تحديد مفهوم المرأة أول الخطوات ليتعالج العرب مما هم فيه

البحث عن المرأة الناقدة وصاحبة الفكر الحر أمر يعد صعبا في ثقافة عربية تحاول تكريس سردياتها التي ترفض التغير والتحول رغم التحولات العالمية في مجال الحقوق، وبطبيعة الحال فإن الذي يبحث في مشاكله انطلاقا من واقعه الثقافي العربي بوصفه وليد منظومة ثقافية مختلفة عن الغرب فإنه يمنح العربي أفقا للإضافة والتجديد بدل أن يناقش الأمر من زاوية غربية. فالثقافة العربية ثقافة تجسد منظومة عربية إسلامية تيولوجية لها معاييرها الموروثة التي تحتاج إلى مقاربات نقدية من داخلها؛ لكن ليس على أساس مفكري الهوية الدوغمائية بل على صعيد القراءة التي تستثمر المنجزات المعاصرة وخصوصا في مجال الحقوق وما تقدمه من ممكنات تجعلنا قادرين على أن تكون لنا إضافتنا المقترنة بخصوصيتنا الثقافية.
يقتضي البحث عن الحقائق المتعلقة بالمرأة منهجا يقوم على مخالفة لا تهادن بل تعمل على تفكيك المكونات؛ لأن التمركز هو نوع من التعلق الهوَسي بتصوّر مزدوج عن الذات والآخر، تصوّر يقوم على التمايز والتراتب والتعالي، يتشكّل عبر الزمن بناء على ترادف متواصل ومتماثل لمرويات تلوح فيها بوضوح صورة رغبوية انتقيت بدقة لمواجهة ضغوط كثيرة.
وينبغي نقد الطرق البارعة للسرود التي تنتظم حول حبكة دينية أو ثقافية أو عرقية مخصوصة، فتخضع الأفكار والتصورات لتلك الحبكة التي تظل يقظة في إثراء تمجيدي للذات، وخفض تبخيسي للآخر، ويصعب تخطّي ثقافة المطابقة دون نقدها، ويصعب تحقيق الاختلاف دون الحوار.
إلا أن تلك السرود لا تخلو من التدخلات المضفورة بين المعرفة والقوة من أجل السيطرة على المعنى وإن اعتمدت العنف الرمزي والتي بتحليلها لعلها تهدينا إلى تلك الحلقة المفقودة الجامعة بين صور الذات المهيمنة وصورة الآخر المقصيّة، فإن تناولنا يتخذ الطابع الحواري القائم على كشف التمركز الذي يحيلنا إلى تلك الأطياف التي تحيا حياتها داخل العقول على سبيل القيم والسلوك الاعتقادي والتي رسخت في اللاشعور غير القابل للمراجعة وكأنه يقين صارم لا يقبل النظر والمناقشة على سبيل التشخيص والتعليل.
المخيال الإقصائي
هنا تأتي ضرورة تطوير آليات الحوار والتبادل حتى تمكننا من إعادة النظر في آليات الفهم وتفكيك الأوهام القارة والتي تحول دون اندماجنا السوي بالحضارة التي أصبحت فيها المصائر متشابكة بعيدا عن مناداة الهوية والتهويمات وقيم البداوة وأخلاقيات الاستمتاع والإمتاع والمؤانسة التي تحط من قيم الإنسان وتحوله إلى كائن مستهلك.
وهذا التمثيل المخطئ يشير إليه علي زيعور حيث يبدو أن الدراسات التراثية العربية في المرأة -الغزالي، إخوان الصفا، الفقهيات، والقطاع الجنسي عموما- لا تعنى بالمرأة مدلولا واعيا، أو “الأنا ” الواعي، في الإنسان؛ إنها تعني ما نسقطه على الشيطان في مدلولاته التي تكشف عن اللاوعي والمكبوت والظلّي والمعتم، وكل هذا بحاجه إلى زحزحة عن تمركزاته وانجراحاته ونهاياته التي لا تزيدنا إلا ضعفا على ضعف.
التصورات النمطية تتناسى أن المرأة ليست وجودا ماهويا جامدا، إنها بعد وجودي وهوية تتجدد وتتشكل زمنيا ومكانيا
لهذا نريد هنا أن نمارس القراءة على سبيل النقد والتجديد في قواعد الرؤية والمعاملة بعيدا عن عقائد التمايز والإقصاء على أساس التجييش والتخوين، والتعبئة التي لا تحل ما نعانيه من عزلة اختيارية عن العالم المعاصر الذي يعيش صيرورة هائلة والذي يتشكل ويتغذى أفقه من خلال اتساع معناه بقدر ما يتشكل ويغتني من الطفرات المعرفية والتحولات الحضارية والاجتماعية، في حين أننا ما زلنا نعيش ضمن العوالم المستحيلة المتناقضة مع الحياة ومجرياتها.
وهو كذلك عالم تحكمه رؤية قروسطية متخلفة تتخللها نظرة ما ورائية سحرية أسطورية إلى الوجود وما زال المرء ينتمي إلى ما قبل الأزمنة الحديثة يعيش وفق المعايير القديمة ويتصرف بطريقة لا تبعد كثيرا عن ردود أفعال في وقت تتعدد فيه الدلالات وتتصاعد الإمكانات.
كما يظهر في هذا التقابل: طبيعة/ تاريخ، طبيعة/ فن، طبيعة/عقل، عاطفة/ فعل، لأنه ما من شكّ أنّ التحولات التي شهدتها المجتمعات العربية، إن كان ذلك على مستوى نمط العيش أو أشكال التواصل أو نمط المعرفة القائم على استثمار ما أفرزته الحداثة من قيم، قد أجبرت الإصلاحيين على النظر في منزلة الأنثى ومن ثمة طرحت قضية التعليم وقضية العمل وحق المرأة في الخروج وغيرها من القضايا.
من أجل خلق تكيف بيننا وبين العصر، تكيف استراتيجية تقصد إلى توفير الشعور بالتوكيد الذاتي داخل عالم الأقوياء الذين يهاجمون ويفتشون عن توسيع المدى لحياتهم، والتي توفر المعافاة بتوازن وإيجابية مع الدار العالمية للفكر والإنسان.
نعم إنها محاولة لإحداث معالجة نفسية اجتماعية تراعي ما يعانيه الفرد من انجراحات وتهويمات مسيطرة هي رهينة الخطابات الهاجعة العرفية واللاهوتية والاجتماعية التي لا بد من الحوار معها تأويلا وتحويلا من أجل المعافاة، والذي يعمل على تفكيك التلازم بين النحو والبلاغة وما ينتجاه من صور وإزاحات، فهذا التوتر بين البلاغة والنحو هو المسؤول عن نسبية الحقيقة التي يمكن أن تدلي بها اللغة وبالتالي العمل على نقد تلك الصور الكامنة النمطية والتي تشكل منظومة من الإقصاء الذكوري الذي يعمل على تهميش الأنثى وإلحاقها بالأنا الذكورية من البلاغة والصور الإقصائية التي تحاول الخوض في تلك الصور النمطية وتحاول كشف العمى الثقافي الذي يحيل إلى مواضعات كثيرة متداخلة.
ضمن هذا العالم المستحيل خلق الرجل مخيالا يقوم على الرغبة والإقصاء، تلك الإقصائية التي تمتد عميقا في المخيال الذكوري المتعلقة باللغة وآليات التمثيل شعرا ونثرا عقيدة وطريقة وكما يقول عبدالله الغذامي “علاقة المرأة باللغة كمنجز تعبيري بواسطة الحكي والكتابة، فإننا هنا نقف على الحكايات المأثورة
التي تتعامل مع المؤنث وتجعل التأنيث مركز الحبكة التي تتحول إلى معتقدات أو صورة نمطية ثابتة وهو ما سميناه بالجبروت الرمزي”. (عبدالله الغذامي – ثقافة الوهم، ص5 )، ومن أجل تفكيك هذه السردية، نجد أنفسنا إزاء الثنائيات الآتية: صورة الجسد المقصي/ الأنثى.
في هذه الثنائية نحن أمام محور للحكاية السردية، وهي تضع تصنيفا للجسد وهو تصنيف حط من قدر الجسد بفعل ذلك الجبروت الذي شكل رأسمال الذكوري باعتباره منذ الخطاب الأورفي القديم الذي أقصى الجسد وتمركز حول الروح، أقصى الأنثى وتمركز على الذكورة، كما صوره أفلاطون في الحب الأفلاطوني مما حول المرأة رمز الغواية في أقوى تعبير “باندورا” أول كائن أنثى مارست الغواية استدراجا “لايبيميتيوس” أخت “بروميثيوس” لتكون أول كائن أنثى حل بعالمنا لغرض تنفيذ مؤامرة انتقامية، “إنها كائن جزافي بامتياز! جاءت إلى عالمنا بأجندة تدميرية حاملة في جيدها كافة أنواع الشرور”. (إدريس هاني، تأنيث الأنثى، مجلة الوعي المعاصر، ص101).
بهذه اللغة يتم رسم ملامح ذلك المخيال الإقصائي الذي يجعل من الأنثى بمثابة مخزن المتضادات يرمي فيها الذكر كل نواقصه ومخاوفه ولكشف تغلغل السلطة ونشاطها في اللغة والتعابير والمصطلحات بوصف اللغة تجسيدا لأسلوب النظر والعمل والشعور تمنح مقوماتها الاستثنائية من خزان اللساني والرمزي الذي تمثله اللغة، فلا بد من “أن نعي كيفية تشكل هذه الذات نصيا وهي الوليدة لنتاج مفاهيمي ثابت وخاص تخضع فيه لعقل مستزرع، لكن هذا المنحى يساعدنا عبر النبش في أصول الأصول التي شكلت الخطاب الأنثوي إبداعيا، وإنسانيا، وفكريا، بعد عقود من ممكن المتعلم”. (سالمة الموشي، الحريم الثقافي بين الثابت والمتحول، 2004، ص21).
الجسد الأنثوي
كل هذه التصورات النمطية تتناسى أن المرأة ليست وجودا ماهويا جامدا، إنها بعد وجودي وهوية تتجدد وتتشكل مع الزمان والمكان؛ إلا أن التصورات النمطية تحاول المضي في اختلاق تصوراتها عن الأنثى وقيمها، خاصة آلية النبذ اللاشعوري، فالذكر قبل أن يقوم على وأد الأنثى في التراب يقوم بقتلها في أعماقه بوصفها آخر، وبقيت تلك الصورة التخيلية حاضرة في عمق هذه الثقافة إذ ثمة نظرة قارة تعكس خضوع الظواهر البشرية والثقافية والدينية لتفسير مركزي غير خاضع للتغير.
ويتم استبطان أنساق هاجعة داخل الأنا الجمعية “لمنظومة تحكمت تاريخيا واجتماعيا ومعرفيا في تشكّل حالة الثبات التي اعتمدت سلطة امتثال وفق وعي ممنهج استمد مشروعه الوجودي من النسق الواحد الذي لا يتعدد باعتبار الذات الأنثوية فكرة ثابتة… تظهر فيها الأنثى بوصفها آخر ومخزن التضاد الذي يعاد إحياؤه دائما عبر السجالات الحياتية التي تعكس موقفا نكوصيا لا يساهم بمغادرة تلك الارتهانات التي تعكس أفكارا راسخة قائمة على أنقاض الجنسي، مفعمة بقيم سامية لأن الآخر/ الأنثى منفعل مقابل الأنا الذكورية الفاعلة”. (سالمة الموشي، الحريم الثقافي بين الثابت والمتحول، 2004، ص102).
في النصوص الشعرية والفقهية والصوفية تغدو الأنثى محل إمتاع للرجل، وهذا يعكس سمة نسقية ومظهرا ثقافيا
هذه الثنائية الضدية بحاجة إلى إعادة التفكير فيها وبالقبليات التي تحركها لكي نتغير ونغير بالفكر الحي والمتجدد متجاوزين قيمنا الإنسانية المستهلكة ونجترح قيما جديدة قادرة على جعلنا نتجاوز عوائقنا التي تلغم صيغ الاندماج السوي بالعصر ورهاناته منفتحين على الأفق الجديد الذي يتسع من تغذية معناه معرفة وتحويلا ثقافيا وحضاريا تتضاعف به إمكانياتنا وتتجدد أنماط الرؤية وقواعد المعاملة.
من مقومات هذه السردية؛ أنها تقوم على رؤية نمطية تنطلق من موجهات تخيلية تمثل زاوية النظر إلى المرأة، فإلى جانب الإقصاء الجسدي بشكل عام والأنثوي بشكل خاص ثمة نظرة أخرى للأنثى وهي المرتبطة بالرغبة في وصفها انعكاسا لرغبة ذكورية ذات جانب واحد قائمة على تفخيم الأنا الذكورية، الأمر الذي يقود إلى خفض قيمة الآخر/ الأنثى ونحن هنا أمام تصوير تخيلي ذكوري يتم فيه تكوين بلاغة ذكورية يتحول بمقتضاها الجسد الأنثوي ومن بعده الأنطولوجي إلى جسد متخيل.
وهذا ما انعكس في النصوص الشعرية والفقهية والصوفية التي تغدو الأنثى فيها محل إمتاع للرجل، وهذا الضرب من الأداء البلاغي يعكس سمة نسقية ومظهرا ثقافيا ينعكس في ملامح الجسد وعلاماته الحسية “إنه جسد من خلق مخيلة الواصف، يمنحه من توقعاته وحساسيته كل ما ينقصه من الاكتمال والتعالي. هو صورة لأنه يتم تجريده في الكثير من الأحيان من خصائصه الظاهرية وعزله عن محيطه لإعادة تركيبه في مخيلة اللغة وفق منظور يسلب منه طابعه الوجودي”. (فريزا هي عن صورة والجسد والمقدس في الإسلام، 2000، ص146). فهذه الخطابات تنطلق من استراتيجيات ثقافية والتي هي بمثابة المنطلق لما يتشكل من تمثل عن الآخر (الأنثى)؛ بالإضافة إلى أن تلك التمثلات الخطابية تمنحنا نوعا من المتعة؛ إذ “تقوم الخطابات بتنظيم رؤيتنا للعالم، فنحن نعيش الخطابات ونتنفس الخطابات ونعمل دون وعي كحلقات في العديد من سلاسل السلطة”.
(هانس باراتس، ما بعد الحداثة، مجلة نزوى)، فالجسد في تلك النصوص من خلال اللغة والخطاب والمقارنة التركيبية يكف عن أن يكون جسدا واقعيا ليغدو جسدا ثقافيا بالدرجة الأولى لأن التعامل معه يكون انطلاقا من مخزونه الفكري وذاكرة اللغة وقيمها وأخلاقها، وأيضا من خلال الممكنات البلاغية إذ يتحول الجسد في هذه اللعبة التأملية إلى مشهد للمتعة والتأمل الجمالي. فتلك النصوص التي تتعامل مع الجسد كبعد جمالي إمتاعي تكشف عن صورة تخيلية زائفة تظهر الأنثى وكأنها بعد لذة الرغبة المكبوتة ناسيا البعد الروحي، فالروح هي مادة الجسد التي تنظم الحالة الشعورية والمعنوية والجسد يمثل وعاء الروح والحاضن المادي المعرفي والتراكم الحياتي بعيدا عن الإقصاء حول الوهم وإقصاء الآخر.
تلك التصورات تبقى وسيلة زائفة للتعرف على هويتنا؛ لأنها تشبه “المرحلة المرآتية” في تصور لاكان إذ نصطدم بالصورة “المرآتية” التي يعكسها العالم باتجاهنا؛ ولكن تلك الصورة، تماما كتلك التي تعكسها مرآة حقيقية، مشوهة وتؤدي إلى “تعرف مخطئ” ، ولكن هذا “التعرف المخطئ ” يظل يشكل أساس ما نعتقد أنه هويتنا.
ففي نظر لاكان نحن بحاجة إلى تجاوب واعتراف الآخرين و”الآخر” لنتوصل إلى ما نعيشه كهويتنا. أي أن “ذاتيتنا” تُدرَك في تفاعلها مع “الآخرين”، أي مع الأفراد الذين يشبهوننا بشكل أو بآخر ولكن أيضا يختلفون عنا بشكل واضح؛ فنحن نصبح أنفسَنا عن طريق نظرات أخرى ـ منظورات أخرى – عن أنفسنا. وأخيرا، بما أننا تركنا كل ما هو قبل أوديبي خلفنا ودخلنا عالم اللغة وأخضعنا أنفسنا له، يمكن أن نقول إن الهوية بناء لغوي: نحن مبنيون في اللغة، أو من اللغة، لكن تلك اللغة ليست لغتنا ولا تستطيع التعبير عما نريد قوله حتى ولو استطعنا، مثلا، أن نعرف محتويات لاشعورنا. (هانس باراتس، ما بعد الحداثة… مجلة نزوى).
المرأة ناقدة ومفكرة
بعد أن تناولنا العوائق التي تحول دون ظهور خطاب فلسفي ناقد في التراث العربي، نحاول، الآن الوقوف عند تجارب مهمة يمكن أن تكون تصورات عن المرأة الناقدة والمفكرة، فهذا التحديث النقدي يميل إلى الاختلاف مع التصور السائد عن المرأة يمثله كل من فاطمة المرنيسي ونوال السعداوي، إذ أن هاجسهما الوحيد هو تحرير المرأة، إلى جانب حركة كبيرة في هذا المجال حاولنا تأكيدها من خلال هذين الخطابين البارزين:
خطاب نوال السعداوي
بالسعي الحثيث إلى تشكيل علم للجنس يهدف إلى تحرير المرأة والرجل من هيمنة قرون من التقاليد والاضطهاد والتشويه والتجاهل لحقيقة الجنس – كما تصوره هي – تشير إلى أن المعروف بيولوجيا وفيزيولوجيا أنه ليس هناك من هو ذكر خالص مئة في المئة ومن هو أنثى مئة في المائة، بل إن الأعضاء الجنسية والهرمونات الجنسية في كلا الجنسين تتداخل. (الأنثى من الأصل ،1974، ص 79).
جاء هذا في إطار سعي نوال السعداوي لقول حقيقة الجنس، فتربط بين بيولوجيا التناسل وطب الجنسانية، إنها لا تمل من الاستشهاد بالبيولوجيا، لتؤكد على أن الأنثى هي الأصل. من عالم النبات حيث تستمر المدقة (العضو الأنثوي) في الحياة خلافا للسداة (العضو الذكري)، إلى عالم الحيوان حيث تحمي الدجاجة فراخها.
إن السعداوي تجد في البيولوجيا ملاذها لتؤكد على القدرة اللامحدودة عند الأنثى على الإخصاب، وكذلك ميزة الإنجاب التي تزود الأنثى بقدرة لا محدودة أو لانهائية على أن المرأة بيولوجيا أرقى جنسيا وأكثر قدرة على الإثارة والمتعة من الذكر. بل إنها تندفع باستمرار إلى حقل طب الجنسانية، الحقل الذي يهدف إلى معرفة علمية لحقيقة الجنس، معرفة ظلت محكومة بإرادة عدم معرفة عنيدة. وباندفاعها تدفع القارئ إلى متاهات طبية تتعلق بحقيقة الأنثى الجنسية وذلك في إطار سعيها إلى التأكيد على أن “الأنثى هي الأصل”.
والسعداوي تذهب إلى أكثر من ذلك فهي تستنجد بالتاريخ لتأكيد صحة فرضياتها العلموية، إذ هي تؤكد على هذه الجدلية: تاريخ الأقوام البدائية حيث كانت الأمومة موضع اعتزاز وقداسة ومكانة متميزة للمرأة وتاريخ مصر الفرعونية حيث لم تعرف المرأة المصرية الحجاب وكانت تختلط بالرجال.
إن السعداوي تطرح السؤال بالشكل التالي: لماذا يُنظر إلى الجنس على أنه إثم؟ وإذا كان الجواب ذا مرجعية ثقافية فإنها لا تفلح في قراءة المرجعية الثقافة بالرغم من إصرارها على أن قضية المرأة في النهاية قضية سياسية. (تركي الربيعو، الخطاب النسوي المعاصر قراءة في خطاب نوال السعداوي وفاطمة المرنيسي، 12-1-2015).
خطاب فاطمة المرنيسي
لكن ما يميز المفكرة المغربية فاطمة المرنيسي هو تأويلها للمقروء التراثي، التأويل الذي يجعله معاصرا لنفسه ومعاصرا لنا في آن. وهي تتقدم في هذا المجال الوعر خطوات كبيرة إن لم نقل مفارز، وهي بذلك تدير ظهرها لـ”بيولوجيا التناسل” التي تعيرها السعداوي اهتماما كبيرا.
إنها تستخلص معنى النص من ذات النص نفسه أي من خلال العلاقات القائمة بين أجزائه وهي توظف لهذا المجال دون أن تصرّح بتلك المكتسبات المنهجية التي وفرتها الثورة في مجال العلوم الإنسانية، فهي تمزج المعالجة البنيوية والتحليل التاريخي للنص التراثي دون أن تغفل البعد الأيديولوجي مع بداية عقد الثمانينات من هذا القرن. إن فعل القراءة هذا الذي تقترحه المرنيسي وتمارسه، ليس محايدا، إنه رد فعل واع على عملية التجهيل المستمرة من جهة وعلى الجهل بالماضي من جهة ثانية. (تركي الربيعو، الخطاب النسوي المعاصر قراءة في خطاب نوال السعداوي وفاطمة المرنيسي، 12-1-2015).