تحسن ثقة البريطانيين بالاقتصاد لا يعكس الواقع

لندن - اعتبر محللون أن النظرة الإيجابية للمستهلكين البريطانيين لاقتصاد بلدهم لا تعكسها المؤشرات السلبية التي تؤكد أن الحكومة وبنك إنجلترا المركزي لديهما الكثير ليفعلاه لتهدئة موجة الأرقام المقلقة.
وتحسنت ثقة المستهلكين بشكل يفوق التوقعات، حيث وصلت إلى أعلى معدلاتها خلال 17 شهرا، رغم زيادة التضخم وارتفاع معدلات الفائدة.
وذكرت مؤسسة جي.أف.كي للدراسات التسويقية في تقرير الجمعة أن مؤشرها لقياس ثقة المستهلك ارتفع بواقع ثلاث نقاط ليصل إلى سالب 24 نقطة مئوية في يونيو الجاري. وكان خبراء الاقتصاد يتوقعون أن يسجل المؤشر سالب 26 نقطة مئوية.
ونقلت وكالة بلومبرغ عن جوي ستاتن مدير إستراتيجية العملاء في جيه.أف.كي قوله "أظهر المستهلكون مرونة ملحوظة في مواجهة التضخم الذي يرفض التراجع حاليا".
وأوضح أنه إذا استمر المستهلكون في التعامل مع العاصفة الاقتصادية الحالية فإن ذلك سيرسي قواعد راسخة للعودة إلى النمو.
وذكر ستاتن أن أبرز الدلالات في قراءات المؤشر هي مقياس النظرة المستقبلية للماليات الشخصية، حيث سجل زيادة "صحية" بواقع سبع نقاط، وشارف على الوصول إلى المنطقة الإيجابية، وذلك للمرة الأولى منذ ديسمبر 2021.
وجاء مؤشر التوقعات بشأن الوضع الاقتصادي العام في المرتبة الثانية من حيث معدلات الزيادة، حيث ارتفع بواقع خمس نقاط ليصل إلى سالب 25 نقطة مئوية، في زيادة بواقع 32 نقطة مئوية عن معدلاته قبل عام.
وتأتي هذه المؤشرات بالتزامن مع صدور مسح مؤشر مديري المشتريات المركب لستاندرد آند بورز غلوبال، الذي يغطي الأعمال في قطاعي الخدمات والصناعات التحويلية، حيث كشف أن تباطؤ النمو لازم الاقتصاد هذا الشهر، وأن ضغوط التضخم لا تزال مرتفعة.
ونُشر المسح بعد يوم من رفع بنك إنجلترا أسعار الفائدة بشكل حاد وتصريحه بأنه مستعد للقيام بالمزيد لكبح التضخم.
وأظهرت قراءة أولية الجمعة أن مؤشر مديري المشتريات هبط إلى أدنى مستوى في ثلاثة أشهر عند 52.8 نقطة في يونيو انخفاضا من 54 نقطة في مايو متأثرا بتحقيق الطلبيات الجديدة، وهو أضعف نمو منذ يناير في ظل صعوبات تواجه المصانع.
وقال كريس وليامسون كبير الخبراء في اقتصاديات الأعمال في ستاندرد آند بورز أنتليجينس إن "المسح يشير إلى أن الاقتصاد قد فقد الزخم بعد طفرة نمو قصيرة في الربيع ويبدو أنه يتجه إلى المزيد من الضعف في الأشهر المقبلة".
وأضاف "من الملاحظ أن إنفاق المستهلكين على الخدمات، والذي كان المحرك الأساسي للنمو في الربيع، تظهر عليه الآن علامات تعثر". وأرجع السبب في ذلك إلى ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم والمخاوف التي تكتنف التوقعات الاقتصادية.
وأظهرت القراءة الأولية للمسح أن قطاع الخدمات البريطاني نما بأبطأ وتيرة في ثلاثة أشهر، كما انكمش قطاع الصناعات التحويلية بأكبر وتيرة في ستة أشهر.
وما يؤكد حجم الضغوط التي يعاني منها سادس أكبر اقتصاد في العالم هو تجاوز صافي ديون القطاع العام مئة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في مايو الماضي للمرة الأولى منذ 1961، حيث جاء الاقتراض أعلى من المتوقع.
وأوضح مكتب الإحصاءات الحكومي أن الدين العام لهذا المستوى تجاوز، بعدما زاد الإنفاق على الإيرادات بأكثر من 20 مليار جنيه إسترليني في مايو، بما يفوق توقعات خبراء الاقتصاد في القطاع الخاص ومكتب مسؤولية الميزانية.
والخميس الماضي رفع بنك إنجلترا القائدة للمرة الثالثة عشرة تواليا مبديا تصميما أكثر من الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أو البنك المركزي الأوروبي لمواجهة التضخم، وهو الأعلى في مجموعة السبع، مع المجازفة بأن يلقي هذا القرار بثقله على اقتصاد البلاد.
ومع زيادة أولى بلغت 0.5 نقطة مئوية منذ فبراير رفع المركزي البريطاني نسب الفوائد إلى 5 في المئة، وهو الأعلى منذ أكتوبر 2008 والأزمة المالية الكبرى.
وقال حاكم بنك إنجلترا أندرو بايلي في رسالة إلى وزير المالية إنه "تحرك ضروري لأن التضخم الذي بقي في مايو على مستواه في الشهر السابق أي 8.7 في المئة خلال عام تغذيه بشكل متزايد عوامل وطنية".
ويثير ارتفاع الأسعار أزمة كلفة المعيشة "وتكثفت مؤشرات استمرار التضخم منذ اجتماع يونيو" الذي عقده بنك إنجلترا كما يقول سانجاي راجا المحلل لدى دويتشه بنك لوكالة فرانس برس.
وإذا كانت آثار الارتفاع الحاد في أسعار الكهرباء والوقود عام 2022 بعد الغزو الروسي لأوكرانيا بدأت تتلاشى فإن التضخم الذي يستثني الطاقة والغذاء والكحول والتبغ ارتفع مرة جديدة في مايو إلى 7.1 في المئة على سنة، وهو في الذروة منذ مارس 1992.
◙ في سوق بريطانية تهيمن عليها قروض الأفراد بمعدلات يتم إعادة التفاوض عليها كل سنتين إلى خمس سنوات سيشهد العديد من مالكي المنازل ارتفاع مدفوعاتهم الشهرية
لكن هذا التضخم هو الذي تحاول البنوك المركزية كبحه لتجنب حلقة مفرغة من ارتفاع الأسعار والرواتب. ويقدر المستثمرون أن بنك إنجلترا سيرفع نسبة الفائدة الرئيسية لديه إلى 6 في المئة حتى نهاية العام.
وحذر المركزي البريطاني كما فعل في اجتماعاته الأخيرة من أنه "إذا كان هناك المزيد من الأدلة على استمرار الضغوط (التضخمية) فسيكون من الضروري اعتماد المزيد من تشديد السياسة النقدية".
وبينما وعدت الحكومة بتقليص التضخم إلى حوالي 4 في المئة قبل نهاية العام، أكد رئيس الوزراء ريشي سوناك أمام الصحافيين أنه "يدعم بنك إنجلترا في تحركه".
لكن هذا الارتفاع المتكرر بدأ يلقي بثقله على الاقتصاد البريطاني الذي يكافح من أجل العودة إلى مستوى ما قبل الوباء بشكل دائم وعليه أيضا استيعاب الصدمة التي خلفها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وساهم رفع الفوائد المتكرر بارتفاع كلفة الاقتراض الحكومي وزيادة تكلفة الرهون العقارية. وأقر بايلي "نعلم أن الأمر صعب فالكثير من الأشخاص الذين لديهم قروض سيكونون محقين في التساؤل عما يعنيه ذلك بالنسبة إليهم".
وفي سوق بريطانية تهيمن عليها قروض الأفراد بمعدلات يتم إعادة التفاوض عليها كل سنتين إلى خمس سنوات، سيشهد العديد من مالكي المنازل ارتفاع مدفوعاتهم الشهرية هذا العام.
وأكد سوناك أنه "لا أحد يريد حصول انكماش" مضيفا "كما قلت سابقا إن خفض التضخم إلى اثنين في المئة هو الأولوية الأصح".
وبدأ بعض الخبراء الاقتصاديين يتساءلون عمّا إذا كانت نسب الفوائد ارتفعت كثيرا. وقال دانيال فيرنازا المحلل لدى يونيكريدي "من الآن وحتى انعقاد لجنة السياسة النقدية في نوفمبر، من المرجح أن يدخل الاقتصاد في انكماش وأن يتراجع التضخم".