تحول سعودي في استراتيجية إنفاق فوائض عوائد النفط

توقعات بنمو الناتج الإجمالي للقطاع بنسبة 19 في المئة بنهاية 2022.
السبت 2022/05/28
استلهمنا دروس الماضي في مراكمة الأموال

وفرت طفرة أسعار النفط للسعودية فرصة ثمينة لتنفيذ استراتيجية إنفاق تقطع مع السياسات القديمة، حيث يرى خبراء ومحللون أنها ستنقل برنامج الإصلاح في البلد الخليجي الثري إلى مرحلة مهمة ستكرس الإصرار على تنويع الاقتصاد على أسس مستدامة.

الرياض- كشفت السعودية أنها ستحتفظ بمليارات الدولارات من الإيرادات الضخمة لبيع الخام في الحساب الجاري للحكومة حتى نهاية 2022، حيث ستقرر حينها كيفية توزيعها، ما اعتبره خبراء تحولا في استراتيجيتها مقارنة بفترات الازدهار السابقة.

وطيلة عقود كان أكبر اقتصاد عربي يترجم صعود أسعار النفط والإنتاج بسرعة في شكل ارتفاعات في الاحتياطات النقدية والودائع في البنوك المحلية، وأحيانا كان يؤدي إلى زيادة سريعة في الإنفاق الحكومي.

محمد الجدعان: سيتم تخصيص أوجه صرف الأموال بعد إقفال السنة المالية

ولكن أزمة أوكرانيا كانت منعطفا بالنسبة إلى السعودية على ما يبدو لتحقيق أهداف لطالما ظلت في ذهن صناع القرار منذ أن أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قبل ست سنوات عن “رؤية 2030”.

ومن المتوقع ألا تنفق الحكومة أموال عوائد النفط، حيث يبلغ متوسط سعر البرميل حاليا 110 دولارات، إلا بعد إعادة بناء احتياطاتها التي استنفدت على مدى ثمانية أعوام من الأسعار المنخفضة.

وبعد تحقيق الهدف ستتجه إلى استخدام البعض من السيولة لسداد الديون، أو ضخها في أدوات الاستثمار الحكومية، بما في ذلك صندوق الاستثمارات العامة (الصندوق السيادي) وصندوق التنمية الذي يركز على البنية التحتية المحلية.

وقال وزير المالية محمد الجدعان لوكالة بلومبرغ إن “الفائض المُحقق في الربع الأول من 2022 يظهر في الحساب الجاري، ولم يودع بعد في الاحتياطات، ولم يتم تحويله إلى مكان آخر”.

وأضاف على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد في دافوس السويسرية “سيتم التخصيص بعد تحقق الفائض، أي بعد إقفال السنة المالية” الحالية.

وارتفع الحساب الجاري لدى البنك المركزي بواقع 19 مليار دولار في أول ثلاثة أشهر من العام، عندما سجلت السعودية فائضا في الموازنة بواقع 15 مليار دولار.

وتوقع الجدعان أن ينمو الناتج النفطي بنسبة 19 في المئة هذا العام بعدما قفزت إيرادات أكبر بلد مصدر للخام في العالم بفضل تخطي سعر البرميل مستوى مئة دولار بالتزامن مع زيادة الإنتاج.

كارلا سليم: السيولة الفائضة في النظام المصرفي تقلصت بشكل حاد

ويقول خبراء إن تصريحات الجدعان توضح بعض الأمور التي ظلت غامضة لدى متابعي الشأن الاقتصادي السعودي حول أوجه استخدام فوائض تجارة العضو البارز الذي يقود منتجي أوبك في تحالف أوبك+.

ورجحت شركة أبحاث الطاقة ريستاد إنرجي في تقرير صادر حديثا أن تكون السعودية أكبر المستفيدين من إيرادات النفط هذا العام، بما يتجاوز 400 مليار دولار، وهذا يمثل زيادة قدرها 250 مليار دولار تقريبا عن العام الماضي.

وقال زياد داود، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في بلومبرغ إيكونوميكس، “من المتوقع أن يصل إجمالي صادرات النفط السعودية إلى 287 مليار دولار هذا العام، في حال حافظت أسعار النفط الخام على مستواها المرتفع”.

وسبق أن أكد مسؤولون سعوديون أنه سيتم استخدام الكثير من الأموال الفائضة لتسريع الجهود من أجل تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط المصدر الرئيسي الحالي لدخل البلاد.

وقال وزير الاقتصاد والتخطيط فيصل الإبراهيم لبلومبرغ خلال مقابلة في دافوس “سيتم استثمار المكاسب المفاجئة من الإيرادات الإضافية التي سنحصل عليها من ارتفاع أسعار النفط، بشكل أساسي، بمرونة”.

وأوضح أن ذلك سيتم سواء كان في إعادة بناء الاحتياطات النقدية أو سداد الديون أو الاستثمار في مشاريع تحويلية فريدة عبر صندوق الثروة “فهذا يساعدنا حقاً في تسريع خطط التنويع الاقتصادي”.

ويعد صندوق الثروة، الذي يدير أصولا تزيد على 620 مليار دولار، في قلب الأجندة الطموحة لولي العهد، وهو يعمل على تنويع محفظة أصوله بالاستحواذ على حصص في قطاعات تشمل العقارات والتكنولوجيا والبنية التحتية والسيارات والطائرات وغيرها.

زياد داود: صادرات السعودية ستبلغ 287 مليار دولار هذا العام

كما يمتلك معظم المشاريع الضخمة في البلاد بما في ذلك نيوم، بالإضافة إلى تطوير مدينة سياحية على ساحل البحر الأحمر، ومجمع ترفيهي ضخم مخطط له بالقرب من الرياض.

وكتب محمد أبوباشا رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي في مجموعة هيرميس المصرية في مذكرة “لقد تحولت مسؤولية تعزيز النمو إلى الكيانات المملوكة للدولة خارج الموازنة، بقيادة الصندوق السيادي”.

وأضاف أن هذا يجعل “انعكاس أسعار النفط المرتفعة على الاقتصاد بشكل غير مباشر أكثر من أي وقت مضى”.

وقفزت الاحتياطات النقدية للبلاد في مارس الماضي بدعم من توزيعات أرباح شركة أرامكو رغم أن الزيادة كانت أقل قياسا بالعام الماضي حينما كان سعر برميل النفط يحوم حول 60 دولارا فقط.

ولم يستفد القطاع المصرفي، وهو جزء مهم من الاقتصاد حتى الآن، من الإصلاحات. ففي السابق كانت أسعار النفط المرتفعة تعني تدفق الودائع الرخيصة إلى البنوك المحلية، مما يساعد على الإبقاء على الإقراض بالريال بفائدة متدنية.

ولكن البنوك تواجه أقسى ظروف السيولة المالية منذ 2016، كما تُقاس بسعر الفائدة السائد بين البنوك لمدة ثلاثة أشهر (سايبور) رغم ارتفاع أسعار النفط. وانطلق المعدل حتى قبل رفع سعر الفائدة الإجمالي 75 نقطة أساس من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) حتى الآن هذا العام.

الحساب الجاري لدى البنك المركزي ارتفع بواقع 19 مليار دولار في أول ثلاثة أشهر من العام، عندما سجلت السعودية فائضا في الموازنة بواقع 15 مليار دولار

وقالت كارلا سليم الخبيرة الاقتصادية في ستاندرد تشارترد “تعكس الزيادة في معدلات سايبور بعض التأخير بين صعود أسعار النفط وزيادة السيولة المحلية”.

وأضافت أن “السيولة الفائضة في النظام المصرفي، التي يتم قياسها بالأحجام المودعة في تسهيلات إعادة الشراء العكسي لدى مؤسسة النقد العربي السعودي، تقلصت بشكل حاد”.

وقالت وزارة المالية السعودية في بيان مؤخرا إن “المعروض النقدي وفير”. وألمحت إلى أن الحكومة غيرت أيضا الطريقة التي تدير بها ثروتها من النفط، عبر وضع حد أدنى وسقف لاحتياطاتها التي تُقاس كحصة من الناتج المحلي الإجمالي. وأوضحت أن ذلك سيساعد في “حماية وضعنا المالي من الصدمات المحتملة في المستقبل”.

11