تحسن قيمة الليرة يمنح السوريين فرصة لالتقاط الأنفاس

مضاعفة الأجور من أبرز أولويات حكومة تصريف الأعمال في المرحلة المقبلة حتى يتمكن الناس من مواجهة التكاليف المعيشية الباهظة.
الثلاثاء 2024/12/17
ماذا ستفعلون بنقود الأسد؟

اعتبر خبراء أن تعافي الليرة السورية المفاجئ في أسواق الصرف، بالتزامن مع التحولات السياسية في البلاد، سيمنح الناس بارقة أمل في تحسّن أوضاعهم المعيشية التي باتت في أسوأ حالاتها منذ اندلاع الحرب قبل 13 عاما، لكن من المبكر الجزم بأن ذلك سيسرع تعافي الاقتصاد المنهك.

دمشق – يسود التفاؤل بين الأوساط الشعبية في سوريا بأن تنعكس التطورات الأخيرة على سوق الصرف بالإيجاب على الأسواق التجارية وتتراجع الأسعار قليلا بعد التغيرات الطارئة على المشهد السياسي.

وتحسّن سعر صرف العملة المحلية بعد أسبوع على الإطاحة بالرئيس بشار الأسد وهروبه إلى الخارج، وفق ما أفاد صرافون وتجار الاثنين، على وقع دخول العملة الأجنبية إلى البلاد وبدء التعامل بها علانية في الأسواق.

ومع اقتراب الفصائل المعارضة من دمشق، عشية إسقاط الأسد، سجّل سعر الصرف في السوق الموازية مستوى قياسيا بلغ 30 ألف ليرة في مقابل الدولار، بعدما كان ثابتا لأشهر عند 15 ألف ليرة.

وارتفعت قيمة الليرة بنحو 20 في المئة على الأقل خلال الأيام الماضية، وسط تدفق السوريين من الدول المجاورة ونهاية الضوابط الصارمة على التجارة بالعملات الأجنبية.

قصي إبراهيم: دخول كميات كبيرة من الدولار كان أحد عوامل التحسن
قصي إبراهيم: دخول كميات كبيرة من الدولار كان أحد عوامل التحسن

وتراوح سعر الصرف ليل الأحد – الاثنين في العاصمة دمشق بين عشرة و12 ألفا، وفق صراف وتاجر مجوهرات وموظف استقبال في فندق بارز تحدثوا لوكالة فرانس برس.

وبحسب المتعاملين وخبراء، فإن هذا يشكل فارقا كبيرا بين 20 و50 في المئة أقوى من السعر السابق البالغ 15 ألف ليرة، مع تقلبات عالية في السوق. في المقابل لا يعني ذلك دليلا على انتعاش الاقتصاد المشلول أصلا بسبب الأزمة منذ 2011.

وأكد سائق سيارة أجرة لبناني لوكالة فرانس برس أنه باع الدولار بسعر تسعة آلاف ليرة قبيل عبوره الحدود من لبنان إلى سوريا. وقال رغيد منصور (74 عاما)، وهو مالك متجر مجوهرات في سوق الحريقة في دمشق “في كل بلدان العالم تنهار العملة حين يسقط النظام، لكن المشهد بدا مغايرا في سوريا.” وتابع “ما من سعر ثابت، لكن الليرة تتحسن تدريجا.”

وأشار التجار إلى عودة الآلاف من السوريين الذين سعوا للجوء إلى الخارج خلال الحرب التي استمرت 13 عاما في البلاد والاستخدام المفتوح للدولار الأميركي والعملة التركية (الليرة) في الأسواق كعامل مساهم في التغيير.

وأرجع الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق قصي إبراهيم تحسن الليرة إلى أسباب “سياسية واقتصادية في آن معا.” وأوضح لوكالة فرانس برس “الأسباب الاقتصادية مرتبطة بدخول كميات كبيرة من الدولار من إدلب ومناطق المعارضة سابقا من ناحية، ومن فرق الإعلام والعاملين في المنظمات الأجنبية من ناحية أخرى.”

ولكن البعض من الخبراء يرى أن انتعاش الليرة يعود إلى تراجع الطلب على العملة الأميركية، وأيضا نتيجة تراجع المشتريات من الخارج وقيام عدد من السوريين بإخراج مخزوناتهم من الدولار.

وعلى واجهة متجر بكداش، أحد أشهر محلات المثلجات العربية في دمشق، وُضعت ورقة بيضاء كتب عليها بخط اليد الأسعار بالعملات السورية والتركية والدولار، بينما كان العشرات يتوافدون للشراء.

وحتى الأمس القريب، كان القانون السوري يجرّم التعامل بغير الليرة ويفرض غرامات وعقوبات قاسية تصل إلى السجن سبع سنوات لمن يتعامل بالدولار أو العملات الأجنبية.

وطالت اعتقالات العشرات من التجار ورجال الأعمال بحجة “التعامل بغير الليرة” وبينهم أسماء معروفة وتجار مخضرمون. وكان السوريون يتحاشون لفظ كلمة “الدولار” في جلساتهم أو عبر الهواتف ويستخدمون كلمات أخرى خشية من توقيفهم.

ولكن عند بدء الفصائل المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام هجومها على مناطق سيطرة النظام في شمال سوريا، سارع تجار وأصحاب رؤوس الأموال إلى شراء الدولار والذهب، ما أدى إلى انخفاض سعر الليرة إلى مستويات قياسية.

وخلال فترة نظام الأسد حاول البنك المركزي دون جدوى التدخل في سوق الصرف مرارا لتعديل الأسعار لتجنيب الليرة الانحدار أكثر حتى لا ينعكس ذلك على معيشة السوريين. وقبل اندلاع النزاع عام 2011، كان الدولار يساوي نحو خمسين ليرة، قبل أن تتهاوى قيمة العملة المحلية بشكل تدريجي وتفقد أكثر من تسعين في المئة من قيمتها حتى بلغت في العام الماضي 141 في المئة.

20

في المئة نسبة ارتفاع سعر صرف العملة السورية أمام الدولار منذ الإطاحة بنظام الأسد

ووفق الأمم المتحدة “عانى السوريون في مناطق سيطرة النظام المخلوع من واقع معيشي صعب وأزمة اقتصادية متفاقمة” برزت بشكل واضح منذ العام 2021. وأثر انهيار قيمة العملة السورية على الاقتصاد في بلد يعيش فيه أكثر من 90 في المئة من المواطنين من بين أكثر بقليل من 23 مليون نسمة، تحت خط الفقر، وفقا لوكالات الأمم المتحدة.

وجراء الحرب أيضا، أصيبت صناعة النفط والتصنيع والسياحة وغيرها من القطاعات الرئيسية في البلاد بالشلل بسبب سنوات من القتال. وتعمل شرائح كبيرة من السكان في القطاع العام المتهالك، حيث يبلغ متوسط الأجور الشهرية حوالي 300 ألف ليرة (قرابة 118 دولارا).

وتقول الحكومة الانتقالية السورية الجديدة، التي اختارتها المعارضة التي سيطرت على دمشق في الثامن من ديسمبر الجاري في هجوم خاطف أطاح بخمسين عاما من حكم عائلة الأسد، إنها سترفع الأجور وتعطي الأولوية لتحسين الخدمات.

وقال القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع الأحد الماضي إن “حكومة تصريف الأعمال تدرس العمل على رفع الرواتب بنسبة 400 في المئة.” وهذا يعني أن متوسط الأجور سيتضاعف أربع مرات ليصبح في حدود 472 دولارا شهريا، وسط غلاء معيشي صعب في ظل تضخم وصل إلى حدود 400 في المئة في 2023، مقارنة مع 185 في المئة قبل عام، وفق المركز السوري لأبحاث السياسات.

وأكد رئيس حكومة تصريف الأعمال محمد البشير أنه لا خوف على رواتب الموظفين في القطاع العام التي سيتم صرفها في المواعيد المحددة، مشيرا إلى دراسة زيادة هذه الرواتب لتتلاءم مع التحديات المعيشية. وكشف البشير، في تصريحات صحفية، أن خزائن مصرف سوريا المركزي لا تحتوي إلا على أوراق نقدية بالليرة السورية، مع الافتقار إلى السيولة بالعملات الأجنبية.

وأشار إلى أن الحكومة لا تزال تجمع بيانات حول القروض والسندات، ووصف الوضع المالي للبلاد بأنه “بالغ السوء”. وتوقع تقرير حديث للبنك الدولي أن يسجل الاقتصاد السوري انكماشا بنسبة 1.5 في المئة خلال عام 2024، مقابل انكماش بنسبة 1.2 في المئة خلال العام الماضي.

11