تحرك برلماني لإنقاذ الإعلام التونسي من أزمته المالية والمهنية

مشروع لتصحيح مسار الإعلام ودعمه ماليا دون التدخل في خياراته التحريرية.
الجمعة 2024/03/01
مصلحة عامة

يشكل مشروع قانون دعم الإعلام الذي اقترحه نواب في البرلمان التونسي بارقة أمل للصحافيين؛ إذ ينبئ بتحسين أوضاع المؤسسات الإعلامية وضمان الجودة والشفافية، وتوفير الشروط الأساسية للاستقرار الاجتماعي في المؤسسات الإعلامية.

تونس - ينظر الوسط الصحفي التونسي بتفاؤل إلى مبادرة تقدم بها نواب في البرلمان تتعلق بدعم الإعلام ماديا ومهنيا، وإخراجه من أزماته المزمنة منذ سنوات والتي أفقدته ثقة الجمهور وتأثيره على الرأي العام. وقدم 25 نائبا في البرلمان التونسي مقترح قانون يتعلّق بدعم استقلالية وسائل الإعلام، ينصّ على إحداث “صندوق دعم استقلالية وسائل الإعلام وجودة مضامينها”، وضبط شروط وطرق تدخّله.

ويهدف إحداث هذا الصندوق، وفق نص المبادرة، إلى المساهمة في الدعم المالي لإنتاج مضامين صحفية ذات جودة بمختلف أصنافها، تستجيب لقواعد المهنة الصحفيّة وأخلاقياتها، وإلى الدعم المالي للأعمال الدرامية الوطنية والمشتركة، إضافة إلى دعم المشاريع التي تسعى إلى مواكبة التطوّر التكنولوجي والرقمنة وثقافة الدمج بين مختلف المحامل، إضافة إلى دعم استقلالية وسائل الإعلام ضمانا للجودة والشفافية، وضمانا للشروط الأساسية للاستقرار الاجتماعي بالمؤسسات الإعلامية.

ولطالما شكل دعم الإعلام بشقيه العمومي والخاص مطلبا رئيسيا للصحافيين، وقد اقترح الجامعي المتخصص في علوم الاتصال والإعلام صلاح الدين الدريدي مراجعة دور الدولة (السابق قبل الثورة) في طرق تمويل ودعم المؤسسات الإعلامية بشكل مباشر أو غير مباشر انطلاقا من مسؤوليتها عن تعزيز الديمقراطية والتعددية وعن حق المواطن في المعلومة. ويكون ذلك بإعادة تنظيم وتوزيع سوق الإعلانات العمومية حتى لا تحرم وسائل الإعلام من عائدات كانت تتمتع بها في السابق وتساعد على ديمومتها.

لكن هذه العلاقة المتشابكة بين الدولة ووسائل الإعلام طالما أثارت حساسية لدى الصحافة المستقلة والمنظمات الناشطة في مجال مكافحة الفساد بسبب مخاوف من أن يؤدي الدعم الحكومي للمؤسسات الإعلامية إلى توجيهها والتحكم في المضامين بطرق غير معلنة.

◙ انخراط الدولة في مشروع الدعم يعتبر بداية تشكيل رؤية سياسية حول الإعلام قوامها المصلحة العامة والعمل المشترك

ورأى الدريدي في تصريح سابق لـ"دويتشه فيله" أن الخطأ الجوهري خلف أزمة قطاع الإعلام الحالية يعود إلى البدايات بعد الثورة عندما اختارت الطبقة السياسية الجديدة هدم جميع المؤسسات المرتبطة بإدارة الشأن الإعلامي التي كانت سائدة في فترة حكم الحزب الواحد قبل 2011، الأمر الذي أدى إلى تغييب معياري الحوكمة والتعديل.

واستدل على ذلك بما هو متوفر في النموذج الفرنسي حيث تختص وزارة الثقافة بصلاحيات مرتبطة بمجال اختصاصها في الإعلام فيما تعهد في نفس الوقت صلاحيات التعديل إلى هيئة متخصصة. ويخشى المتحفظون إزاء هذه العلاقة من إعادة إنتاج سنوات من الدعاية السياسية لنظام الحكم، والإعلام ذي التوجه الواحد الذي كان سائدا قبل ثورة 2011.

وجاء في وثيقة شرح الأسباب للنواب الذين تقدّموا بالمبادرة، أنّ تشخيص الواقع الراهن للمشهد السمعي – البصري يحيل إلى عدم تناسب بين عدد وسائل الإعلام والحجم الإجمالي لسوق الإشهار الذي لا يتجاوز 130 مليون دينار (حوالي 39 مليون دولار أميركي) خلال سنة 2022، مبيّنين وجود "خلل" فتح الباب أمام تنافس “شرس” من أجل الظفر بجزء من سوق الإشهار، وتسبّب في بروز العديد من الظواهر والممارسات السلبية التي كان من ضحاياها المضمون الصحفي الجيد.

وأكّدوا أنّ هذا المشروع يهدف إلى تصحيح المسار الإعلامي، من خلال دعمه ماليا دون التدخل في خياراته التحريرية أو المس من استقلالية مؤسساته، مبيّنين أنّ انخراط الدولة في هذا المشروع هو بداية تشكيل لرؤية سياسية حول الإعلام قوامها المصلحة العامة والعمل المشترك.

كما اعتبروا أنّ انخراط المؤسسات الإعلامية في هذا الصندوق والإسهام في تمويله، إنما هو اعتراف بمسؤوليتها الاجتماعية ومحاولة لتجاوز الأزمة الراهنة، من أجل التفرغ للتحديات الكبرى وعلى رأسها مسألة الرقمنة. وتقترح المبادرة التشريعية اليوم إحداث مقر لمجلس الصندوق بتونس العاصمة، ويعتبر عنوانه المقر الاجتماعي والمقر المختار لكل المراسلات والإيداعات.

ويتكوّن مجلس الصندوق من رئيس يعيّنه رئيس الجمهوريّة، وممثلين عن وزارة المالية ووزارة الثقافة والهيئة التعديلية للقطاع السمعي - البصري وعن معهد الصحافة وعلوم الإخبار، وعن الهيكل الأكثر تمثيلا للصحافيين التونسيين والهيكل الأكثر تمثيلا للتقنيين التونسيين، إضافة إلى ممثل عن المؤسسات الإذاعية الخاصّة وعن الإذاعات الجمعياتية، شرط أن تتوفر فيهم الكفاءة والاختصاص وعدم تضارب المصالح.

◙ إحداث هذا الصندوق يهدف إلى المساهمة في الدعم المالي لإنتاج مضامين صحفية ذات جودة بمختلف أصنافها، تستجيب لقواعد المهنة الصحفيّة وأخلاقياتها

كما نصّت المبادرة على أن تتأتى مداخيل الصندوق من التمويل العمومي (يضبط بأمر بعد استشارة مجلس الصندوق)، واقتطاع نسبة مئويّة (4 في المئة) من الإشهار العمومي والخاص في وسائل الإعلام السمعية - البصريّة، ومن الهبات والمنح (تخضع لنظام الإعفاء الجزئي الضريبي أو الامتياز الجبائي)، ومن اشتراكات المؤسسات الإعلامية.

ويحدث الصندوق موقعا إلكترونيا يتضمن كل المعلومات الضرورية عن تركيبة المجلس وأعماله ومصادر تمويله وميزانيته والبلاغات والوثائق الصادرة عنه، وشروط التمتع بالدعم والمؤسسات المستفيدة. ويشترط نص المبادرة في انعقاد المجلس حضور ثلثي أعضائه ويتم اتخاذ قرارات مجلس الصندوق باعتماد التصويت بالأغلبية، وفي صورة تساوي الأصوات يتم ترجيح صوت رئيس مجلس الصندوق.

ويعلن المجلس سنويا خلال نهاية شهر أبريل ميزانية الصندوق بمختلف مواردها (للسنة القادمة)، وينشر ميزانيته النهائية على موقعه، ويضبط مجالات ومعايير صرف الميزانية وإسناد الدعم، إضافة إلى نشر جداول تفصيلية على موقعه الإلكتروني تتعلق بوسائل الإعلام السمعية - البصرية والبرامج المستفيدة من الدعم ومصادره.

ويتولى وضع إستراتيجيات لدعم استقلالية وسائل الإعلام، من خلال تطوير جودة المضامين الإعلامية بعيدا عن إكراهات الإشهار ومعايير تقييم المشاريع المقدمة، وتسند لمجلس الصندوق مهمة إعداد وإنجاز ندوات ودراسات علمية تتعلق باستهلاك المادة السمعية - البصرية في ظل التطورات التكنولوجية واندماج المحامل المتنوعة، إضافة إلى مهمة تحديد إستراتيجيات قصيرة ومتوسطة المدى حول المشاريع والبرامج السمعية - البصرية.

كما يتولى مجلس الصندوق، وفق مقترح القانون، وضع دليل إجراءات يحدد فيه تركيبة ومهام اللجان الفرعية التي ستتولى بدورها وضع المقاييس المتعلقة بالمشاريع، والتزامات المستفيد من الدعم ومعايير التقييم في متابعة الإنجاز، إضافة إلى ضبط منهجية دراسة الملفات والمشاريع المعروضة للحصول على الدعم.

يذكر أنّ النواب الذين أودعوا المبادرة ينتمون إلى مختلف الكتل، وينقسمون إلى عشرة نواب عن كتلة الوطنيّة المستقلّة وثمانية نواب من غير المنتمين، وثلاثة عن كتلة صوت الجمهوريّة، إلى جانب نائبين عن كتلة الأحرار ونائبين عن كتلة الخط الوطني السيادي. ويشار إلى أنه تم تأسيس الهيئة المستقلة للاتصال السمعي - البصري بعد 2011 لتختص بتعديل المشهد الإعلامي لكن تركيبة الهيئة لم تكن تتيح وحدها وضع منظومة إعلامية جديدة أو حوكمة فعالة على الرغم من فتح الأبواب لبرامج التدريب الممولة من مؤسسات الاتحاد الأوروبي.

5