تحركات سعودية لجمع الجنرالين المتحاربين في السودان وسط شكوك في إمكانية تحقيق اختراق

تسعى السعودية إلى تأمين الظروف الملائمة لاستئناف المفاوضات بين طرفي النزاع في السودان، وتعمل على خلق مساحة مشتركة بين قيادة الجيش والدعم السريع حتى لا تتكرر المحاولات السابقة الفاشلة في منبر جدة، لكن فرص نجاحها تبقى ضئيلة.
الخرطوم - استنأنفت المملكة العربية السعودية جهودها من أجل تقريب المسافات المتباعدة بين طرفي الصراع في السودان، لكن مراقبين يستبعدون نجاحها في تحقيق أي اختراق ما لم تتم ممارسة ضغوط حقيقية لاسيما على قيادة الجيش، التي لا تزال تتهرب حتى الآن من استحقاقات السلام، في ظل خضوعها وارتهان قرارها لقوى إسلامية لا تريد وقف الحرب.
وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان الأربعاء اتصالين بكل من قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو.
وقالت الخارجية السعودية في بيان إن بن فرحان ناقش مع الجنرالين المتحاربين تداعيات الأوضاع الحالية وانعكاساتها على الشعب السوداني وحثهما على تجنيب السودانيين المزيد من الدمار والحد من تفاقم الأوضاع الإنسانية، كما دعاهما إلى وقف القتال لحماية مؤسسات الدولة وحماية السودان والمضي به إلى بر الأمان.
وتقود السعودية وساطة بجانب الولايات المتحدة لحمل الجيش والدعم السريع على وقف الحرب التي دخلت عامها الثاني.
وفي الثالث من ديسمبر الماضي قررت الوساطة السعودية – الأميركية في منبر جدة تعليق التفاوض بين الجيش والدعم السريع إلى أجل غير مسمى بعد إخفاق الأطراف في تنفيذ إجراءات بناء الثقة، وتمسك الجيش بعدم ملاحقة رموز النظام السابق الذين فروا من السجون عقب اندلاع النزاع في أبريل من العام الماضي.
وكان من المفترض أن يتم استئناف منبر جدة في أبريل الماضي، لكن الخلافات بين طرفي الصراع، والتصريحات والمواقف الاستفزازية لقيادات الجيش حالت دون ذلك.
وتأمل القوى الإقليمية والدولية في أن يجري تحديد موعد جديد للمفاوضات في جدة خلال شهر مايو الجاري، لكن لا مؤشرات حتى الآن عن إمكانية تحقق ذلك فيما البلاد مقبلة على أسوأ أزمة إنسانية، بحسب تحذيرات المنظمات الأممية.
وقال قائد الدعم السريع على منصة إكس إن الاتصال مع الوزير السعودي تطرق إلى الأوضاع الراهنة وسبل رفع المعاناة عن الشعب السوداني.
وأضاف دقلو “أكدنا لسمو الأمير فيصل بن فرحان، أن الطرف الآخر لا يملك إرادة حقيقية لوقف الحرب ويسعى لإطالة أمدها وتوسيع نطاقها من خلال عرقلة منبر جدة الأول والثاني ورفض مبادرة إيقاد، وكل ذلك في نهاية المطاف يضاعف حجم المعاناة الإنسانية ويهدد بشكل مباشر أمن واستقرار بلادنا والمنطقة”.
وفي الأثناء نفت قوات الدعم السريع تلقي دعوة رسمية لاستئناف التفاوض في منبر جدة.
وقال عضو وفد الدعم السريع في مفاوضات جدة محمد مختار النور لموقع سودان تربيون، الأربعاء “لم تصلنا دعوة رسمية من المسهلين في المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة والإيقاد أو الأطراف الدولية والإقليمية لاستئناف التفاوض مع الجيش في منبر جدة”.
وشدد على عدم طرحهم شروطا جديدة للتفاوض، مستدركا بالقول “لكننا متمسكون بنفس شروطنا في اتفاق جدة ووثيقة المبادئ في العاصمة البحرينية المنامة”. وكان البرهان صرح في وقت سابق من الأسبوع الجاري أمام مجموعة من الجنود في مدينة مروي، بأن السلام لن يتحقق إلا بانسحاب قوات الدعم السريع من المناطق التي سيطرت عليها، والانتقال إلى مناطق يتم قبولها، وهي شروط شبه تعجيزية لجهود استئناف التفاوض، حيث إن الدعم السريع بالتأكيد لن تفرط في الإنجازات الميدانية التي حققتها، ما لم يتم التوصل إلى اتفاق شامل وناجز مع قيادة الجيش.
وقال القيادي في الحزب الشيوعي صدقي كبلو إن خطاب البرهان الأخير يدعو إلى استمرار الحرب إلى ما لا نهاية، واعتبره رفضا مبطّنا للتفاوض أو وصفة لفشل الجولة القادمة، وإن لم يستبعد أن يكون محاولة لرفع السقوف عاليا قبل التفاوض.
وأشار كبلو في تصريح لموقع “الراكوبة” السوداني إلى أن حديث قائد الجيش يعني بالضبط قيام حكم عسكري كامل وعدم العودة إلى التحول الديمقراطي وعودة النظام القديم بثوب جديد، وهذا امتداد لانقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر المشؤوم.
القوى الإقليمية والدولية تأمل في أن يجري تحديد موعد جديد للمفاوضات في جدة خلال شهر مايو الجاري
ويرى القيادي في الحزب الشيوعي أن حل الأزمة السودانية يكمن في إيقاف الحرب وتشكيل حكومة مدنية ديمقراطية تفتح الطريق للانتقال المدني الديمقراطي، وحل الميليشيات وإعادة هيكلة القوات المسلحة، وتصفية ما تبقى من تظلمات البشير.
واندلعت الحرب بتحريض من قادة الحركة الإسلامية للجيش على أمل الحيلولة دون انتقال السلطة في السودان إلى المكون المدني، والذي كان تعاطيه وفق المراقبين دون المأمول ولم يكن على قدر التحديات التي فرضتها الحرب، من خلال السعي إلى الاحتماء بالمنطقة الرمادية، دون أن تكون له الجرأة الكافية لتسمية الأشياء بمسمياتها، خشية إغضاب هذا الطرف أو استفزاز الجانب الآخر.
وأدى القتال المستمر في السودان إلى مقتل الآلاف من المدنيين، وتشريد الملايين في الداخل وفي دول الجوار.
ويشير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو أداة عالمية لرصد الجوع، إلى أن ما يقرب من 18 مليون شخص في السودان، أي أكثر من ثلث سكان البلاد البالغ عددهم 49 مليونا، يواجهون “مستويات عالية من الانعدام الحاد للأمن الغذائي”. وتشير تقديراته أيضا إلى أن من بين هذا العدد، هناك ما يقرب من خمسة ملايين على بعد خطوة واحدة من المجاعة.
وقال التصنيف في مارس الماضي إن هناك حاجة إلى إجراء فوري “للحيلولة دون تزايد أعداد الوفيات والانهيار التام لسبل العيش وتجنب أزمة جوع كارثية في السودان”. وأضاف أنه لم يتمكن من تحديث التوقعات التي قدمها في ديسمبر بسبب صعوبة الحصول على البيانات من مناطق الصراع وانقطاع خدمات الإنترنت والهواتف عن معظم أنحاء السودان.