تحفيز الاستهلاك على حساب الاستثمار مفاضلة صينية محفوفة بالمطبات

إعادة التوازن للمؤشرات تتطلب تحولا جذريا في النموذج الاقتصادي.
الثلاثاء 2024/10/01
الازدحام لن ينتهي مهما كانت الظروف

تنأى خطط التحفيز الصينية لملء جيوب المستهلكين لتلبية هدف النمو لعام 2024 بنفسها عن دليل سياسات عمره عقود من الزمن، لكن جعل الطلب من الأسر محركا مستداما للتنمية بدلا من الاستثمار هو طريق طويل مفروش بخيارات صعبة.

بكين – تخطط الحكومة الصينية لإصدار سندات سيادية بقيمة نحو تريليوني يوان (284 مليار دولار) هذا العام، جزئيا لدعم مشتريات السلع الاستهلاكية ودعم الأطفال، وتحويل الأموال فعليا إلى الأسر.

ويمثل هذا تحولا نحو تحفيز الاستهلاك الذي دعا العديد من خبراء الاقتصاد بكين إلى متابعته لأكثر من عقد من الزمن، محذرين من أن الصين قد تنزلق بخلاف ذلك نحو فترة طويلة من النمو المنخفض كما حدث في اليابان في تسعينات القرن العشرين.

وقال تيان تشن شو، الخبير الاقتصادي في وحدة الاستخبارات الاقتصادية، لرويترز إنه “حدث ضخم، حدث تاريخي عكست فيه عقلية السياسة اتجاهها”.

ويكمن التوتر في نموذج النمو من ثمانينات القرن الماضي، والذي يقول العديد من خبراء الاقتصاد إنه اعتمد بشكل كبير على الاستثمار في العقارات والبنية الأساسية والصناعة على حساب المستهلكين.

ويرى المحللون أن هذا النموذج أفرز فائضًا في البنية الأساسية والتصنيع وأدى إلى ارتفاع مذهل وغير مستدام في الديون منذ الأزمة المالية العالمية مع تضاؤل عوائد الاستثمار.

مايكل بيتيس: الجهد الأخير ليس جزءا من التوازن  البنيوي الحقيقي
مايكل بيتيس: الجهد الأخير ليس جزءا من التوازن  البنيوي الحقيقي

وفي حين أن جهود هذا العام التي تركز على المستهلك من المرجح أن تكون كافية لإعادة نمو الصين هذا العام إلى نحو 5 في المئة بعد أن ألقت البيانات الأقل من التوقعات في الأشهر العديدة الماضية شكوكًا حول هذا الهدف، إلا أنها بالكاد تغير التوقعات طويلة الأجل.

وإنفاق الأسر في الصين أقل من 40 في المئة من الناتج الاقتصادي السنوي، أي حوالي 20 نقطة مئوية أقل من المتوسط العالمي، وبالمقارنة يبدو الاستثمار أعلى بنحو 20 نقطة.

ولا يمكن سد هذه الفجوة بين عشية وضحاها. يقول مايكل بيتيس، الزميل البارز في مركز كارنيغي في الصين، إن “اليابان استغرقت 17 عاما لرفع حصة الاستهلاك في ناتجها الاقتصادي بمقدار 10 نقاط مئوية من أدنى مستوياتها في عام 1991”.

وأوضح بيتيس أن الجهد المالي الأخير “ليس جزءا من إعادة التوازن البنيوي الحقيقي”. وأكد أن إعادة التوازن سوف تتطلب تحولا في النموذج الاقتصادي من شأنه أن يعكس عقودا من التحويلات الصريحة والضمنية التي دعمت فيها الأسر الاستثمار والإنتاج.

ويجمع الخبراء على أن القضايا البنيوية لها دور في تحديد اتجاه النمو في الصين، حيث أن البنية السياسية الاجتماعية والاقتصادية الحالية مبنية لدعم الاستثمار، وليس الاستهلاك.

ولعقود من الزمن كانت الأسر تعاني من ضغوط أسعار الودائع المنخفضة، وحقوق العمال الضعيفة وحقوق الأراضي الزراعية التي تساهم في انخفاض الدخول، وشبكة الأمان الاجتماعي الهشة.

وفضلا عن ذلك يعمل النظام الضريبي على تحفيز الاستثمار المرتفع والأجور المنخفضة. وتفرض بكين ضريبة على مكاسب رأس المال بنسبة 20 في المئة، وهو أقل من 30 في المئة في الهند و37 في المئة في الولايات المتحدة.

وتعد الشريحة العليا لضريبة الدخل الشخصي في الصين من بين الأكثر صرامة في العالم، حيث تبلغ حوالي 45 في المئة. وتحصل الشركات، وخاصة في الصناعات الإستراتيجية، على إعفاءات ضريبية متكررة وحوافز أخرى من كل من الحكومات المركزية والمحلية.

ويشكل دعم القطاعات الإستراتيجية، أو ما تسميه بكين “القوى الإنتاجية الجديدة” مثل المركبات الكهربائية، أو الطاقة الخضراء، أو الروبوتات، جزءاً من جهود التقدم التكنولوجي التي ترى الصين أنها حيوية للأمن القومي. ويعتقد المحللون أن إعادة تصور دليل السياسات لتمكين المستهلكين تتطلب جهدا منسقًا كبيرا من جانب السلطات على مدى سنوات عديدة.

ويقول خوان أورتس، الخبير الاقتصادي الصيني في شركة فاثوم للاستشارات، إن الطريقة “الصحيحة” لإعادة التوازن إلى الاقتصاد نحو الاستهلاك تتمثل في التوقف عن دعم شركات التصنيع بأموال الأسر. ويضيف أن “هذا من شأنه أن يؤدي إلى انكماش حجم قطاع التصنيع، وهو ما يؤدي إلى انخفاض حاد في الاستثمار وبالتالي الركود”.

خوان أورتس: يجب التوقف عن دعم شركات التصنيع بأموال الأسر
خوان أورتس: يجب التوقف عن دعم شركات التصنيع بأموال الأسر

ومع ذلك يتوقع أورتس أن الصين من المرجح أن تختار فترة مطولة من إعادة التوازن، ما يؤدي إلى “اليابان”. ولتمويل الجهود المالية الأخيرة هذا العام، من المتوقع أن تصدر بكين المزيد من الديون، بدلاً من تغيير آليات توزيع الدخل بين الشركات والحكومة والأسر.

وقال بيتيس “ربما تستطيع الحكومة المركزية تمويل التحويلات المالية لبضع سنوات أخرى، ولكن إذا لم تعمل بكين على تحويل نموذج النمو، فإن الاختلالات سوف تستمر في التراكم”.

وأشار إلى أنه في هذه الحالة تخاطر الصين بمواجهة نفس المشكلة في المستقبل كما تواجهها الآن، ولكن من دون وجود ميزانية عامة نظيفة للحكومة المركزية لمساعدتها على إدارة الاضطرابات المحتملة.

وكانت تطورات الأحد الماضي هي الأحدث في سلسلة من تدابير التحفيز العدوانية التي أعلنت عنها بكين الأسبوع الماضي والتي تتراوح بين تخفيضات أسعار الفائدة الضخمة والدعم المالي في محاولة لدعم اقتصادها المتعثر.

ومن بين الإجراءات المتخذة تحفيز القطاع العقاري الذي يعتبر حيويا، إذ يعاني أزمة حادة منذ العام 2020 مع انهيار بعض مجموعات البناء الكبرى، وذلك عبر خفض تكاليف الرهون العقارية من البنوك.

وقد أشعل ذلك النار تحت الأسهم الصينية المتدهورة التي كانت تقبع بالقرب من أدنى مستوياتها في عدة سنوات في وقت سابق من هذا الشهر، حيث كان المستثمرون قلقين بشأن آفاق النمو في الصين.

وعلى وجه الخصوص، في تعزيز للأسهم، قدم البنك المركزي الصيني أداتين جديدتين لتعزيز سوق رأس المال، إحداهما تتضمن برنامج مقايضة يسمح للصناديق وشركات التأمين والوسطاء بالوصول بسهولة إلى التمويل من أجل شراء الأسهم.

وقال إيلي لي، كبير إستراتيجيي الاستثمار في بنك سنغافورة، إن “حملة التحفيز المنسقة تشير إلى أن الصين وصلت إلى لحظة مهما كان الأمر مع وصول المخاطر الاقتصادية إلى عتبة الألم في بكين”.

وبعيدا عن التعافي قصير الأجل، ورغم أنه من السابق لأوانه الآن في هذه المرحلة تقييم ذلك، يرى لي أنه “لا يمكننا استبعاد أن هذا قد يكون بداية لسوق صاعدة مستدامة إذا قدمت بكين حافزا كبيرا بما يكفي لدفع التحول بنجاح في أساسيات الاقتصاد الكلي”.

10