تحول في موقف إسرائيل تجاه حكام سوريا الجدد: من وصفهم بالإرهابيين إلى الانفتاح على علاقات جيدة معهم

وزير الخارجية الإسرائيلي: نوايانا طيبة تجاه النظام السوري.
الثلاثاء 2025/05/13
براغماتية بدأت تؤتي أكلها

من وصفهم بالإرهابيين إلى إبداء رغبة وانفتاحا على نسج علاقات طيبة معهم، هكذا تغير موقف الحكومة الإسرائيلية تجاه حكام سوريا الجدد، مع عدم استبعاد المزيد من التحولات على صعيد العلاقة بين الجانبين.

دمشق - لفتت تصريحات لوزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، أعرب من خلالها عن انفتاح بلاده على “علاقات طيبة” مع سوريا، أنظار المتابعين، الذين رأوا في تلك التصريحات تحولا جذريا في الخطاب الإسرائيلي الذي كان يتمسك لوقت قريب بوصف حكام سوريا الجدد بـ”الإرهابيين الذين لا يمكن الثقة بهم،” بالنظر إلى خلفيتهم الجهادية.

ويربط المتابعون التحول اللافت في الموقف الإسرائيلي، بالرسائل التي ما فتئ الرئيس السوري أحمد الشرع يوجهها لإسرائيل عن حرصه على عدم السماح بجعل بلاده منصة لاستهدافها، وأنه مستعد للتعاون معها لتبديد هواجسها الأمنية.

ويشير المتابعون إلى أن الوساطات العربية، التي سبق وأن أقر بها الرئيس الشرع خلال زيارته إلى فرنسا الأسبوع الماضي، لعبت دورا أساسيا في تغير النبرة الإسرائيلية المعادية للنظام القائم في سوريا.

وقال وزير الخارجية الإسرائيلي، الأحد، إن إسرائيل تسعى إلى إقامة “علاقات جيدة” مع الحكومة الجديدة في دمشق، وذلك في أعقاب إعلان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن القوات الإسرائيلية استعادت رفات الرقيب أول تسفي فيلدمان، الذي فُقد خلال حرب لبنان الأولى عام 1982.

جدعون ساعر: نوايانا طيبة.. نحن نريد الأمن والاستقرار، هذا هو طموحنا
جدعون ساعر: نوايانا طيبة.. نحن نريد الأمن والاستقرار، هذا هو طموحنا

وعند سؤاله خلال مؤتمر صحفي في القدس عمّا إذا كانت إسرائيل تلقت مساعدة من الحكومة السورية في مهمة استعادة الرفات، وإذا ما كانت هناك تحالفات متنامية مع دمشق في ظل تقارير عن محادثات غير مباشرة، قال ساعر “يبدو أن هذا السؤال يجب توجيهه إلى مكتب رئيس الوزراء.”

ووفقاً لما نقلته صحيفة “ذا تايمز أوف إسرائيل” أضاف ساعر “مع ذلك، نرغب في إقامة علاقات جيدة. نرغب في تحقيق الاستقرار. لدينا، بطبيعة الحال، مخاوف أمنية، وهذا أمر مفهوم.”

وأشار وزير الخارجية الإسرائيلي إلى أن لبلاده أسباباً تدعو إلى “الشك في النظام الحالي” في سوريا، لاسيما بسبب “بعض التحركات المتعلقة بالأقليات في البلاد،” مستدركا “لكن نوايانا طيبة.. نحن نريد الأمن والاستقرار، هذا هو طموحنا.”

ومنذ الإطاحة بحكم الرئيس بشار الأسد في ديسمبر الماضي، وتولي هيئة تحرير الشام (فرع سابق لتنظيم القاعدة) السلطة في دمشق، أبدت إسرائيل خشية من هذا التغيير، وهاجم مسؤولوها مرارا وتكرارا، وبينهم ساعر نفسه الحكام الجدد لسوريا، حيث قال في إحدى تصريحاته في فبراير الماضي “إن حكومة سوريا الجديدة، هي جماعة إرهابية إسلامية من إدلب، استولت على دمشق بالقوة.”

وفي مارس الماضي، قال ساعر عن الحكومة السورية “كانوا جهاديين وما زالوا جهاديين، حتى لو ارتدى بعض قادتهم بزات رسمية.”

ولم يكن فقط صعود إسلاميين إلى السلطة في سوريا هو الهاجس الوحيد للإسرائيليين، بل وأيضا وقوع البلد تحت النفوذ التركي، وهذا في حد ذاته يشكل تحديا كبيرا بالنسبة إلى إسرائيل.

وعمدت إسرائيل منذ أواخر ديسمبر إلى تكثيف غاراتها العسكرية التي كان الهدف منها تحطيم الترسانة العسكرية للجيش السوري، وأيضا التمدد في الجنوب، حيث سيطرت بشكل كلي على “جبل الشيخ”، وهي منطقة إستراتيجية تتيح لإسرائيل مراقبة المجال السوري.

كما استهدف الجيش الإسرائيلي في أبريل الماضي، قواعد جوية في حمص قيل إن تركيا تعتزم تحويلها إلى قواعد تابعة لها.

الوساطات العربية، التي سبق وأقر بها الرئيس الشرع الأسبوع الماضي، لعبت دورا أساسيا في تغير النبرة الإسرائيلية

وبالتوازي مع ذلك عملت إسرائيل على استمالة الأقليات السورية، ولاسيما الدروز، وقد ذهبت بعيدا حد التدخل في المواجهات الأخيرة بين السلطات السورية ومقاتلين دروز في جرمانا وصحنايا.

وفي مقابل ذلك اعتمدت السلطة السورية سياسة ضبط النفس، مع توجيه رسائل متكررة عن استعدادها لتبديد المخاوف الإسرائيلية، وأنها لن تشكل أيّ تهديد للجوار.

لكن التراجع المسجل على مستوى الغارات الإسرائيلية في الأيام الأخيرة، وانسحاب لواء المظليين مؤخرا من الجنوب السوري، إضافة إلى تصريحات ساعر اللافتة، كل ذلك يشي باستدارة إسرائيلية حيال سوريا.

ويقول محللون إن الموقف الأميركي لعب أيضا دورا في فرملة اندفاعة إسرائيل في سوريا، حيث أن إدارة الرئيس دونالد ترامب أظهرت عدم حماسة لتغذية التشدد الإسرائيلي تجاه حكام هذا البلد، مسلّمة بالنفوذ التركي.

وكان ترامب أوضح خلال لقائه نتنياهو في واشنطن في أبريل الماضي أنّه مستعد لمساعدة إسرائيل في التعامل مع تركيا في سوريا، ولكن على إسرائيل أن تُظهر (مطالب معقولة)،” مشيدا خلال ذلك اللقاء بذكاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وبحسب البروفيسور اليهودي – الأميركي، جيفري ساكس، فإنّ السياسة الخارجية لواشنطن تعتمد بشكلٍ وحيدٍ على المصالح، لافتًا إلى أنه لا توجد فيها قيم البتة، وربما هذا هو التفسير لتأييد الرئيس الأميركي لنظيره التركي في كلّ ما يتعلّق بطموحات أنقرة في استكمال السيطرة على سوريا وتحويلها إلى دولة وصايةٍ تركية تُذكّر بأحلام إعادة الإمبراطورية العثمانية.

ويعتقد الكثيرون أن هناك قناعة بدأت تتبلور لدى الحكومة الإسرائيلية بأن الأفضل سلك طريق التفاهم مع دمشق بدل خيار المواجهة، الذي سيكون عبثيا، خصوصا أنه ليس هناك من يدعم من الحلفاء هذا التوجه ولاسيما الولايات المتحدة.

ولا يستبعد هؤلاء أن يصل الجانبان إلى مرحلة تطبيع العلاقات لاحقا، بالنظر إلى العقلية البراغماتية التي يدير بها الأمور ساكن قصر الشعب الجديد.

2