"تحولات الإنسان الذهبي" رواية سورية بطلها حمار يتحول إلى إنسان

الكاتب نبيل سليمان يسعى من خلال روايته الجديدة لاستكشاف الجوهر الإنساني الذي تغيّبه الصراعات.
الخميس 2022/02/03
تحولات غريبة بحثا عن الجوهر (لوحة للفنان سنان حسين)

عمّان - بعد اثنتين وعشرين رواية لنبيل سليمان، ابتداءً من عام 1970، صدرت رواية جديدة لهذا الكاتب السوري بعنوان “تحولات الإنسان الذهبي”.

يقول الناقد المغربي سعيد يقطين عن هذه الرواية في تقديمه لها “لا أبالغ كثيرا إذا قلت ليست هناك رواية عربية لم يطلع عليها نبيل سليمان. كما أنني لا أجانب الصواب إذا ذهبت إلى أنه من الروائيين العرب القلائل الذين تختزل حياتهم في كتابة الرواية. تشهد بكل هذا ذخيرته الروائية الطويلة والغنية والمتنوعة، ومتابعاته النقدية الوافية، وقراءاته المتواصلة منذ حوالي خمسين عاما. وروايته الأخيرة هذه خير دليل على ذلك”.

ويُذكِّر عنوانُ الرواية، الصادرة أخيرا عن دار خطوط وظلال، القارئ العربي برواية “تحولات الجحش الذهبي” لأبوليوس، والتي تعتبر أول رواية في التاريخ الإنساني، ولكن سليمان هنا قام باستبدال الحمار بالإنسان، في تحويل ومعارضة لكل ما كتب عن الحمار من نصوص إبداعية، قديما وحديثا، واختلاف عنها.

بطل الرواية تحول من حمار إلى إنسان، وبما أنه كاتب فقد جعل كل همّه في هاجس واحد ظاهر وهو “كتابة رواية عن الحمار”، وآخر باطن هو “كتابة رواية مختلفة عمّا كتب عن الحمار”.

وفّر الكاتب لعمله هذا مادة تتصل بالحمار تربو على مئة وثلاثين مرجعا. لم يتخذ الحمار قناعا، ولا رمزا، ولا أمثولة، لتصريف مواقف محددة، ولكنه جعل منه فقط حافزا للسرد عن التحولات التي تطرأ على الإنسان في حياته اليومية، من خلال رصد جوانب من حياة البطل نفسه، في ذاته، من جهة، منذ طفولته إلى أن صار كاتبا يحضر المهرجانات التي تقام حول الحمار، في تركيا، والكويت، والمغرب، وفي علاقاته مع الآخرين، من جهة أخرى.

بطل الرواية تحول من حمار إلى إنسان كناية عن التحولات التي تطرأ على الإنسان في حياته اليومية المتقلبة

تتخذ الرواية مسارات متعددة لا نحسّ بها، إذا كان همنا هو فقط متابعة حبكة الرواية. من هذه المسارات نجد ما هو تاريخي يتصل بتطور المجتمع العربي منذ الخمسينات إلى الآن، ومسار ثقافي يتجلى في رصد العلاقات بين المثقفين، وهم يشاركون في التظاهرات والمهرجانات والمظاهرات. ومسار معرفي في تقديم مادة معرفية عن الحمار في ارتباطه مع الإنسان.

يوازي هذا الغنى والتنوع على مستوى المادة الحكائية والدلالية للنص، توظيف لتقنيات روائية وفنية برع الكاتب في استثمارها، باقتصاد دقيق، من اللغة الراقية والشفافة، إلى تقطيع المشاهد، وتكسير عمودية الزمن، وتعدد اللغات والأصوات، مرورا بالهوامش، والعناوين الفرعية، وتضمين خطابات متنوعة ومتعددة من حقب وثقافات مختلفة.

هذه الرواية حلقة تضاف إلى سلسلة حلقات روايات نبيل سليمان، وهي تسائل الإنسان في تحولاته المتعددة، في الزمان والمكان. وحين تصر على “الإنسان الذهبي” فهي تسعى لاستكشاف الجوهر الإنساني الذي تغيّبه الصراعات، والتناقضات، وتدفعه إلى البحث عن تحولاته الكائنة والممكنة التي كما قد تجعله يتحول من حمار إلى إنسان، يمكن أن ترتد به لينتقل من إنسان إلى حمار.

ويواصل سليمان نقده للواقع العربي، وخاصة الطغيان السياسي، والذي قال عنه “لئن كان ذلك قد أخذ يورثني من اليأس قدرا، على النقيض مما عرفت به طوال حياتي، فإنني مازلت أحلم بيوم يكون فيه الطغيان والطغاة من الماضي المنبتّ، غير الفاعل بالحاضر ولا بالمستقبل”.

يوجّه سليمان نقده اللاذع للطغيان وممارساته المتبدّية في كافة الأشكال وفي مختلف المجالات، لكن هذه المرة من زاوية مختلفة، إذ يعالج  طرحه بالسخرية مثلما يعالجه بالمعلومة الدقيقة وبالجدية. وهي السخرية اللازمة لاستمرار العيش في ظل هذا الاختناق الفظيع، والذي تسببه الدكتاتوريات/الطغاة والواقع الاجتماعي المربك الذي تعيشه العديد من الدول العربية.

وليس أدل على ذلك قول بطل الرواية “لما ظهر الرئيس المصري صفق غالي وخبط بحذائه على البلاط قائلاً: وهذا بدأ يحضّر ابنه ليرث العرش. ولما ظهر الرئيس اليمني صفّق غالي وصاح: وهذا بدأ يحضّر ابنه. قلت: في العراق يحضّر الرئيس ابنه، في ليبيا يحضّر الأخ القائد ابنه”.

إنها رواية مغمّسة بالوجع والقلق، رغم عوالمها الساخرة، وقبل ذلك وبعده هي رواية لا تخشى لومةً في نقد الذات وتعريتها.

ولا تتناول الرواية التاريخ المباشر الساخن إذ لا تمثل تسجيلاً لسيرورة الأحداث، مما يمكن أن ينجزه الصحافي أو المدون اليومي للوقائع، بل يمكن أن يكون هذا التاريخ هو التاريخ المكثف في مقطع يومي، مختزلاً أياماً أو شهوراً أو ما هو أطول، إذ يتحرك الكاتب بحرية في الزمن الحاضر والماضي جيئة وذهابا دون خطية.

ويرى سليمان أن كل لحظة مفصلية من لحظات المشروع الروائي، وخاصة اللحظة الأخيرة، هي أولا وأخيرا لحظة السؤال الفني المزلزل عما أنجزت وعما سوف تنجز. وهذا ما تندرج ضمنه روايته الجديدة التي يواصل من خلالها مشروعه السردي المختلف.

14