تحسن المؤشرات يجنب الاقتصاد العالمي فخ الركود

باريس - أعطت أحدث التوقعات حول الاقتصاد العالمي خلال العام الماضي، رغم المنغصات الكثيرة، وأهمها استمرار التضخم، بارقة أمل بأن النمو سيتجنب فخ الركود.
وأكدت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في تقرير نشرته الخميس أن التوقعات الاقتصادية العالمية تتحسن، حيث “أثبت النمو أنه أكثر مرونة ومن المتوقع أن يتراجع التضخم بشكل أسرع مما كان متوقعا في السابق في العديد من البلدان”.
وفي حين أن الصراعات في الشرق الأوسط أو الزيادات المستمرة في الأسعار لا يزال من الممكن أن تؤدي إلى إبعاد الاقتصاد عن مساره الأكثر استقرارا، إلا أن المنظمة، التي تتخذ من باريس مقرا لها، قالت إن المخاطر أصبحت “أكثر توازنا”.
ورفع خبراء المنظمة توقعاتهم للنمو العالمي لعام 2024 إلى 3.1 في المئة من 2.9 في المئة توقعوها في فبراير الماضي، مع تحسن ملحوظ في توقعاتهم للولايات المتحدة والصين والهند، على أن يستمر في التوسع ليبلغ 3.2 في المئة خلال العام المقبل.
وتشير التوقعات الأكثر إشراقا إلى أن الاقتصاد العالمي يتطلع إلى تفادي الركود، وهي فترة من النمو البطيء وارتفاع معدلات البطالة الممزوجة بتضخم مرتفع حتى لو لم تعد وتيرة التوسع قريبا إلى متوسط 3.4 في المئة في السنوات التي سبقت الوباء وأزمة الطاقة.
وسيكون التضخم أضعف من توقعات المنظمة قبل ثلاثة أشهر، باستثناء الولايات المتحدة، حيث تتوقع الآن أن ترتفع الأسعار بنسبة 2.5 في المئة هذا العام بدلا من 2.2 في المئة.
ومع ذلك، يؤكد تقرير المنظمة أن صناع السياسة الأميركية يجب أن يكونوا قادرين على خفض أسعار الفائدة خلال النصف الثاني من العام الحالي.
وأبقى رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) جيروم باول الأربعاء الماضي، الآمال حية في خفض الفائدة هذا العام مع اعترافه بأن موجة التضخم قد قللت من ثقة صناع السياسات في تراجع ضغوط الأسعار.
ويؤكد تقييم منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وجهات النظر الأكثر إيجابية قليلا للمؤسسات الدولية الأخرى، بما في ذلك صندوق النقد الدولي الذي رفع أيضا توقعاته الشهر الماضي.
وقالت كبيرة الاقتصاديين في المنظمة كلير لومبارديلي “بدأ التفاؤل الحذر يترسخ في الاقتصاد العالمي، رغم النمو المتواضع والظل المستمر للمخاطر الجيوسياسية”.
وأضافت أن “التضخم يتراجع بشكل أسرع من المتوقع، وأسواق العمل لا تزال قوية مع وصول البطالة إلى مستويات قياسية أو بالقرب منها”.
ويظل خفض التضخم إلى المستوى المستهدف هو الأولوية خاصة وأن اتجاهات كبحه مشجعة، حيث تعزى معظم الأنباء السارة إلى تراجع أسعار الطاقة والسلع، لكن الدول لم تبلغ المستوى المستهدف بعد.
ومما يثير القلق إلى حد ما أن التقدم نحو أهداف التضخم توقف نوعا ما منذ بداية السنة، وقد تكون هذه انتكاسة مؤقتة إلا أن هناك من الأسباب ما يدعو إلى الاستمرار في توخي الحذر.
ويعود الفضل في تراجع التضخم في أسعار السلع إلى انحسار حدة الاحتكاكات في سلاسل الإمدادات العالمية، وأيضا نتيجة انخفاض أسعار الصادرات الصينية، ولكن أسعار النفط أخذت ترتفع مؤخرا، وهو ما يرجع في جانب منه إلى التوترات السياسية.
ومع ذلك، أكدت لومبارديلي أن “على المدى المتوسط والطويل، الوضع المالي مثير للقلق”، و”هناك حاجة إلى نهج قوي على المدى المتوسط لاحتواء الإنفاق وبناء الإيرادات وتركيز جهود السياسات على الإصلاحات الهيكلية المعززة للنمو”.
وفي ما يتعلق بالانتعاش الاقتصادي، يبدو التباين بين النمو القوي في الولايات المتحدة والنمو الأكثر تباطؤا في أوروبا سيستمر على المدى القريب، مما يفرز “مشهدا مختلطا للاقتصاد الكلي”.
وسيترجم ذلك إلى خطوات مختلفة لتخفيضات أسعار الفائدة، حيث من المقرر أن يبدأ البنك المركزي الأوروبي في التيسير قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي.
منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية: صناع السياسة الأميركية يجب أن يكونوا قادرين على خفض أسعار الفائدة خلال النصف الثاني من العام الحالي
ومع ذلك، تعتقد المنظمة أن السلطات النقدية يجب أن تكون حذرة لأن الصراعات قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم، كما أن تخفيف ضغوط التكلفة قد يكون أبطأ من المتوقع في الخدمات.
وقالت “يجب أن تظل السياسة النقدية حكيمة لضمان احتواء الضغوط التضخمية الأساسية بشكل دائم”.
وبالنسبة للحكومات، أشار خبراء المنظمة إلى أن الخلفية الاقتصادية المتحسنة توفر الفرصة لمعالجة أعباء الديون المتضخمة التي قد تتفاقم بشكل أكبر مع ارتفاع تكاليف الاقتراض.
ولكن مع ذلك، حذر الخبراء من أن الدول ستواجه طلبات إنفاق متزايدة بسبب شيخوخة السكان والتغيرات المناخية واحتياجات تعزيز الدفاع.
وبدعم من التحفيز المالي، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الصيني بشكل أسرع من المتوقع، حيث من المتوقع الآن أن يبلغ نموه 4.9 في المئة هذا العام و4.5 في المئة خلال عام 2025، ارتفاعا من 4.7 و4.2 في المئة على التوالي في فبراير الماضي.
وفي حين أن الضعف في ألمانيا سيستمر في الضغط على منطقة اليورو الأوسع، فمن المتوقع أن يرتفع نمو الكتلة من 0.7 في المئة هذا العام إلى 1.5 في المئة في العام المقبل، حيث يعزز انخفاض التضخم القوة الشرائية للأسر ويمهد الطريق لخفض الفائدة.