تحركات عراقية تجاه سوريا لحماية الشيعة وتثبيت الدور

بغداد - استقبل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مساء الثلاثاء في بغداد، عبدالله نظام، الزعيم الروحي للطائفة الشيعية في سوريا، وذلك في خطوة تحمل في طياتها أبعادا سياسية وطائفية عميقة.
وهذا اللقاء الرفيع المستوى، الذي يأتي في خضم تحولات دراماتيكية تشهدها سوريا عقب سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد وتصاعد المخاوف من استهداف الأقليات، يضع العراق في موقع اللاعب الإقليمي الساعي لترسيخ نفوذه وحماية مصالح الطائفة الشيعية في الجارة المنكوبة.
وأكد بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي أن اللقاء تناول بشكل معمق "تطورات الأوضاع في سوريا ومجريات الأمور فيها". وجدد السوداني خلال المباحثات "تأكيد العراق بالوقوف إلى جانب الشعب السوري بجميع أطيافه ومكوناته، ودعم سيادة سوريا ووحدة أراضيها وتكامل مكوناتها".
ووفق البيان الحكومي فقد جرى التأكيد على "أهمية توحيد الخطاب الداعم للتعايش والسلم الأهلي، من خلال دور رجال الدين وتعزيز الوحدة المجتمعية، ونبذ التطرّف وتعزيز مفهوم المواطنة لتحقيق العدالة الاجتماعية".
وفي ظل التقارير المتزايدة عن استهداف ممنهج يطال الشيعة والعلويين في سوريا، يبدو أن بغداد تسعى من خلال استقبال الزعيم الروحي للطائفة الشيعية إلى تأكيد دورها كضامن إقليمي لهذه الطائفة في مرحلة ما بعد النظام السابق.
كما تسعى الحكومة العراقية إلى طمأنة الأطراف الشيعية المتحفظة على التقارب مع السلطات السورية الجديدة، بالتأكيد على أن أي انفتاح على دمشق لن يكون على حساب مكانة الشيعة ومصالحهم، بل هدفه حمايتها وضمان تمثيلهم في المشهد السياسي السوري الجديد.
ويرى مراقبون أن بغداد تحاول استغلال حالة عدم الاستقرار في بعض المناطق السورية ذات الأغلبية الشيعية لترسيخ نفوذها عبر هذه العلاقات الدينية، سعيا لتكون لاعبا رئيسيا في المعادلة السورية الناشئة.
ويندرج هذا التحرك ضمن استراتيجية عراقية أوسع تهدف إلى لعب دور مزدوج: الوسيط بين الأطراف السورية المختلفة، والحامي لمصالح الطائفة الشيعية في المنطقة، خاصة بعد الأحداث الدامية التي شهدها الساحل السوري والانتهاكات التي طالت العلويين.
ويكتسب هذا اللقاء أهمية مضاعفة لتزامنه مع الجهود العراقية لتوسيع قنوات الاتصال مع النظام السوري الجديد، والتي تجسدت في دعوة رئيس الوزراء العراقي للرئيس السوري أحمد الشرع لحضور القمة العربية المرتقبة في بغداد، وهذه الدعوة، حظيت بموافقة مبدئية من الجانب السوري، حسب ما نقل موقع "شفق نيوز" الكردي العراقي عن مصدر حكومي في دمشق.
ويُنظر إلى كل من استقبال عبدالله نظام ودعوة الرئيس الشرع كجزء من عملية إعادة تموضع سياسي إقليمية، حيث تسعى بغداد من خلالها إلى تعزيز دورها كلاعب إقليمي مؤثر وقادر على التأثير في مسار الأحداث في سوريا.
ويحاول العراق بناء علاقات قوية مع السلطة الجديدة في دمشق لتأمين مصالحها ومصالح حلفائها في سوريا.
وتسعى بغداد إلى المساهمة في تهدئة التوترات الطائفية في سوريا، خاصة في ظل الإجراءات الأمنية المشددة التي تفرضها السلطات السورية الجديدة حول المقامات الدينية الشيعية، والتي جاءت في أعقاب تصاعد الغضب الشعبي بعد انتشار فيديو اعتداء مزعوم على أحد المقامات في حلب وتظاهرات العلويين في الساحل السوري.
ومن الأماكن التي تشهد إجراءات أمنية مقام السيدة زينب في العاصمة دمشق أو "قبر الست"، وهو مكان مقدس لأبناء الطائفة الشيعية في البلاد.
وتعرضت مناطق الساحل السوري التي يتركز فيها الطائفة العلوية أحداثاً دموية، خلال مارس الماضي، راح ضحيتها أكثر من 1000 شخص بحسب بيان للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
ودفعت هذه التطورات المتسارعة الرئيس أحمد الشرع إلى عقد أول اجتماع رسمي له مع وجهاء الطائفة الشيعية في البلاد نهاية الشهر ذاته، في محاولة لاحتواء التوترات ومنع تفجر الأوضاع.
وتُعد زيارة عبدالله نظام إلى بغداد الأولى من نوعها على هذا المستوى الديني والسياسي، ما يضفي عليها أهمية رمزية خاصة. ففي الوقت الذي تجد فيه الطائفة الشيعية في سوريا نفسها في وضع دقيق بعد سقوط النظام السابق الذي كانت تشكل إحدى دعائمه، تأتي هذه الزيارة لتؤكد على الاهتمام العراقي بمصير هذه الطائفة ومستقبلها في سوريا التي تمزقها الصراعات والهويات المتضاربة.
ويمثل لقاء السوداني بنظام محطة مهمة في مساعي العراق لتكريس دوره الإقليمي وتأمين مصالح الطائفة الشيعية في سوريا. ومع تزامن هذا اللقاء مع خطوات الانفتاح على النظام السوري الجديد، يبدو أن بغداد تسعى لترسيخ موقعها كلاعب محوري في مستقبل سوريا، في ظل تحديات طائفية وأمنية وسياسية معقدة.