تحديد شركات التكنولوجيا اتجاه المستقبل مهمة محفوفة بالمخاطر

باريس- يعتبر الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد سايمون جونسون، وهو أستاذ في معهد ماساتشوستس المرموق للتكنولوجيا، أنّ إعطاء قادة الشركات التكنولوجية الكبرى سلطة واسعة تتيح لهم اتخاذ قرارات مصيرية بشأن المستقبل، سيكون على حساب المصلحة العامة.
ويتطلع عمالقة القطاع إلى تجاوز التركيز على السحابة مع تحول أنظار المسؤولين التنفيذيين بشكل واضح إلى الذكاء الاصطناعي، بما قد يعوض للشركات بعض المكاسب التي فقدتها جراء التقلبات الاقتصادية العالمية المعاكسة.
ويرى الخبراء أنه سواء كانت الشركات تبيع الإعلانات أو الهواتف الذكية أو الرقائق الدقيقة، فإنه يجب عليها كلها أن تثبت للسوق أنها في موقع متقدم في السباق نحو الذكاء الاصطناعي التوليدي.
ويؤكد الخبير الاقتصادي البريطاني – الأميركي، على ضرورة أن يستفيد الأشخاص الأقل كفاءة من الذكاء الاصطناعي، مشددا على مخاطر أتمتة العمل، وهو أحد مواضيعه المفضلة إلى جانب العلاقة بين النظام الديمقراطي والازدهار الاقتصادي.
وفاز جونسون بجائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2024 إلى جانب الأميركي – التركي دارون عجم أوغلو والبريطاني – الأميركي جيمس روبنسون.
وتتناول أبحاثه العلاقة بين المؤسسات الديمقراطية والتقدم الاقتصادي، لكن قسما كبيرا من السكان في الدول الغربية يتجهون نحو الحركات الشعبوية لأنهم يشعرون بأنهم مستبعدون من النمو.
ويفسر جونسون ذلك بالقول “كنت في فرنسا خلال الانتخابات الأخيرة ولست خبيرا في شؤون هذا البلد، ولكن بدا لي أن السكان حتى في المناطق المزدهرة، يشعرون بخيبة أمل وإحباط، ولديهم شعور بأن الديمقراطية ليست مُطبّقة. والوضع نفسه سائد في الولايات المتحدة”.
وأوضح في مقابلة هاتفية مع وكالة فرانس برس أن عدم القدرة على تحقيق نتائج في حياة الناس تمثل مشكلة، “ولذا علينا حلّها من خلال إيجاد المزيد من الوظائف ذات الجودة”.
وقال “هذا أمر أساسي: وظيفة تكون فيها إنتاجية الشخص أعلى، وراتبه أعلى، وظروف عمله وحياته أفضل مما كانت عليه في السابق وأفضل من ماضي والديه”.
وأضاف “إذا قدّم نظام ما وعودا في هذا الخصوص ولم يفِ بها، فأعتقد أنّ علينا توقّع خيبة أمل وردود فعل عكسية”.
وللطريقة المُعتمدة في ابتكار التكنولوجيا وتطويرها ونشرها تأثير كبير على نوع الوظائف التي يتم إيجادها.
وفي ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، قد يؤدي ذلك إلى زيادة إنتاجية العمال الأقل كفاءة ورواتبهم، وربما تنتج عنه أتمتة مفرطة، مما قد يتسبب بصرف العمال في المتاجر لاستبدالهم بماكينات أوتوماتيكية.
وتساءلت فرانس برس عن المستفيد من الذكاء الاصطناعي في هذا السياق؟ الموظفون الأكثر تعلّما؟ لكن جونسون يبدو واضحا في موقفه تجاه ذلك. وقال “لنكن صادقين، الذكاء الاصطناعي مفيد بشكل رئيسي لشركات التكنولوجيا الكبرى. ويُنظر إلى مَن يديرون هذه المجموعات على أنهم أبطال اليوم، ولكن أعتقد أنّ علينا أن نسأل أنفسنا ما إذا كان ينبغي لنا أن نعهد بهذا القدر من السلطة إلى عدد قليل من الأشخاص”.
وأضاف إن “الرؤية التي تشكل التكنولوجيا حاسمة جدا. لقد تحدثنا إلى أعلى المسؤولين في الحكومة الأميركية وقلنا لهم لا تدعوا كبار الفاعلين في المجال التكنولوجي يسيطرون على ما تم ابتكاره، وكيفية استخدامه، وتأثيره على الوظائف”.
وبرر جونسون ذلك قائلا “لأن ما سنحصل عليه هو رؤيتهم للمستقبل، ليس لشعبنا ولا لمجتمعنا، بل لثرواتهم الخاصة”. ويعتقد الأكاديمي الأميركي أن هناك بالتالي حاجة إلى مزيد من القوانين الخاصة بالشركات التكنولوجية الكبرى.
وأوضح أن النموذج الاقتصادي لمجموعة ميتا مالكة فيسبوك وإنستغرام ومجموعة ألفابت الشركة الأم لغوغل وعدد قليل من الشركات الأخرى يقوم على الإعلان الرقمي، الذي يسترعي انتباه المستخدمين ويتلاعب بمشاعرهم.
وقال إنه “أمر ضار للصحة النفسية، وضار جدا للأطفال، ومروّع للديمقراطية، لأنّ ما يريدونه هو جعلك غاضبا، وغاضبا من الآخرين”. وأضاف “علينا أن ندرك أنّ الإعلان الرقمي يشبه التبغ والوجبات غير الصحية”. ولا يقترح جونسون حظر الإعلانات الرقمية، لأنه لا يعتقد أن ذلك سينجح، ولكن ينبغي فرض ضرائب مرتفعة عليه.
وأضاف “نحن مع دارون عاصم أوغلو نقترح فرض ضريبة مرتفعة جدا على الإعلانات الرقمية التي تولّد نحو مئتي مليار دولار من العائدات الإضافية للولايات المتحدة، وهو مبلغ كبير في المرحلة الحالية”. وتابع “نقترح أن يخصص الكونغرس قسما من هذه الأموال للصحة الذهنية، بما في ذلك صحة الأطفال النفسية”.
وبغض النظر عن ذلك كله، فإن دفع هذه الشركات إلى تغيير نموذجها الاقتصادي والاعتماد بشكل أقل على الإعلانات سيكون مفيدا للكثيرين، على أصعدة عدة وعلى صعيد الديمقراطية. علينا تغيير الوضع والعودة إلى البحث عن أرضية مشتركة.