحالف أوبك+ ينتج البلد حاليا 4 ملايين برميل يوميا، رغم أنه رفع الإنتاج إلى 4.25 مليون برميل يوميا خلال يوليو الماضي، وفقا لتقرير أوبك المعتمد على المصادر الثانوية.
قدرة إنتاج 13 حقلا جديدا
- 850 مليون قدم مكعبة إضافية من الغاز يوميا
- 750 ألف برميل إضافي من النفط يوميا
وتلاشت الاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة منذ موجة الصفقات، التي أبرمت بعد الغزو الأميركي قبل أكثر من عقدين، ما ساهم في ركود إنتاج النفط في البلاد.
وتواجه خطط الحكومة لزيادة الإنتاج مشكلات محلية، بما في ذلك القدرة التصديرية المحدودة بسبب البنية التحتية القديمة والمتدهورة، والحصول على المياه.
كما أثرت الخلافات بشأن السيطرة على الإنتاج في إقليم كردستان، الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي، على إنتاج البلاد من الخام.
وتم إغلاق خط أنابيب كركوك – جيهان في مارس 2023، وقام العراق بزيادة الإنتاج في حقول أخرى لتعويض الإنتاج المفقود في الشمال.
ولاقت صفقة توتال العام الماضي ترحيبا باعتبارها تقدما كبيرا نحو جذب الشركات الغربية الكبرى إلى بغداد.
وهيمنت الشركات الصينية على جولة عطاءات مايو الماضي، والتي عرضت خلالها بغداد 29 مشروعا، وفازت بعشرة من عقود حقول النفط والغاز المطروحة.
وفازت شركة زي.إي.بي.سي الصينية بعقدي تطوير حقل شرقي بغداد وحقول الفرات الأوسط، كما فازت شركة زنهوا بعقد تطوير رقعة القرنين في محافظتي النجف والأنبار ورفعة أبوخيمة في محافظة المثنى بالقرب من الحدود السعودية.
كما أرست وزار النفط العراقية عقدا لشركة سينوبك بتطوير الرقعة الاستكشافية سومر في المثنى، وعقدا آخر لشركة سي.أن.أو.أو.سي بتطوير الرقعة الاستكشافية رقم 7 التي تمتد عبر محافظات الديوانية والنجف وبابل وواسط والمثنى.
أما شركة يو.أي.جي الصينية ففازت بعقد تطوير رقعة الفاو في البصرة. وبالنسبة إلى تطوير حقل الظفرية في محافظة واسط، فازت به شركة أنتون أويل الصينية، في حين أن جيو جياد الصينية ستطور الرقعة الاستكشافية جبل سنام في البصرة.
وخلال الآونة الأخيرة تخارجت إكسون موبيل من العراق، عندما حولت حصتها البالغة 22.7 في المئة في غرب القرنة 1 إلى شركة نفط البصرة العراقية، فيما تتولى شركة بتروتشاينا مهمة تشغيل المشروع.
وسبق لشركة إكسون أن باعت حصة 32 في المئة في رخصة بعشيقة في كردستان عام 2021. كما تخارجت شل من حقل مجنون في عام 2018. ورغم ذلك تدير بي.بي حقل نفط الرميلة، وتدير إيني حقل الزبير.
ونتيجة لذلك بدأ العراق بالتعويل على الصين لزيادة قدرته الإنتاجية إلى نحو سبعة ملايين برميل يوميا بحلول العام 2027.
وتُعد شركة تشاينا بتروليوم آند كيميكال كورب أكبر مستثمر صيني في العراق، وتمتلك حصصا في حقول الأحدب والحلفايا والرميلة وغرب القرنة 1.
كما تمتلك الشركات الصينية مجتمعة حصصا مباشرة في 24 مليار برميل من الاحتياطيات النفطية العراقية، وهي مسؤولة عن إنتاج نحو 3 ملايين برميل يوميا من النفط العراقي، بحسب آس آند بي غلوبال كومودتي إنسايتس.
والصين أكبر مشتر للخام العراقي وتستورد ما معدله 1.18 مليون برميل يوميا، أو 35 في المئة من النفط الذي ينتجه البلد، ثالث أكبر مورد إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم خلال العام الماضي، بعد روسيا والسعودية.