تحركات مصرية على خطوط متوازية من أجل تهدئة في غزة قبل رمضان

القاهرة تبذل جهودا حثيثة لمنع انهيار المحادثات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس عقب عودة الطرفين للتصعيد المتبادل.
الجمعة 2024/02/23
شكري لبلينكن: مخاطر جسيمة ستنجم عن أي هجوم واسع على رفح

القاهرة - كثفت القاهرة من اتصالاتها للحيلولة دون تنفيذ إسرائيل لتهديداتها باجتياح مدينة رفح في جنوب قطاع غزة ومطاردة عناصر حركة حماس التي تقول إسرائيل إنها تتمركز بها وتمثل قاعدة لوجستية مهمة وملاذا أخيرا لقادتها.

وتخشى السلطات المصرية مواجهة أزمة تضعها في اختيارات صعبة بين أمنها القومي، وعلاقتها السياسية مع إسرائيل، والضغط لتغيير موقفها المبدئي الرافض للتهجير، وسارعت نحو إجراء محادثات متوازية مع حماس والولايات المتحدة وإسرائيل لمنع تفاقم الموقف قبل أن يُدخل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تهديداته باجتياح رفح حيز التنفيذ.

وبحث وزير الخارجية المصري سامح شكري مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن الخميس الجهود الدبلوماسية الجارية للتوصل إلى تهدئة.

جاء ذلك خلال لقاء شكري وبلينكن على هامش اجتماع وزراء خارجية دول “مجموعة العشرين” بمدينة ريو دي جانيرو البرازيلية.

ووفق بيان للخارجية المصرية فقد بحث اللقاء “التطورات الخاصة بالوضع في قطاع غزة، وأعاد وزير الخارجية التأكيد على ضرورة الوقف الكامل لإطلاق النار”.

أحمد فؤاد أنور: الحرب لن تتوقف في وضعية يمكن لحماس توظيفها
أحمد فؤاد أنور: الحرب لن تتوقف في وضعية يمكن لحماس توظيفها

وناقش الوزيران “مسار الجهود الدبلوماسية الجارية للتوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى والمحتجزين تسمح بإنفاذ هدنة لعدة أسابيع، واتفقا على استمرار التنسيق خلال الفترة القادمة لدعم جهود الوساطة التي تقوم بها مصر في هذا الشأن”.

وذكر وزير الخارجية المصري لنظيره الأميركي، وفق البيان، أن مصر “تراقب عن كثب تطوّر العمليات العسكرية الإسرائيلية، وتحذر من المخاطر الجسيمة الناجمة عن أيّ هجوم واسع النطاق على مدينة رفح الفلسطينية”.

ويعد نزع فتيل انفجار رفح مكسبا مصريا كبيرا في الوقت الراهن، يجنبها الدخول في سيناريوهات قاتمة، ويبعدها عن شبح اتهامات تلاحق القاهرة بشأن ما تردد قبل أيام حول قيامها بإنشاء منطقة عازلة في شمال سيناء لاستيعاب مهجرين من غزة، بينما قال مسؤولون مصريون إن الخطوة “احترازية” ودوافعها إنسانية وليست سياسية.

واستقبلت القاهرة وفدا من حركة حماس برئاسة إسماعيل هنية بحثا عن حل وسط بشأن اتفاقية إطار اقترحت خلال اجتماعات أمنية عقدت بباريس في يناير الماضي، شارك فيها رؤساء مخابرات مصر وإسرائيل والولايات المتحدة ورئيس وزراء قطر، وبانتظار زيارة وفد إسرائيلي لمناقشة ما تم الحديث عنه مع الحركة الفلسطينية.

وحط في القاهرة الأربعاء المبعوث الأميركي الخاص لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك لبحث التوصل إلى اتفاق تهدئة جديد قبل حلول شهر رمضان.

ونقلت القناة 13 الإسرائيلية في وقت سابق عن مسؤول سياسي لم تسمّه قوله “لم يتم اتخاذ قرار حتى الآن بشأن خروج وفد للمحادثات في القاهرة للتفاوض على صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة، وننتظر مرونة كبيرة من جانب حماس”.

وذكرت القناة العبرية أن “التفاؤل بشأن مرونة حماس تسمح للوفد الرسمي بالمغادرة لإجراء محادثات في القاهرة.. وتم تقديم رسائل من مصر وقطر مفادها أن هناك تحولاً في موقف حماس، ما يسمح لممثلين إسرائيليين للانضمام إلى المحادثات”.

القاهرة أرسلت إلى حماس رسائل واضحة بشأن أهمية التوصل إلى اتفاق في غضون أسبوعين قبل أن يبدأ الجيش الإسرائيلي عمليات برية واسعة في رفح

وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” أفادت بأن القاهرة أرسلت إلى حماس رسائل واضحة بشأن أهمية التوصل إلى اتفاق في غضون أسبوعين قبل أن يبدأ الجيش الإسرائيلي عمليات برية واسعة في مدينة رفح القريبة من الحدود المصرية.

وأكد مراقبون أن القاهرة تبذل جهودا حثيثة لمنع انهيار المحادثات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس عقب عودة الطرفين للتصعيد المتبادل، بما ينسف خطوات اتخذت الفترة الماضية، كادت تسفر عن تقدم عندما عُقد اجتماع بالقاهرة منذ أسبوع، حضره رؤساء مخابرات الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر ورئيس وزراء قطر.

وأوضح المراقبون أن خطاب قادة حماس عاد إلى التصعيد مرة أخرى بشأن مطالبهم في الصفقة المنتظرة، تماشيا مع خطاب إسرائيلي وضع اجتياح رفح هدفا مركزيا، ولم يعد قاصرا على تصريحات نتنياهو، بل إن حلفاءه من تيار اليسار باتت مواقفهم لا تقل تشددا عن ممثلي اليمين المتطرف.

وأكد نتنياهو على أن إسرائيل لن تدفع أيّ ثمن مقابل عودة المحتجزين، والسبيل لإطلاق سراحهم هو تكثيف الضغط العسكري على غزة وهزيمة حماس.

وقال عاموس هارئيل المحلل العسكري بصحيفة “هآرتس” الأربعاء “للمرة الأولى منذ أسابيع، ظهرت إشارات التفاؤل الحذر من جانب إسرائيل فيما يتعلق بإمكانية إحراز تقدم في المفاوضات بشأن صفقة الرهائن مع حماس، ويبدو أن هذا التحول جاء بسبب الجهود الأميركية المتجددة لتأمين تحقيق انفراجة في المفاوضات”.

خطاب قادة حماس عاد إلى التصعيد مرة أخرى بشأن مطالبهم في الصفقة المنتظرة، تماشيا مع خطاب إسرائيلي وضع اجتياح رفح هدفا مركزيا

ولفت العضوان الديمقراطيان في الكونغرس الأميركي ريتشارد بلومنتال وكريس كونز خلال زيارتهما الأردن بعد إسرائيل إلى وجود أمل كبير للتوصل إلى اتفاق قريب لإطلاق سراح المحتجزين لدى حماس مقابل وقف النار.

وأرجع الخبير المصري في الشؤون الإسرائيلية أحمد فؤاد أنور العقدة الحالية إلى مطبات كبيرة تواجهها صفقة الأسرى على جانبي إسرائيل وحماس، وتذليلها عملية ليست سهلة مع عودة خطاب التصعيد من قبلهما بلا هوادة، والذي يعتبر محددا سياسيا للتأكيد على عدم الرضوخ لمطالب الآخر، ويعد في نظر الجمهور دليل قوة، وهي رؤية يحتاج تفكيكها إلى محادثات مضنية خلف الكواليس.

وأضاف فؤاد أنور في تصريح لـ”العرب” أن الحرب تندرج تحت ما يسمّى بـ”المعادلة الصفرية” التي يجب أن يخرج فيها طرف كاسب والآخر خاسر، ولا تصلح فيها القسمة على اثنين، وحتى هذه اللحظة كل طرف منتصر في جانب ومنهزم في آخر ويستطيع الترويج لمكاسبه والتقليل من خسائره، وهي صيغة غير منتجة في المفاوضات.

وقال المحلل المصري إنه ما لم تصل الحرب إلى درجة يبدو فيها النصر المادي واضحا، وغالبا سيكون لصالح إسرائيل بحكم تفوقها العسكري، لن تتوقف الحرب في وضعية رمادية يمكن لحماس توظيفها مثل جولات سابقة، تخسر فيها عسكريا وتربح معنويا وسياسيا، والمشكلة أن إسرائيل تريد حرمانها من تلك الميزة الآن، ما أفضى إلى استمرار الحرب لفترة جاوزت كل الحروب التي خاضتها إسرائيل ضد المقاومة الفلسطينية.

وتعي القاهرة هذه الحالة وتسعى إلى عدم تبني رؤية تظهرها قريبة من إسرائيل، وكي لا تسمح بترويج مقاربة من هذا النوع جعلت من مذكرتها أمام محكمة العدل الدولية دليلا يقطع الطريق على أيّ تشكيك في موقفها وتعزيز الانسجام بين ما يطفو في العلن وما يدور في الخفاء من لقاءات ومحادثات لحل القضية الفلسطينية برمتها.

ودعت مصر في مرافعة شفهية أمام محكمة العدل الدولية الأربعاء إلى ضرورة إنهاء الاحتلال طويل المدى للأراضي الفلسطينية واتهمت إسرائيل بمخالفة القانون الدولي.

وقالت وزارة الخارجية المصرية في بيان إن المرافعة المصرية أمام المحكمة تضمنت “الدفوع والأسانيد القانونية لتأكيد اختصاص المحكمة بمنح الرأي الاستشاري، وتأكيد عدم شرعية ممارسات الاحتلال الممنهجة ضد حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة”.

2