تحصين الجبهة الداخلية يشغل الرئيس المصري

السيسي يقول إن استمرار الحوار الوطني ضرورة حتمية بما يعزز تماسك الجبهة الداخلية.
الثلاثاء 2024/04/09
تحقيق اللحمة ليس عبر الخطابات والشعارات

القاهرة - أكد تمسك الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بمواصلة الحوار الوطني بين القوى المدنية والسياسية المختلفة، حاجة الدولة إلى تكاتف المؤيدين والمعارضين حول هدف واحد يقوم على تحصين الجبهة الداخلية من أي تصدعات تستفيد منها قوى مناوئة بما يهدد الأمن والاستقرار اللذين تنشدهما الجمهورية الجديدة.

وقال الرئيس السيسي خلال حفل إفطار الأسرة المصرية، إن استمرار الحوار الوطني ضرورة حتمية بما يعزز تماسك الجبهة الداخلية، لافتا إلى أهمية توسيع دائرة الحوار بما يتجاوز النقاش بين المتخصصين والمفكرين والمثقفين والسياسيين، فالشارع نفسه مطلوب أن يكون على مقربة من الملفات المختلفة لفهم طبيعة التحديات.

واستغل السيسي حفل إفطار الأسرة المصرية لتأكيد دعمه للحوار الوطني، وشهدت هذه المناسبة منذ عامين عملية تدشينها في حضور عدد من رموز القوى المعارضة. وتعتقد دوائر سياسية أن إصرار النظام على استمرار الحوار نابع من تشعب التحديات الاقتصادية والأمنية والسياسية، والتي سيكون من الصعب مجابهتها دون غلق منابع التوتر من خلال تقريب المسافات بين السلطة والمعارضة. وما يدعم تلك الرؤية أن الرئيس السيسي أعلن صراحة صعوبة أن يتمتع أي حاكم بالقوة والصلابة في مواجهة التحديات في غياب وقوف الشعب خلفه، وهي الزاوية التي يكررها السيسي دوما، ويريد بها تأكيد أن الوطنية تحظى بالأولوية.

جمال زهران: الحكومة تعاند أحيانا في اتخاذ قرارات تتسق مع فلسفة الحوار
جمال زهران: الحكومة تعاند أحيانا في اتخاذ قرارات تتسق مع فلسفة الحوار

وجذبت الملفات الفضفاضة التي تطرق إليها الحوار انتباه الكثير من القوى المعارضة، حيث دارت نقاشات حول شكل وجدوى الإصلاحات السياسية والإفراج عن المعتقلين وإطلاق العنان للحريات والحفاظ على حقوق الإنسان، وترتيب أوضاع الاقتصاد. وقال جمال زهران أستاذ العلوم السياسية بجامعة السويس (شرق القاهرة) إن الحوار يمثل غطاءً سياسيا جيدا للدولة، واستمراره هدف أساسي كشكل معنوي، لكن من حيث المضمون مطلوب اهتمام كاف بما يطرح من توصيات سابقا، والحكومة لا تستطيع حتى الآن اتخاذ قرارات تؤكد جدية الحوار وتستجيب لكل الطروحات الجادة التي تضمنها بلا انتقاء.

وأظهر المشاركون من أطياف سياسية مختلفة في الجولة الأولى من الحوار تفاعلا كبيرا، منح النقاشات التي دارت حول قضايا متباينة زخما لدى المتابعين، وأوحى للكثير منهم بإمكانية أن تتمخض أشياء ملموسة يمكن أن تؤدي إلى تغيير حقيقي.

وأضاف زهران في تصريحات لـ”العرب” أن مشكلة الحكومة أنها تعاند أحيانا في اتخاذ قرارات تتسق مع فلسفة الحوار السياسية وأهدافه الرئيسية، وقد تناقض نفسها في تبنيها مواقف سلبية، مشيرا إلى أهمية تحديد أولويات القضايا المطروحة ليتم تعظيم الدور الذي يمثله الحوار. ويسعى النظام المصري إلى تغيير وجهة نظر الشارع والأحزاب والمعارضة تجاه الحوار الوطني وتوظيف المعنى المراد منه أنه ينطوي على مساندة الدولة أولا وليس السلطة، وأن المشاركة في جلساته مهمة وطنية لا تحتمل المزايدات، وهي رسالة لبعض القوى المختلفة سياسيا مع الحكومة ولديها مطالب مغايرة.

وتظل المعضلة في تباعد المسافات بين الحكومة والمعارضة حول الهدف من الحوار الوطني، فالأخيرة ترفض عقد جلسات لمجرد الفضفضة والإيحاء بوجود نقاش وحالة تناغم بين السلطة والمختلفين معها، حيث يؤثر ذلك على شعبية المعارضة، بينما الحكومة مع استمرار الحوار كحالة عامة تجعلها جادة في البحث عن حل للمشكلات.

وتلقى السيسي تسعين توصية من الحوار الوطني حول قضايا مختلفة في المرحلة الأولى، وكلف الحكومة ببحث آلية تنفيذها، في محاولة لتوصيل رسالة بأن السلطة ليست عنيدة وعلى استعداد لبذل جهود كبيرة من أجل توفير مقومات الإصلاح اللازمة، وإذا قدمت مقترحات وحلولا مناسبة وقابلة للتنفيذ لن تتوانى الجهات الرسمية في التجاوب معها.

هناك شبه اتفاق بين قوى المعارضة على أن مواصلة الحوار بحاجة إلى جدية حكومية كبيرة

وثمة توافق داخل العديد من الدوائر الرسمية على ضرورة توافر المساندة من قبل الجبهة الداخلية التي يحرص عليها الرئيس السيسي من خلال عدم قطع أواصر الحوار، فحصول القاهرة على الدعم الخارجي يتوقف على قوة وصلابة هذه الجبهة. وطلب السيسي من الحوار الوطني فتح نقاش حول التحديات الإقليمية التي تواجهها الدولة المصرية، لأن من يكون على مقربة منها سيصبح داعما وصابرا، وفق قوله، وهي رسالة ضمنية لقوى في المعارضة، تشير إلى تنحية الخلافات السياسية مع النظام والاقتناع بأن الوطن يواجه تحديات تتجاوز حدود مطالبهم وقناعاتهم.

ويعتقد معارضون أن مطالب القوى المدنية لا تضر بالأمن القومي المصري، والذي تجاهد الدولة للحفاظ على ركائزه، والاستجابة للمطالب أو بعضها يكرس الاستقرار ويغلق منافذ التوتر ويسمح بتقريب الرؤى بين المعارضة، ومن المهم توافر الإرادة السياسية للتنفيذ بعيدا عن فزاعة تهديد الأمن أو الشعور بتنفيذ أجندة خارجية.

وتتلخص شروط المعارضة في إدخال تعديلات على قانون الانتخابات البرلمانية بما يسمح بتمثيل كل الفئات مع بدء إجراء انتخابات المحليات، وتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية، وقانون الحبس الاحتياطي والإفراج عن سجناء الرأي، وتخفيف القيود المفروضة على وسائل الإعلام ومنع مساحة واسعة للحريات.

وهناك شبه اتفاق بين قوى المعارضة على أن مواصلة الحوار بحاجة إلى جدية حكومية كبيرة وتنفيذ التعهدات التي قطعها الرئيس السيسي على نفسه والتي تتعلق بالاستجابة لكل مخرجات الحوار دون قيد أو شرط، طالما تستهدف المصلحة الوطنية وقابلة للتنفيذ.

وأكد جمال زهران لـ”العرب” أن تفاعل الحكومة المصرية مع الحوار يتوقف على الاستجابة لتوصياته، دون النظر إلى خلفية الفصيل السياسي الذي تقدم بها، فعندما تمتنع عن التنفيذ وتتنصل من مخرجات الحوار فهذا أمر يتناقض مع أدبيات الجمهورية الجديدة التي تقوم على احتواء كل الفئات الوطنية والتجاوب مع مطالبها المشروعة.

ويصل النظام المصري إلى قناعة بأن جلسات الحوار قرّبته من حقائق عديدة غابت الفترة الماضية، وأغلبها يرتبط بمعرفة صميم احتياجات الناس العاجلة، ولذلك أبدى الرئيس السيسي اهتمامه للاستفادة منه في قراءة المشهد من خلال جملة من المطالب العاجلة التي تستهدف تصويب مسار أداء الحكومة في بعض الملفات الحيوية. وتوحي القضايا الساخنة المطروحة على الحوار، سواء أكانت سياسية أم اقتصادية، بأن هناك نقاشا جادا ورغبة حقيقية في الوصول إلى نتائج توفر حلا لبعض الأزمات.

2