تحسين مناخ الاستثمار يصدّع رأس الحكومة المصرية

القاهرة - تتعرض الحكومة المصرية لضغوط من قبل أوساط الأعمال للإسراع في ترجمة وعود تحسين مناخ الأعمال التي تتحدث عنها، بعد انتقادات حادة من كبار المستثمرين لبيئة الأعمال ووصفها بأنها طاردة للاستثمار، ما بدد الكثير من جهود الدولة المبذولة خلال السنوات الماضية في مجال البنية التحتية.
وشّكّل رئيس الحكومة مصطفى مدبولي مجموعات استشارية متخصصة من رجال الأعمال لوضع مقترحات لتطوير القطاعات المختلفة المرحلة المقبلة من أجل تعزيز النمو الاقتصادي وتنمية بيئة الاستثمار في البلاد.
وأكد أن القطاع الخاص المصري يستحوذ على نحو 63.5 في المئة من إجمالي الاستثمارات في الربع الأول من العام المالي الجاري، مشيرا إلى زيادة نصيبه من التمويلات الميسرة، ما يعكس الدور الذي يلعبه القطاع الخاص في الاقتصاد المصري.
وتُعد مصر من أبرز الدول التي تمتلك مقومات استثمارية كبيرة، بما في ذلك موقعها الجغرافي الذي يربط بين ثلاث قارات، وقوة سوقها المحلية التي تعتمد على أكثر من 100 مليون مستهلك، بجانب التطور الملحوظ في بنيتها التحتية. لكن تحقيق بيئة استثمارية جاذبة يتطلب جهودًا لمعالجة العقبات الراهنة وتلبية احتياجات المستثمرين.
وشهدت مصر طفرة كبيرة في تطوير البنية التحتية، حيث تم إنشاء شبكة طرق حديثة، وتطوير الموانئ والعديد من المطارات، بالإضافة إلى المناطق الصناعية المجهزة. لكن لم يتم استغلال هذه الإنجازات بالشكل الأمثل، إذ يشتكي بعض المستثمرين من أن هذه البنية التحتية لم تُترجم إلى فرص ملموسة بسبب غياب تكامل واضح بين المشاريع القومية والسياسات الاستثمارية.
ويرى خبراء أن المشكلة ليست في البنية التحتية نفسها، بل في ضعف الإستراتيجيات التي تربط بين تحسين البنية التحتية وجذب الاستثمارات، فلم يتم مثلا تسويق المناطق الصناعية الجديدة بشكل كافٍ، ولم تُقدم حوافز مغرية للمستثمرين الذين قد يستفيدون من تلك المشروعات، وهذا النقص في الترويج والاستفادة يؤدي إلى عدم تحقيق العائد المتوقع من الاستثمارات الضخمة.
قال نائب رئيس الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين علاء السقطي إن أبرز التحديات التي تواجه المستثمرين تتمثل في غياب رؤية واضحة تساعدهم على اتخاذ قرارات على المدى الطويل. وأضاف في تصريحات لـ”العرب” أن هذه التحديات تتجاوز المشكلات المعتادة مثل ارتفاع أسعار الفائدة أو الأزمات المتكررة المتعلقة بسعر الدولار أو تعقيدات بيئة الأعمال، لتصل إلى غياب استقرار اقتصادي طويل الأمد، ما يجعل المستثمرين غير قادرين على التنبؤ بمستقبل استثماراتهم.
وأوضح أن القطاع الصناعي يختلف جذريًا عن قطاعات أخرى نظرًا لطبيعته التي تتطلب فترات زمنية طويلة قبل تحقيق العائد الاستثماري، وهذا يؤكد ضرورة وجود بيئة أعمال مستقرة. وشدد على أهمية أن تضع الدولة أولوية واضحة للقطاعات الصناعية الأكثر احتياجًا للاستثمار، بدلاً من توزيع الجهود بالتساوي بين جميع القطاعات، لأن ذلك لا يترتب عليه النهوض بأي قطاع.
وثمة عقبات تعرقل تدفق الاستثمارات، منها عدم استقرار السياسات الاقتصادية، إذ يعاني المستثمرون من تغيير مستمر في القوانين والتشريعات، ما يخلق حالة من عدم اليقين لديهم، فالقرارات المفاجئة أو المتناقضة تجعل من الصعب عليهم وضع خطط طويلة الأجل. ويشير العديد من المستثمرين إلى أن ارتفاع تكلفة التمويل في مصر يعد من أكبر التحديات التي تواجههم، حيث تجعل القروض والاستثمارات الجديدة أقل جدوى.
وتعد البيروقراطية واحدة من أكبر العقبات أمام المستثمرين، حيث يسبب التأخير في إصدار التراخيص والموافقات في تأجيل بدء المشروعات، ما يكبدهم خسائر كبيرة، لكن الحكومة بدأت تتغلب على ذلك عبر تفعيل الرخصة الذهبية للمشروعات الكبيرة وتمنح المستثمر التراخيص في أيام قليلة.
ولا تزال مشاكل توفير العملة الأجنبية قائمة في بعض الصناعات، وإن كانت بشكل محدود، بالتزامن مع زيادة تكلفة الحصول عليها، ويؤثر نقص الدولار على قدرة المستثمرين على استيراد المعدات والمواد الخام، ما يعطل الإنتاج وضعف التنافسية. ويعاني المستثمر من غياب الأولويات القطاعية، فلا توجد رؤية واضحة تحدد القطاعات التي تحتاج إلى استثمارات أكثر من غيرها، ما يؤدي إلى توزيع عشوائي للموارد والجهود.
أكد الخبير الاقتصادي المصري هاني الأشموني أن خطوة تحسين بيئة الاستثمار في مصر تأخرت مع المنافسة الإقليمية الشرسة مع الدول المجاورة والتي تسعى لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية. وأبدى تحفظه في تصريحات لـ”العرب” على الطريقة التي تُدار بها الأمور داخل المؤسسات الحكومية، وأن اهتمام الحكومة بالصناعة قد لا ينعكس بالشكل المطلوب على مستوى الهيئات الإدارية والموظفين الذين يتعاملون مباشرة مع المستثمرين.
وذكر أن هذه الفجوة الإدارية تشكل عائقًا كبيرًا أمام تحسين بيئة الأعمال، مطالبًا بإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة لتسريع الإجراءات وتقليل البيروقراطية. وأشار إلى أن التأخير في تنفيذ أي إجراء إداري، ليوم واحد، يمكن أن يتسبب في خسائر كبيرة، خاصة في ظل التسارع التكنولوجي والمنافسة العالمية المتزايدة.
ومن أهم مطالب المستثمرين لتحسين البيئة الاستثمارية وتحقيق قفزة نوعية في جذب الاستثمارات، أهمية تحقيق الاستقرار في القوانين والتشريعات الاقتصادية، فهم بحاجة إلى ضمانات طويلة الأجل تمكنهم من التخطيط لمشروعاتهم بثقة.
ومن بين المطالب الأساسية خفض أسعار الفائدة لتعزيز قدرة المستثمرين على الاقتراض والتوسع، وتسريع الإجراءات الحكومية، ويمكن تحقيق ذلك عبر رقمنة الخدمات الحكومية المتعلقة بالاستثمار، ما يحد من البيروقراطية ويسرع عملية استخراج التراخيص.
ويطالب مستثمرون بحوافز تتعلق بالضرائب والجمارك، خاصة في القطاعات ذات الأولوية مثل الطاقة المتجددة والصناعات التكنولوجية، واستمرار استقرار سعر الصرف لتسهيل عمليات استيراد المواد الخام وتحقيق ثبات في التكاليف الإنتاجية. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتطوير البنية التحتية، إلا أن تأثيرها على جذب الاستثمارات محدود، لضعف التكامل بين المشاريع القومية ومتطلبات المستثمرين.
تفتقر الكثير من المناطق الصناعية الجديدة إلى وجود خدمات لوجستية كافية مثل النقل الداخلي والخدمات الجمركية الميسرة، ولذلك فالحكومة بحاجة إلى ربط البنية التحتية بمخططات استثمارية واضحة، بحيث يتم تخصيص مناطق معينة لصناعات محددة، مع تقديم تسهيلات تناسب طبيعة كل صناعة، وإن كانت هناك مناطق صناعية متخصصة لكن لم ترق إلى المستوى المطلوب لأنها لم تشهد فورة استثمارية.
ولتحقيق تحسينات حقيقية في بيئة الاستثمار يجب تبني رؤية تشمل إصلاح الجهاز الإداري عبر إعادة هيكلة المؤسسات لضمان تقديم خدمات أسرع وأكثر كفاءة، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص من خلال إشراك القطاع الخاص في صياغة السياسات الاقتصادية والتشريعات، لضمان توافقها مع احتياجات السوق، وهو ما بدأت الحكومة تستوعبه وتضعه في دائرة الاهتمام.
ويرى محللون أن مصر تمتلك فرصة ذهبية لتعزيز مكانتها كوجهة استثمارية عالمية، إذا ما استطاعت معالجة التحديات القائمة والاستجابة لمطالب المستثمرين، وأن تحسين بيئة الاستثمار لا يعني فقط تطوير البنية التحتية، بل يتطلب سياسات اقتصادية ثابتة، وحوكمة فعالة، وحوافز مغرية تشجع رؤوس الأموال على التدفق إلى البلاد، وبتحقيق هذه الأهداف يمكن أن تتحول مصر لمركز اقتصادي ينافس الأسواق الكبرى.