تحديات متزايدة تختبر سلسلة إنتاج الحليب في المغرب

تحفيزات حكومية تتعلق بزيادة الأسعار لتعويض التكاليف ودعم استيراد وإنتاج الأبقار المحسنة محليا.
الجمعة 2024/11/01
إطعام الناس مهمة ليست سهلة

يواجه قطاع الحليب في المغرب صعوبات متزايدة، حيث تزيد موجة الجفاف المستمرة منذ سنوات والأزمات العالمية وتقلب أسعار السلع الأساسية من تعقيد الوضع، وهو ما يشكل تحديا كبيرا أمام قدرة المهنيين على الصمود.

الجديدة (المغرب) - يجد قطاع إنتاج الحليب في المغرب نفسه منذ فترة في متاهة قلة الأمطار والتكاليف الباهظة، ما يضغط على المنتجين الذين يحدوهم طموح للخروج من هذه الأزمة عبر تقديم دعم أكبر من الحكومة.

وتعد سلسلة الحليب إحدى الفروع الرئيسية للقطاع الزراعي، حيث تسهم بشكل كبير في نمو الاقتصاد المحلي وفي توفير فرص العمل وخاصة في الأرياف.

ويعدّ إنتاج هذه المادة، التي شهدت نقصا في السوق المحلية خلال الأشهر الماضية، ذا أهمية بالغة ليس فقط لتلبية الطلب الداخلي، ولكن أيضا لدعم الآلاف من صغار المنتجين والمربين والتعاونيات.

ووفق وزارة الفلاحة والصيد والتنمية القروية والمياه والغابات، فقد سجل الإنتاج السنوي للحليب الطازج تراجعا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وترافق ذلك مع تراجع في عدد الأبقار المنتجة للحليب.

ويوضح محمد ريطة المدير العام للفيدرالية البيمهنية لسلسلة الحليب (مغرب حليب) أنه منذ سنة 2020 انخفض الإنتاج المحلي بنسبة 25 في المئة، أي من 2.55 مليار لتر إلى أقل من ملياري لتر.

ويتمركز إنتاج الحليب في المناطق المسقية بأكثر من 90 في المئة في خمس جهات هي الدار البيضاء – سطات، ومراكش – آسفي، والرباط – سلا – القنيطرة، وسوس – ماسة، وبني ملال – خنيفرة.

محمد ريطة: منذ سنة 2020 انخفض الإنتاج بنسبة 25 في المئة
محمد ريطة: منذ سنة 2020 انخفض الإنتاج بنسبة 25 في المئة

وتنشط في المغرب حوالي 80 وحدة لتصنيع الحليب ومشتقاته، يمكن تصنيفها قانونيا إلى تعاونيات وشركات، فأما ما كان منها على شكل تعاونية فإن ملكيتها وأرباحها تعود إلى المتعاونين، أي إلى مربي الأبقار. أما الشركات فتعود أسهمها إلى مستثمرين سواء شركات أو أفراد قد لا تكون لهم أي علاقة بهذا القطاع أو الزراعة أصلا.

ولفت ريطة خلال تصريح لوكالة الأنباء المغربية الرسمية إلى أن هذا التراجع يلاحظ بشكل أكبر في بعض الجهات، مثل جهة الدار البيضاء – سطات.

والأمر لا يتوقف عند هذه المشكلة، حيث يؤكد ريطة أن من التحديات الأخرى التي تواجه القطاع، انخفاض استهلاك منتجات الألبان ومشتقاتها، خلال السنة الجارية.

وقال إنه “رغم هذا الانخفاض، فإن مصانع مغرب حليب، التي تمثل 86 في المئة من الإنتاج المحلي، تواصل جمع كل الإنتاج من مورديها وتحويله إلى مسحوق لاستباق الطلب المستقبلي”.

ومن أجل احتواء هذا الوضع، قامت الحكومة بتقديم إعانات للمهنيين بالإضافة إلى زيادة أسعار الحليب المدفوعة للمربين بنسبة 30 في المئة، واستيراد الأبقار وهو ما شكل دعما مهما للقطاع.

ومع ذلك، ما تزال هناك تحديات تتعلق بإعادة تكوين رأسمال الماشية. وقال ريطة إنه “يوجد حاليا في طور الإنجاز إصلاح تشريعي للقانون حول تربية الماشية لتحسين تدبير هذا القطاع، يشمل صحة الماشية وإمكانية تتبعها”.

ويطالب المهنيون بإجراء إصلاحات عاجلة، منها الإعفاء من ضريبة القيمة المضافة على استيراد الأعلاف والأغذية البسيطة في إطار مشروع قانون المالية لسنة 2025، فضلا عن دعم العجول المستوردة والمنتجة محليا.

ويقول بعض المربين إن الكمية التي تنتجها كل بقرة والسعر الذي يباع الحليب به بالكاد يغطي كلفة العلف، الذي تحتاجه الأمر الذي يحرم المزارع من هامش الربح.

◙ 260 ألف منتج، أكثر من 90 في المئة منهم يملكون 10 بقرات حلوب، وينخرطون في 2700 تعاونية

واضطر الكثير منهم إلى التأقلم مع التكاليف الإجمالية للإنتاج، حيث تصل كلفة علف بقرة واحدة إلى 120 درهما (11.77 دولار)، بينما تنتج ما بين 20 إلى 30 لترا يوميا.

وتلتزم مصانع مغرب حليب بضمان توفير الحليب وإنشاء وحدات جهوية لتأطير مربي الأبقار ومنتجي الحليب من أجل تحسين الإنتاج مع التركيز على التلقيح الاصطناعي والمراقبة.

وفي خضم ذلك، تعتزم الفيدرالية رقمنة القطاع وإعداد دراسات حول تكاليف الإنتاج والأعلاف المائية، وذلك بالشراكة مع مستثمرين محليين وأجانب.

وبحسب بيانات وزارة الفلاحة، فإن هناك 260 ألف منتج للحليب، أكثر من 90 في المئة منهم يملكون 10 بقرات حلوب، وينخرطون في حوالي 2700 تعاونية.

ويؤكد حساين الرحاوي، المدير الجهوي للفلاحة لجهة الدار البيضاء – سطات، أنه رغم التحديات الحالية، فإن المبادرات الجارية تفتح الباب أمام آفاق انتعاش تدريجي لهذا القطاع الحيوي بالنسبة إلى الاقتصاد.

ولدعم سلسلة الحليب، ذكر الرحاوي بأن الدولة اتخذت مجموعة من التدابير، لاسيما في ما يخص زيادة أسعار البيع لتعويض تكاليف الإنتاج، فضلا عن دعم استيراد وإنتاج الأبقار المحسنة محليا.

ومن بين المبادرات التي قدمتها السلطات للقطاع تقديم منح للمربين والمنتجين تصل إلى 4 آلاف درهم (392 دولارا) بالنسبة إلى العجول المحلية، و6 آلاف درهم (588 دولارا) بالنسبة إلى العجول المستوردة.

حساين الرحاوي: الحكومة اتخذت مجموعة من الإجراءات لدعم القطاع
حساين الرحاوي: الحكومة اتخذت مجموعة من الإجراءات لدعم القطاع

وعلاوة على ذلك، تعمل الجهات المعنية على تشديد الرقابة على القطاع، الذي يبلغ رقم معاملاته السنوية 13 مليار درهم (1.27 مليار دولار) تقريبا، والهدف من ذلك الحد من ذبح العجول.

وتشجع الحكومة على إنشاء وحدات صغيرة لمنتجات الحليب لتمكين المربين من تنويع مصادر دخلهم. وتختلف الأرقام التي تتحدث عن معدل الاستهلاك لدى المغاربة فثمة تقديرات تشير إلى مستوى 70 لترا للفرد سنويا، بينما تظهر أرقام أخرى نحو 42 لترا للفرد أو أقل.

ويؤكد المدير الجهوي للفلاحة أنه تم توزيع أكثر من مليون قنطار من الأعلاف المركبة المدعمة على المربين لتحقيق الاستقرار على مستوى أعلاف الماشية.

وأوضح أن القطاع يعاني من تحديات بسبب توالي سنوات الجفاف، وتداعيات جائحة كورونا، وارتفاع تكاليف المدخلات الزراعية كالأسمدة والوقود، مما أدى إلى انخفاض العائدات.

وفي معرض تطرقه لتراجع إنتاج الحليب على مستوى جهة الدار البيضاء – سطات، قال إن “قطاع الحليب بالجهة يضم حوالي 46 ألف مربّ تدعمهم 716 تعاونية و830 مركز تجميع".

ورغم التحديات التي تواجهها سلسلة الحليب، فإن الجهود المشتركة لجميع الجهات الفاعلة توفر آفاقا واعدة للتعافي والنهوض بالقطاع من كبوته.

وبفضل الدعم والمبادرات الرامية إلى تحديث القطاع والالتزام المتواصل تجاه المربين والتعاونيات، يتم وضع أسس متينة لضمان استدامة هذا القطاع، الذي يعد ضروريا للاقتصاد.

11