تحدي القراءة العربي يكذّب مقولة "العرب لا يقرأون"

انطلق “تحدي القراءة العربي” في دورته التأسيسية عام 2015 من رسالة إحداث نهضة شاملة في القراءة والمطالعة والتحصيل العلمي والمعرفي، وتعزيز مكانة اللغة العربية، ولدعم إثراء المحتوى العربي، كما جاء لخلق حراك قرائي شامل يكون الأساس لمجتمعات المعرفة مستقبلا. فكيف كانت مسيرة هذه المبادرة؟ وأي آثار لها على امتداد دوراتها؟
عبدالناصر منعم
دبي – يصل “تحدي القراءة العربي” اليوم وبعد ست دورات إلى ما مجموعه 79 مليون مشارك من مختلف أنحاء العالم، من الطلاب والطالبات في الوطن العربي وأبناء الجاليات العربية في بلاد العالم ومتعلمي اللغة العربية من الناطقين بغيرها، ليصنع تظاهرة قرائية هي الأكبر من نوعها باللغة العربية على مستوى العالم.
ويجسد تحدي القراءة العربي الذي أطلقته دبي السعي لإعداد جيل متمكن من الرواد والمبدعين والمبتكرين العرب ممن يمتلكون القدرات والمهارات والكفاءات والمعارف لتجديد الإنتاج العلمي والمعرفي في العالم العربي وإرساء المقومات اللازمة لاستئناف مساهمة المنطقة في مسيرة الحضارة العربية واستعادة الدور التاريخي المشهود للمنطقة كمساهم فاعل في الحضارة الإنسانية وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية المنشودة حاضرا ومستقبلا.
تطور متواصل
أرقام الدورات الست مجتمعة لتحدي القراءة مؤشر على مدى التعطش لتطوير واقع القراءة والمعرفة عند العرب
استمر صعود أعداد المشاركين في تحدي القراءة العربي الذي تنظمه “مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية” دورة تلو أخرى، حيث شارك في الدورة الأولى من التحدي نحو 3.6 مليون طالب وطالبة. ثم تضاعف العدد في الدورة الثانية ليتجاوز 7.4 مليون طالب وطالبة. ومع تحول التحدي إلى مسابقة قرائية دولية وفتح باب المشاركة للطلبة المتواجدين خارج العالم العربي والجاليات في الدورة الثالثة من التحدي ومتعلمي اللغة العربية، قارب عدد المشاركين 10.5 مليون طالب وطالبة.
وأتت الدورة الرابعة من تحدي القراءة العربي لترفع عدد المشاركين في التحدي إلى 13.5 مليون طالب وطالبة من 49 دولة، حتى بلغت أعداد المشاركين في الدورة الخامسة 21 مليون طالب وطالبة من 52 دولة، لتصل في هذه الدورة السادسة إلى 22.27 مليون مشارك ومشاركة من 44 دولة.
وشهدت الدورة الأولى من التحدي تكريم الطالب محمد جلود من الجزائر بطلا لـ”تحدي القراءة العربي”، ويواصل جلود حاليا نشاطه المدرسي كطالب مجتهد متفاعل مع مجتمعه وأقرانه، حريص على تطوير قدراته وإمكاناته. وقد استطاع بفعل فوزه بالجائزة بقيمة 500 ألف درهم أو ما يعادل 150 ألف دولار إهداء زملاء مدرسته مكتبة صغيرة تحفز على القراءة والمطالعة. وقدم برنامجا تلفزيونيا بعنوان “كنز القراءة” في قناة “براعم” للأطفال، وشارك في حملة محلية للسلامة المرورية.
ويقول محمد جلود “القراءة مشروع حياة. وكل كتاب نقرأه هو لبنة في بنيان هذا المشروع. وهذا على المستوى الفردي، فكيف بمشروع على مستوى عالمي اليوم كتحدي القراءة العربي؟ نعتز بأن هذا التحدي يتواصل ويتوسع ويضم مزيدا من فرسان القراءة وعشاق التحدي ورواد المنافسة الهادفة التي تبني الأوطان”.
وعلى مستوى المدرسة المتميزة في الدورة الأولى من تحدي القراءة العربي، شاركت حوالي 30 ألف مدرسة في المنافسات، وحازت مدرسة طلائع الأمل الثانوية من فلسطين على جائزة المليون درهم لتميزها في التحدي.
وشهدت الدورة الثانية من تحدي القراءة العربي تضاعف عدد المشاركين والمشاركات في التحدي القرائي، وتم تتويج الطالبة عفاف رائد شريف بطلة لتحدي القراءة العربي من بين 7.4 مليون طالب وطالبة.
وشكلت رائد قدوة لأقرانها ونموذجا يحتذى به لطالبات وطلاب فلسطين لتعزيز مشاركتهم في تحدي القراءة العربي، حيث شهدت الدورة التي تليها منافسة بطل فلسطين للدورة الثالثة من تحدي القراءة العربي قسام صبيح على المركز الأول في التصفيات النهائية ضمن الحفل الختامي للتحدي.
واليوم تتخصص رائد في مجال الطب البشري، حيث تتابع دراستها الجامعية بتفوق وتواصل مسارها المتميز الملهم الذي احتفى به تحدي القراءة العربي.
وتقول “تحدي القراءة العربي هو منصة إطلاق لإبداعات الملايين من الطلبة في المنطقة العربية والعالم. وقد لا يعرف كثيرون من النشء والشباب أنهم متميزون إلى أن يشاركوا في منافسات تجمعهم مع أقرانهم ومسابقات تحفزهم لتقديم أفضل ما لديهم، وإذا بهم يرون أنفسهم من منظور جديد أشمل وأوسع وأكثر ثقة واندفاعا”.
وشهد الحفل الختامي للدورة الثانية من التحدي الإعلان عن تحويل تحدي القراءة العربي إلى تحدٍ عالمي يشمل أبناء الجاليات العربية في الدول الأجنبية.
كما توجت الدورة الثانية من تحدي القراءة العربي مدارس الإيمان في البحرين بلقب المدرسة المتميزة من بين 41 ألف مدرسة، وجرى اختيار الدكتورة حورية الظل من المغرب لتنال لقب “المشرفة المتميزة” من بين 75 ألف مشرف ومشرفة.
وتميزت الدورة الثالثة من التحدي بتحولها إلى العالمية، وفتح باب المشاركات للطلاب من مختلف أنحاء العالم وليس من الوطن العربي فقط، وبلغ عدد المشاركين في الدورة الثالثة 10.5 مليون طالب وطالبة.
وفازت الطالبة مريم أمجون من المغرب بلقب النسخة الثالثة من التحدي، بعد تألقها بإجاباتها التي سبقت سنها وأبهرت لجان التحكيم، وكان تتويج الطفلة البالغة من العمر حينها 9 سنوات وأصغر بطلة تتوج في التحدي على مسرح أوبرا دبي مؤثرا حين ذرفت دموع الفرح بتأثر شديد.
وحاليا تواصل أمجون تفوقها الدراسي ونشاطها المجتمعي بعد تعيينها من جانب منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” ناطقة باسم أطفال المنطقة للتعبير عن آمالهم وأحلامهم وطموحاتهم في منابر الأمم المتحدة، وقد عملت مع برنامج تلفزيوني حول سلامة الطرقات.
وتقول أمجون “تحدي القراءة العربي ميدان للتعلم والتنافس والإبداع والتفوق. واليوم بعد سنوات من الفوز بلقب تحدي القراءة في دورته الثالثة، لا يزال أصدقائي ومدرستي والجميع من حولي يتعاملون معي كبطلة مثلت وطني المغرب في أكبر تحدّ قرائي باللغة العربية”.
وفازت بلقب المدرسة المتميزة للدورة الثالثة من تحدي القراءة العربي مدارس الإخلاص الأهلية من دولة الكويت من بين 52 ألف مدرسة، فيما حصدت المربية عائشة الطويرقي من السعودية لقب المشرفة المتميزة في الدورة الثالثة من التحدي، من بين حوالي 87 ألف مشرف ومشرفة.
واستمر نمو تحدي القراءة العربي لتسجل دورته الرابعة مشاركة 13.5 مليون طالب وطالبة من 49 دولة. وتم تتويج الطالبة هديل أنور من السودان بطلة لتحدي القراءة العربي في دورته الرابعة، وذلك في حفل حاشد احتضنته أوبرا دبي وحضره أكثر من 3 آلاف شخص.
وتقول أنور “ثلاثة أعوام مرت على فوزي باسم السودان بلقب بطلة تحدي القراءة العربي في دورته الرابعة، لكني لا أزال من أفراد أسرة تحدي القراءة العربي الحريصة على تعزيز مكانة اللغة العربية، لغة للعلوم والآداب والثقافة وصناعة المحتوى الرقمي الأصيل الهادف والمؤثر في أجيال النشء والشباب”.
وشهدت الدورة الرابعة تكريم مدرسة الإمام النووي من السعودية بلقب “المدرسة المتميزة” من بين حوالي 67 ألف مدرسة شاركت في النسخة الرابعة من تحدي القراءة العربي، وفازت المدرسة بجائزة المليون درهم.
وشهدت النسخة الرابعة من التحدي أيضا تتويج المربية أميرة نجيب من مصر بلقب “المشرفة المتميزة” لتحدي القراءة العربي من بين أكثر من 99 ألف مشرف ومشرفة.
وعلى مستوى جائزة فئة الجاليات المشاركة في تحدي القراءة العربي، تم تتويج الطالب محمود بلال من السويد بطلا لتحدي القراءة العربي على مستوى الجاليات من العرب المقيمين خارج الوطن العربي، ونال جائزة قيمتها 100 ألف درهم.
وتميزت الدورة الرابعة من تحدي القراءة العربي بتحويل التصفيات ما قبل النهائية إلى برنامج تلفزيوني يجمع بين برامج المسابقات وتلفزيون الواقع وشارك فيه 16 بطلا متوجا بلقب بطل تحدي القراءة العربي في 14 بلدا عربيا، وتابع حلقاته السبع التي أذيعت بشكل أسبوعي عبر شاشة قناة MBC ملايين من المشاهدين حول العالم.
ست دورات
والدورة الخامسة لتحدي القراءة العربي جاءت استثنائية بكل المقاييس لأنها تزامنت مع جائحة فايروس كورونا المستجد التي اجتاحت العالم وأجبرت العديد من الأنظمة التعليمية والمدارس حول العالم إلى التحول إلى نظام التعلم من المنزل أو التعلم عن بُعد ريثما تم اكتشاف اللقاحات اللازمة وتوزيعها على نحو واسع.
ولم تمنع الجائحة القائمين على تحدي القراءة العربي من مواصلته، وذلك بتوظيف آليات وأدوات مبتكرة لضمان استمرارية التحدي في ترسيخ ثقافة القراءة واكتساب المعرفة لدى الملايين من الطلبة في الوطن العربي والعالم. ولجأ تحدي القراءة العربي إلى الحلول الرقمية التي توظف التكنولوجيا، وأتاح للطلبة قراءة الكتب الإلكترونية، وإعداد ملخصات إلكترونية لها وتحميلها وخوض المنافسات والتصفيات افتراضيا.
وشارك في الدورة الخامسة التي نظمت افتراضيا أكثر من 21 مليون طالب من 52 دولة، و96 ألف مدرسة، وأكثر من 120 ألف مشرف للقراءة. وتم تتويج الطالب عبدالله محمد مراد أبوخلف من المملكة الأردنية الهاشمية بلقب “بطل تحدي القراءة العربي” في دورته الخامسة، منتزعا اللقب وجائزة قيمتها 500 ألف درهم.
عبدالله أبوخلف، بطل الدورة الخامسة من تحدي القراءة العربي، طالب في كلية الطب البشري في إحدى جامعات بلده الأردن، شارك في برامج لتدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها، كما يساهم بإلقاء محاضرات فكرية معاصرة، وعقد ورشات تدريبية وجاهية وافتراضية حول القراءة وأساليب اختيار الكتب وتلخيصها بالتنسيق مع وزارة الثقافة ومبادرات محلية وعالمية.
أرقام الدورات الست مجتمعة لتحدي القراءة العربي مؤشر على مدى التعطش لتطوير واقع القراءة والمعرفة عند العرب
ويقول أبوخلف “تحدي القراءة العربي، والمبادرات الثقافية عالمية المستوى من نوعه، تكرم الأبطال الحقيقيين الذين يصنعون التحول الإيجابي في مجتمعاتهم وأوطانهم وعالمهم. فالقراءة تصنع العالِم والمبدِع والمبتكِر والمجدد. والقراءة لا تكتفي بحفظ اللغة والتراث والثقافة، بل تراكم المعارف والخبرات، وتصقل الفكر، وتقدم تجارب الأمم والشعوب ونجاحاتها وإنجازاتها”.
وحصلت “مدرسة الغريب للتعليم الأساسي” من جمهورية مصر العربية على لقب “المدرسة المتميزة” في الدورة الخامسة من تحدي القراءة العربي وجائزة مقدارها مليون درهم، بعد أن تفوقت على 96 ألف مدرسة شاركت في تلك الدورة.
وحصدت موزة الغناة من دولة الإمارات العربية المتحدة لقب “المشرف المتميز” في التحدي القرائي والمعرفي الأكبر من نوعه عربيا بعد تميزها بين أكثر من 120 ألف مشرف ومشرفة شاركوا في الدورة الخامسة. كما شهدت الدورة الخامسة من التحدي تتويج ألكسندر فوروس من إيطاليا بطلا لتحدي القراءة العربي عن فئة الجاليات من مختلف أنحاء العالم.
وفيما تم تحديد موعد الحفل الختامي لتتويج بطل “تحدي القراءة العربي” في نسخته السادسة الأكبر من نوعها في تاريخ التحدي ليكون يوم العاشر نوفمبر 2022، سوف يتم تتويج بطل التظاهرة القرائية الأكبر من نوعها على مستوى العالم باللغة العربية من بين أكثر من 22 مليون مشارك من 44 دولة، واختيار “المدرسة المتميزة” و”المشرف المتميز” لهذه الدورة ذات الأرقام القياسية.
ويقام الحفل الختامي للدورة السادسة من تحدي القراءة العربي في دبي بمشاركة عدد من المتأهلين للمراحل النهائية ومشرفيهم ومرافقيهم من 44 دولة شاركت في هذه الدورة، بالإضافة إلى آخرين من الدورة الماضية للتحدي والتي جرى حفلها الختامي افتراضيا بسبب الإجراءات الاستثنائية التي فرضتها جائحة كوفيد – 19.
وأرقام الدورات الست مجتمعة لتحدي القراءة العربي، والذي سجل منذ انطلاقه وحتى اليوم حوالي 79 مليون قارئ مشارك، تشكل مؤشرا عمليا على مدى التعطش لتطوير واقع القراءة والمعرفة في الوطن العربي العالم، خاصة لدى النشء والأجيال الشابة ومقدار الانفتاح على المشاركة الإيجابية والفاعلة على المستويات الفردية والمؤسسية والرسمية والأهلية.
