تحرك مصري متأخر ضد الملايين من الحسابات الوهمية

القاهرة- تحرك مجلس النواب المصري أخيرا لاستهداف الملايين من الحسابات الوهمية على موقع فيسبوك بعد زيادة معدلات الجرائم الإلكترونية التي تُرتكب من وراء تلك الحسابات، دون أن يُعرف أصحابها وأهدافهم، ما استدعى البدء في تعديل التشريعات المنظمة للاتصالات في البلاد.
وأعلن رئيس لجنة الاتصالات بمجلس النواب أحمد بدوي أنه سيتم إدخال تعديلات وعقوبات صارمة ضمن قانون جرائم المعلومات بعد وجود 14 مليون حساب مزيف على فيسبوك، أغلبها يتعمد تهديد الدولة والمجتمع من خلال بث الشائعات والابتزاز وتأليب الناس على بعضهم ودفعهم للتشكيك في ثوابت البلاد.
وقالت مصادر برلمانية إن هناك قرابة 90 في المئة من الجرائم الإلكترونية داخل مصر ترتكب باستخدام حسابات مزيفة، وقد رصد الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات حالات تضمنت إنشاء أشخاص أكثر من 20 حسابا لكل منهم على فيسبوك، ما يبرز التحديات الأمنية في الفضاء الإلكتروني.
وأصبحت كل شائعة في مصر مصدرها حسابات وهمية أو منصات تابعة لجماعة الإخوان تستخدم صفحات بلا هوية، وتتعمد أن تنكأ جروحا مجتمعية ضد السلطة بتضخيم كل أزمة والتهويل من أيّ قضية لزيادة اليأس لدى الشارع بغرض تكريس فقدان الثقة بين المواطن والسلطة في توقيت سياسي حرج.
وما عمّق أزمة الحسابات الوهمية أن الكثير منها يحمل أسماء مسؤولين داخل الحكومة، وأخرى لشخصيات لامعة ومؤثرة في الشارع، ويصل عدد المشتركين فيها إلى مئات الآلاف الذين ينتمون إلى شرائح مختلفة، دون إدراك أنها لا تخص الشخصية الحقيقية، وبعضهم ليست له حسابات على مواقع التواصل أصلا.
ومن بين تلك الحسابات الوهمية ما يحمل اسم الفريق كامل الوزير نائب رئيس الوزراء وزير النقل والصناعة، والفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس السابق، وشيخ الأزهر أحمد الطيب، ومحمد عبداللطيف وزير التربية والتعليم، إضافة إلى حسابات تحمل اسم مؤسسات كبرى، مثل رئاسة الجمهورية والمخابرات العامة.
وثمة قائمة طويلة لحسابات تحمل أسماء رجال أعمال كبار، بينهم أحمد السويدي، هشام طلعت مصطفى، أحمد عز، نجيب ساويرس، أحمد أبوهشيمة، وأخرى منسوبة إلى فنانين، مثل أحمد عز، عمرو دياب، رامز جلال، وعدد من مقدمي البرامج الحوارية، بينهم عمرو أديب وأحمد موسى.
وارتبط التصعيد البرلماني ضد الحسابات الوهمية بتوظيفها في الترويج لشائعات خطيرة في توقيت سياسي حرج، بتعمد نشر معلومات غير دقيقة حول قضايا شائكة تشغل الرأي العام وتأتي في سياق متناغم مع توجهات قطاع كبير من المواطنين، بما يُصعّب مهمة الحكومة لنفيها بشكل قاطع.
وتبين أن النسبة الأكبر من الأخبار المزعجة للحكومة مصدرها حسابات وهمية وصفحات غير رسمية لشخصيات وكيانات كبرى داخل الدولة، وفي كل مرة يخلق تفنيد الشائعة حالة جدل على منصات التواصل بشأن قضية بعينها تثير اهتمام المواطنين، مثل ما يرتبط بالصحة والتعليم والأسعار والدعم.
وتنفي وزارة التعليم بشكل أسبوعي معلومات تنشرها حسابات وهمية تحمل اسم وزيرها، وتتعلق بطريقة الامتحانات لعشرات الملايين من الطلاب في المدارس، رغم أن الوزير لا يملك حسابا على أيّ من مواقع التواصل، ومع ذلك هناك شريحة مقتنعة بعكس ذلك.
وكثيرا ما تُستخدم التصريحات المزيفة على الحسابات الوهمية ذريعة للهجوم على الحكومة وحشد فئات لها علاقة بالقضية المطروحة، بحيث يتم توسيع أزمة غياب الثقة بالمؤسسات أو على الأقل الجهة التي طالها الخبر أو التصريح المفبرك، ويجد معارضون ما يبتغونه للهجوم على الحكومة بشكل عام.
وترتبط مصداقية المعلومة المنشورة على الحساب الوهمي بمدى ثقة الجمهور باسم صاحبه، مثل شيخ الأزهر، بالتالي تصبح الشائعة موثقة، وإن تم نفيها من جانب الحكومة أو المسؤول المختص، لكن الأغلبية التي صدّقت الشائعة لا تقرأ الحقيقة بعد توضيحها رسميًا، لأن نفس الصفحة لا تنشر النفي.
ويُؤخذ على الحكومة أنها تتعامل مع الملايين من الحسابات الوهمية باستخفاف، رغم ما تجلبه من مخاطر أمنية واجتماعية، وامتلاك الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات أدوات لغلقها أو حجبها، وفي كل مرة يتم استسهال الحل بالتحذير من الملايين من الحسابات الوهمية بدعوى أنها تنشر شائعات دون التحرك ضدها عمليا.
غياب وعي كاف من وسائل الإعلام لتبصير الناس بما يثار على الفضاء العام حول القضايا الجدلية، في ظل وجود صفحات وحسابات مزيفة تتعمد خرق كل ما له علاقة بالمعايير لتصل إلى الجمهور
ويرى مراقبون أن الخطر الأكبر يكمن في تعمد أصحاب الحسابات الوهمية اللعب على وتر اهتزاز ثقة الشارع ببعض المؤسسات الرسمية، والاقتناع بأنها يُمكن أن تفعل كل شيء أو تصرح بما لا يتخيله عقل، حتى صارت كل سلبية ينشرها حساب مزيف يمكن تصديقها بسهولة، وإن كانت الحكومة أو المؤسسة بريئة منها.
ويؤخذ على مجلس تنظيم الإعلام، وهو المسؤول عن رقابة أيّ صفحة يزيد عدد مشتركيها عن خمسة آلاف شخص، أنه ترك الكثير من الحسابات الوهمية تنشط وتنتشر دون التصدي لها مبكرا، وأصبحت تنافس الصفحات الخاصة في كبرى وسائل الإعلام، التابعة لمؤسسات صحفية أو تلفزيونية.
وكان المجلس قد أعلن مؤخرا عن وجود توجه لغلق الحسابات الوهمية للمسؤولين والشخصيات العامة والفنانين والإعلاميين، لكنه اختزل الأزمة في صفحات بعينها دون التطرق إلى أصل المشكلة، في وجود حسابات عليها عشرات الآلاف من المشتركين ولا تحمل أسماء مشاهير، لكنها تثير أزمات كبرى.
ويفترض، وفق القوانين المنظمة للإعلام في مصر أن تتعامل الهيئات الإعلامية مع أيّ حساب يتجاوز عدد مشتركيه أكثر من خمسة آلاف شخص، على أنه موقع إلكتروني يجوز غلقه أو حجبه إذا خالف المعايير، لكن تلك الهيئات أغفلت الملف على مدار سنوات مضت، ما ضاعف الحسابات الوهمية في غفلة الرقابة.
ورأى الخبير في شؤون الإعلام الرقمي خالد برماوي أن الخطر الحقيقي يكمن في تعامل الكثيرين مع مواقع التواصل على أنها الإعلام البديل، ومع الوقت أصبحت هناك شريحة معتبرة تستقي معلوماتها من الشبكات الاجتماعية دون التفرقة بين الحسابات الحقيقية والوهمية أو التمييز بين المعلومة الصحيحة والشائعة.
وأوضح في تصريح للعرب أن جزءًا من المشكلة أيضا عدم وجود وعي كاف من وسائل الإعلام لتبصير الناس بما يثار على الفضاء العام حول القضايا الجدلية، في ظل وجود صفحات وحسابات مزيفة تتعمد خرق كل ما له علاقة بالمعايير لتصل إلى الجمهور، ووجود الملايين من الحسابات الوهمية خطر على الأمن المجتمعي.
كما أن تلك الحالة نتيجة طبيعية لتراجع مصداقية الإعلام التقليدي حتى باتت منصات التواصل البديل الأكثر شعبية للمعلومة سواء أكانت من مصادر موثوق بها أم لا، ما يجعل مسألة غلق الحسابات الوهمية حلا مؤقتا لن يوقف الشائعات، طالما أن المرض نفسه لا زال مستمرا.