تحول مزاج المفاوضات بين واشنطن وطهران: من مبدأ التفاوض إلى بحث الجانب التقني

هذا التحول ناتج عن ضغوط دولية أكبر، لذلك اختار الطرفان الابتعاد عن تضييع الوقت في النقاشات السياسية.
الاثنين 2025/04/21
مقاربة أكثر براغماتية

لندن- بدأت ملامح جديدة تتشكل في مسار المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران بوساطة عُمانية، حيث تشير التطورات إلى تحول في مزاج التفاوض من مناقشة مبدأ التفاوض ذاته، إلى الانخراط في بحث الجوانب التقنية المتعلقة بالملف النووي الإيراني.

ويعكس هذا التحول انتقالا من منطق العناد إلى مقاربة أكثر براغماتية، ما يدل على رغبة ضمنية لدى الجانبين في كسر الجمود الطويل الذي سيطر على المحادثات منذ انهيار اتفاق 2015.

وكانت المحادثات تدور حول مبادئ أساسية مثل رفع العقوبات قبل أو بعد اتخاذ إجراءات من قبل إيران، أو كيفية ضمان أن برنامجها النووي سيظل في حدود الاستخدام السلمي.

لكن اليوم وفي مرحلة أكثر نضجا في المفاوضات يبدو أن الجانبين قد تجاوزا المراحل السياسية، ويبديان اهتماما أكبر بالجوانب الفنية المتعلقة بالاتفاق النووي مثل مستويات تخصيب اليورانيوم والآليات التفصيلية للرقابة الدولية وكيفية إدارة المخزون النووي، وهو ما يشير إلى وجود أرضية مشتركة بين الطرفين تفتح الباب لتسوية وشيكة.

وتخصّب إيران حاليا اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60 في المئة، وهو أعلى بكثير من حد 3.67 في المئة المنصوص عليه في الاتفاق، لكنه لا يزال أقل من عتبة 90 في المئة المطلوبة للاستخدام العسكري.

وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية العمانية أن الاجتماعات في روما السبت “أسفرت عن توافق الأطراف للانتقال إلى المرحلة التالية من المباحثات الهادفة إلى التوصل إلى اتفاق منصف دائم وملزم يضمن خلو إيران بالكامل من الأسلحة النووية ورفع العقوبات بالكامل عنها، مع الحفاظ على حقها في تطوير الطاقة النووية للأغراض السلمية.”

وأكد وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي على إكس أن “هذه المحادثات تكتسب زخما، والآن حتى ما كان غير مرجّح بات ممكنا.”

ولا يستبعد مراقبون أن يكون هذا التحول ناتجا عن ضغوط دولية أكبر خاصة على إيران، لذلك اختار الطرفان الابتعاد عن تضييع الوقت في النقاشات السياسية والانخراط في البحث عن حلول عملية.

وربما يكون التقدم إلى مرحلة مناقشة الجانب التقني نتيجة للتنازلات التي قد تكون طهران قدمتها بشأن أذرعها الإقليمية، فالتقليص المحتمل لأنشطتها في بعض الدول مثل لبنان واليمن يمكن أن يعتبر خطوة نحو بناء الثقة مع القوى الغربية، مما يسمح للطرفين بالتركيز على التفاصيل الدقيقة لبرنامجها النووي، بدلا من الانشغال بالقضايا الإقليمية المعقدة.

وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن إيران والولايات المتحدة اتفقتا السبت على البدء في وضع إطار عمل لاتفاق نووي محتمل، وذلك بعد جولة ثانية من المحادثات التي وصفها مسؤول أميركي بأنها أحرزت “تقدما جيدا للغاية.”

وفي اجتماعهما غير المباشر الثاني في غضون أسبوع، أجرى عراقجي مفاوضات لمدة أربع ساعات تقريبا في روما مع مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، من خلال مسؤول عماني نقل الرسائل بينهما.

وفي تصريح للتلفزيون الإيراني بعد المحادثات، وصف عراقجي المحادثات بأنها مفيدة وجرت في أجواء بناءة.

وقال “لقد تمكنا من تحقيق بعض التقدم بشأن عدد من المبادئ والأهداف، وفي نهاية المطاف توصلنا إلى تفاهم أفضل.” وأضاف “جرى الاتفاق على استمرار المفاوضات والانتقال إلى المرحلة التالية، إذ ستبدأ اجتماعات على مستوى الخبراء يوم الأربعاء في عُمان. وستتاح للخبراء فرصة البدء في وضع إطار عمل للاتفاق.”

pp

وأوضح أن كبار المفاوضين سيجتمعون مرة أخرى في عُمان السبت المقبل “لمراجعة عمل الخبراء وتقييم مدى توافقه مع مبادئ الاتفاق المحتمل.” ومن المتوقع إجراء محادثات تقنية بين خبراء إيرانيين وأميركيين الأربعاء في عمان قبل مفاوضات السبت.

وهذا ثاني اجتماع على هذا المستوى بين البلدين منذ أن انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب أحاديا عام 2018 من الاتفاق النووي التاريخي مع إيران الذي نص على تخفيف العقوبات الدولية المفروضة على إيران مقابل كبح برنامجها النووي.

وبعد عودته إلى البيت الأبيض في يناير أعاد ترامب اعتماد سياسة “الضغوط القصوى” التي انتهجها خلال ولايته الرئاسية الأولى حيال الجمهورية الإسلامية التي انقطعت علاقتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة منذ 1980، بُعيد الثورة الإسلامية في إيران.

وفي مارس، دعا ترامب الحكومة الإيرانية إلى التفاوض على اتفاق جديد، مهدّدا بقصف إيران إذا فشلت التسوية الدبلوماسية. لكنه قال الخميس “لستُ في عجلة من أمري” للجوء إلى الخيار العسكري، مضيفا “أعتقد أن إيران ترغب في الحوار.”

وتحيي المحادثات في إيران الأمل في تحسّن الوضع بينما تسعى البلاد للتوصّل إلى رفع العقوبات التي تخنق الاقتصاد. وقد شهدت سوق الأسهم السبت ارتفاعا “تاريخيا”، حسب ما أفادت به وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا”، في حين استعادت قيمة العملة الوطنية بعضا من قوّتها.

ووفق مواقع إيرانية عدّة لتعقّب سعر الصرف غير الرسمي، فقد تمّ تداول الدولار الأحد مقابل حوالي 830 ألف ريال، مقارنة بأكثر من مليون ريال في بداية أبريل أي قبل بدء المفاوضات.

pp

 

اقرأ أيضا:

       • الولايات المتحدة تحتاج إلى التمييز بين وكلاء إيران واحتياجات العراق الأمنية

1