تحول أغنى دولة في العالم إلى بؤرة موبوءة.. هل يطيح بترامب

تمر الولايات المتحدة راهنا بأحلك الفترات في تاريخها بعدما تحولت أقوى وأغنى دولة في العالم إلى بؤرة موبوءة بفايروس كورونا ما فتح باب الترجيحات إلى أن يساهم الوباء حتى في تأجيل الانتخابات المرتقبة في شهر نوفمبر القادم. لكن تسارع تفشي كوفيد-19 خاصة في نيويورك، لم يمنع في المقابل من تواصل المعركة الانتخابية بين الجمهوريين والديمقراطيين، حيث تشير كل المعطيات إلى أن المنافسة ستنحصر بين الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب والديمقراطي جو بايدن النائب السابق لبارك أوباما.
واشنطن - لم تعرف الولايات المتحدة في تاريخها ومنذ انتخابات 1789، أي تأجيل وكانت دائما تجرى في مواعيدها المقررة، لكن تسارع تفشي وباء كوفيد - 19 في البلاد وخاصة في أكبر الولايات نيويورك فرض حالة من الشك بشأن مصير انتخابات شهر نوفمبر المقبل التي ستشهد مبدئيا منافسة حادة بين الرئيس دونالد ترامب ومنافسه المحتمل جو بايدن الذي كان يشغل لسنوات خطة نائب للرئيس السابق باراك أوباما.
وفرض انتشار كورونا الكثير من التساؤلات لا فقط بشأن إجراء الانتخابات من عدمها، بل أيضا حول التداعيات المرتقبة للانعكاسات الكارثية لكوفيد- 19 على نتائج الانتخابات مستقبلا خاصة وأن المعسكر الديمقراطي بات يحّمل كل ما يحصل لإدارة الرئيس ترامب.
حالة شك
تعززت حالة الشك بعد تأجيل الحزب الديمقراطي في عدة ولايات أميركية لانتخاباته التمهيدية، كما ألغيت الفعاليات الانتخابية التي كان من المقرر أن يشارك فيها المرشحون للرئاسة، وهو ما هدد المسار التقليدي لاختيار مرشح الحزب الديمقراطي لمنافسة الرئيس دونالد ترامب.
ويعتقد كثير من الأميركيين أن ترامب قد يُقدم على تأجيل أو إلغاء انتخابات الرئاسة القادمة، بسبب تداعيات انتشار الوباء وأن يستغل حالة الطوارئ الفيدرالية في سبيل تحقيق ذلك.
وينطلق خصوم ترامب وعلى رأسهم جو بايدن لدى مهاجمة ترامب بطرح السؤال كيف أصبحت أغنى دولة في العالم بؤرة موبوءة بطريقة جنونية بعدما قدّر الخبراء أن شخصا يموت كل 47 ثانية في الولايات المتحدة بسبب كورونا. وتأججت الحروب الكلامية بين الديمقراطيين والجمهوريين خاصة بعدما أعلن السيناتور الديمقراطي بيرني ساندرز عن تعليق حملته الانتخابية ليعلن تأييده لبايدن.
وأيّد بيرني ساندرز، الاثنين، جو بايدن، في السباق نحو الرئاسة الأميركية، وتعهد سيناتور ولاية فيرمونت، والمرشح الرئاسي السابق في انتخابات الحزب الديمقراطي التمهيدية، بمساعدة بايدن في هزيمة ترامب في الانتخابات العامة التي تشهدها الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل. وقال ساندرز لبايدن “نحن بحاجة إليك في البيت الأبيض. سأفعل كل ما بوسعي لرؤية ذلك يحدث يا جو”.
وإلى حدود الاثنين وصل عدد الوفيات بسبب كورونا في ولاية نيويورك لوحدها بـ10 آلاف بحسب ما أفاد الحاكم أندرو كومو الذي أكد أن “الأسوأ مرّ” في حال تم الاستمرار في اتباع تدابير الحجر، لكن “اذا فعلنا أمراً غبيّاً، سترون هذه الأرقام ترتفع منذ الغد”.
وسُجِّل في الولايات المتحدة ما يقرب من 23 ألف حالة وفاة بسبب كوفيد - 19، فيما تجاوز العدد الجملي للحالات المصابة بالفايروس نصف مليون في مختلف أرجاء البلاد، ليتجاوز إجمالي عدد الإصابات في كل من إيطاليا وإسبانيا وفرنسا مجتمعة. وبطبيعة الحال، فإن المعدل الحقيقي للعدوى أعلى بكثير من ذلك، وذلك بسبب النقص الحاد في إجراء الاختبارات.
ويراهن خصوم ترامب على توظيف الأزمة سياسيا خاصة بعدما قالت وزارة العمل الأميركية إن أكثر من 6.6 مليون أمريكي قدَّموا طلبات للحصول على إعانة البطالة خلال الأسبوع الماضي، ومن المقرر أن ينافس فقدان الوظائف في الولايات المتحدة خلال الأزمة الراهنة من حيث السرعة والنطاق، ما شهدته البلاد خلال فترة الكساد الكبير.
وحول هذه المنافسة السياسية الراهنة، يقول نعوم تشومسكي، عالم اللغويّات الأميركي، والمنظر السياسي الذي يُعد أحد أبرز الفلاسفة والمثقفين في العصر الحديث في حوار أدلى به إلى موقع “ديموكراسي ناو” الأميركي “إذا انتخِب ترامب مرة أخرى، فسيكون نجاحه بمثابة كارثة يعجز اللسان عن وصفها. وسيعني هذا أن السياسات التي اتبعها خلال السنوات الأربع الماضية، والتي كانت هدَّامة للغاية بالنسبة للشعب الأميركي والعالم ستستمر، وربما تتسارع وتيرتها”.
وأكد تشومسكي أنه بالنسبة لمجال الصحة، فإن سياسات ترامب سيئة بما فيه الكفاية وأن الأرقام التي أشارت إليها مجلة “ذا لانسيت” الطبية سوف تزداد سوءًا. وستكون هناك تداعيات خطيرة بالنسبة للبيئة، أو التهديد باندلاع حرب نووية.
ويراهن بايدن على هذه التصورات التي يتبناها الكثير من المراقبين إلى جانب تشومسكي، حيث سبق لبايدن أن انتقد في أكثر من مرة كيفية تعاطي الإدارة الأميركية برئاسة ترامب مع الأزمة.
وقال لدى بداية تفشي الوباء في نيويورك إن أداء إدارة الرئيس الأميركي في التعاطي مع أزمة تفشي فايروس كورونا في الولايات المتحدة كان سيئا للغاية.
وذكر في مقال نشره بصحيفة نيويورك تايمز، إن إدارة ترامب لم تقدم حتى الآن إجابة عن السؤال الذي يشغل بال الأميركيين، ألا وهو، ما هي الخطة المزمع اتباعها لإعادة الولايات المتحدة إلى مربع الأمان.
وأشار إلى أن وضع استراتيجية فعالة للقضاء على الفايروس هو الجواب النهائي للسؤال عن السبيل إلى إعادة الاقتصاد الأميركي للمسار الصحيح، وأن على صناع القرار التوقف عن التعامل مع الاستجابة الصحية والاقتصادية للأزمة على أنهما أمران منفصلان لأنهما ليسا كذلك.
مصير غامض

ويستند بايدن أيضا على ما صرح به الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الذي قال بدوره إنّ “فريق الرئيس الجمهوري أنكر التحذيرات من جائحة كوفيد - 19”.
لكن تشومسكي المعارض لسياسات ترامب لديه تصورات أخرى حيث قال “لنفترض أن بايدن هو الذي سينجح في الانتخابات، أتوقع أن يكون نجاحه استمرارًا لسياسات أوباما، وهي ليست عظيمة للغاية، ولكنها على الأقل ليست هدَّامة تمامًا، وستعطي الفرصة للجمهور المنظم لتغيير ما يجري وممارسة الضغوط. وبينما قد يكثر الحديث الآن حول فشل حملة ساندرز، يعتقد تشومسكي أن هذا خطأ، وأنه نجح نجاحًا غير عادي؛ إذ إن القضايا التي لم يكن من الممكن التفكير فيها قبل بضع سنوات، أصبحت الآن في بؤرة الاهتمام.
ويشدد تشومسكي على أن أسوأ جريمة ارتكبها بايدن، من وجهة نظر مؤسسة الرئاسة، ليست السياسات التي يقترحها، ولكنها الحقيقة التي تشير إلى أنه كان قادرًا على إلهام الحركات الشعبية، التي كانت تتطور بالفعل – مثل: حركتي “احتلوا” و”حياة السود مهمة” وغيرهما – وتحويلها إلى حركات ناشطة، لا تظهر فقط كل عامين ثم تعود إلى سباتها، بل تمارس ضغوطًا مستمرة، وتبذل جهدًا متواصلًا. ورجح أن يؤثر ذلك في إدارة بايدن، وربما يعني أن هناك وقتًا للتعامل مع الأزمات الكبرى.
ويستدل تشومسكي على ذلك بالبرنامج الذي اقترحه ساندرز في ما يخص الرعاية الصحية والذي ينتقد فيه الطيف السياسي بوصفه مارس تطرفا شديدا بالنسبة للأميركيين، مؤكدا أن ذلك يعد هجوما على الثقافة الأميركية والمجتمع الأميركي.
لكن تشومسكي لا يحمّل كل شيء لإدارة ترامب بقوله إن “كارثة أجهزة التنفس الصناعي أعمق بكثير من ترامب. وعلينا أن نواجه تلك الحقائق، مضيفا طوال فترة حكم ترامب، تحرك عقرب ساعة القيامة مقتربًا من منتصف الليل – نهاية العالم – حتى وصل إلى أعلى نقطة على الإطلاق. وقد تجاوز هذه النقطة في يناير”.
ورغم تعدد المقاربات حول ما يحصل من تطورات صدمت المجتمع الأميركي، فإن الكثير من الأوساط السياسية تحمّل الرئيس ترامب المسؤولية كاملة لكل ما يحدث.
وهذا ما يتبناه تشومسكي الذي قال “لم يعد الحزب الجمهوري مؤهلًا بصفته حزبًا سياسيًّا، لأنه ببساطة يردد بكل حمق كل ما يقوله سيده، بلا أي نزاهة أو شرف. إن ترامب محاط بمجموعة من المتملقين الذين يرددون كل ما يقوله بكل تبجيل، وهذا هجوم حقيقي على الديمقراطية، فضلًا عن أنه هجوم على بقاء البشرية”.