تحديث المنظومة السياسية والاحتقان المجتمعي أبرز تحدّ للأردن في 2022

عمان- شهد الأردن عام 2021 أحداثا داخلية لم يعهدها منذ تأسيس الدولة قبل قرن كامل، وضعت المملكة على المحك، وكانت بمثابة اختبارات حقيقية لمدى تماسكها، خاصة مع ما تركته من تداعيات وآثار وردود فعل على الصعيد الداخلي، فيما يرى مراقبون أن توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية والانتخابات المبكرة المزمع عقدها في الخريف المقبل، إلى جانب امتصاص الاحتقان المجتمعي، هي أبرز التحديات التي تواجهها عمان في عام 2022.
وشهد الأردن عام 2021 أزمة اقتصادية حادة أرخت بظلالها على المقدرة الشرائية للمواطنين، حيث ارتفعت نسبة البطالة وهامش الفقر، ما أدى إلى احتجاجات شعبية حملت مطالب سياسية أيضا؛ إذ دعا الأردنيون إلى توسيع المشاركة السياسية في الحكم وهو ما استجاب له العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بتشكيل لجنة ملكية لتحديث المنظومة السياسية تمهد لنشوء حكومات برلمانية. وجرى تحويل توصيات اللجنة إلى البرلمان من أجل العمل على مناقشتها لإقرارها كقوانين نافذة.
ç المؤشرات تدل على أن سنة 2022 ستكون أصعب من سابقتها لأن المأزق المالي سيتعمق بسبب تراجع إيرادات الضرائب وتراجع المنح والمساعدات
وخلال النصف الأول من العام مرت المملكة بأزمات حادة حبست الأنفاس، خاصة ما رافقها من إجراءات وقرارات غير مسبوقة، سعت لإعادة ضبط الأمور ووضع حد لها، بما يضمن الحفاظ على أمن واستقرار الأردن.
ورسّخت الأحداث السابقة وتداعياتها -بحسب مراقبين- اقتناعا لدى صاحب القرار بضرورة الحفاظ على استقرار البلاد واتخاذ إجراءات تطمس آثار هذه الأحداث وتحول دون تكرار مشاهدها، إلا أن المؤشرات الاقتصادية السلبية للمملكة حتى خلال العام القادم -بالتزامن مع الانحسار الجزئي لفايروس كورونا- تضع هذه التحديات محل تشكيك، ما ينذر بتواصل الهزات الاحتجاجية الشعبية.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي سعد حتر إن “الأردن يحاول الخروج من عشر سنوات عجاف نتيجة الإغلاقات في كل الجهات”.
ويضيف حتر أن “الأزمات الداخلية عمقت أزمة الثقة بين الشعب ومنظومة الحكومات، ولا بدّ من إعادة بناء الثقة كي لا تتفاقم الأمور”. وتابع “في الوقت الذي دار فيه الحديث عن تحديث المنظومة السياسية، وما لها من دور مفترض في رفع سقف الحريات والتخفيف من حدة الاحتقان الشعبي، وصدور عفو خاص عن متهمي إطالة اللسان على الملك، كانت هناك عدة اعتقالات لناشطين وحراكيين، وهو ما أعطى رسالة متناقضة عن توجهات راسمي السياسات ومقاصدهم”.
وحول رؤيته لمستقبل المملكة خلال العام القادم 2022 أكد حتر على ضرورة “إعادة ترتيب البيت الداخلي، وتخطي حالة الاحتقان عبر إيجاد حلول لثالوث المعادلة الاقتصادية وهو البطالة والفساد والفقر من جهة، وموضوع الحريات من جهة أخرى في ظل قبضة أمنية مشددة، وبخلاف ذلك، نحن مقبلون على المزيد من الاحتقان وعدم الثقة”.
وتوقع “حل مجلس الأمة (البرلمان بشقيه) وإجراء انتخابات مبكرة في الخريف المقبل، بعد إقرار قوانين تحديث المنظومة السياسية المتعلقة بقانوني الانتخاب والأحزاب، وفق ما تشير إليه التسريبات المتعلقة بهذا الشأن”.
وفي المقابل تشير مصادر أردنية إلى أن توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية ستستغرق وقتا طويلا في البرلمان من أجل التوافق حولها، وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى تأخير موعد إجراء الانتخابات المبكرة المعلن عن تاريخها سلفا.

سعد حتر: غياب الإصلاحات عمق أزمة الثقة بين الشعب ومنظومة الحكومات
وتعزو السلطات الأردنية إخفاقها في معالجة الأزمة الاقتصادية -التي لا يبدو أن هناك أفقا قريبا للتخفيف من تداعياتها، مع عجز الموازنة وانخفاض المساعدات الدولية التي تعتمد عليها عمان- إلى أجندات خارجية تستهدف استقرار وأمن المملكة، وهو ما أشار إليه العاهل الأردني في أكثر من مناسبة.
ويقول محمد المومني، الوزير الأسبق وعضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأعيان الأردني (الغرفة الثانية للبرلمان)، “إن الأزمات التي مرت بها المملكة خلال العام 2021 كانت دخيلة على مجتمعنا، ولكننا عبرناها أكثر قوة وصلابة”.
ويضيف المومني “وعي الشعب الأردني أحبط كل المخططات التي تُحاك ضد أمن المملكة واستقرارها، مدفوعا بقيادة قادرة على تجاوز الصعاب، مهما تعددت أشكالها ومسبباتها”.
وتابع “هناك جدية واضحة من الملك عبدالله الثاني صوب تحسين وتطوير الأوضاع على مختلف الصعد، وأعتقد أننا سنلمس ذلك خلال العام القادم”.
وتؤكد تقارير دولية وأردنية أن المؤشرات تدل على أن سنة 2022 ستكون أصعب من سابقتها لأن المأزق المالي سيتعمق بسبب تراجع إيرادات الضرائب وتراجع المنح والمساعدات.
ويراهن الأردن على إيرادات السياحة -التي تراجعت بنسبة 81 في المئة العام الجاري- لكبح عجز الموازنة العامة، إلا أن أكثر التقارير تفاؤلا تقول إن عودة السياحة إلى ما كانت عليه ستحتاج إلى ستة أشهر بعد انتهاء الوباء، ما يعني أن سنة 2022 ستكون خارج اللعبة وسيلحقها نصف سنة 2023.
ويشير محللون إلى أن استمرار ارتفاع التكاليف التشغيلية للقطاع العام يعود إلى تباطؤ الإصلاحات المطلوبة، وهي إصلاحات ضرورية يبدو أن الأردن غير مستعد لها.