تحديات كبيرة تنتظر القيادة الجديدة لنقابة الصحافيين التونسيين في ظل واقع إعلامي متدهور

حاجة ماسة إلى حوار جدي حول إرساء منظومة إعلامية جادة وموضوعية.
الاثنين 2023/10/09
رهانات على المكتب التنفيذي الجديد لمسح خيبات الماضي

يتطلع الصحافيون والمهتمون بالشأن الإعلامي في تونس إلى مسار جديد يرتقي بالمنظومة الإعلامية التي شهدت تدهور خطيرا، ويبدون تفاؤلا حيال المكتب التنفيذي الجديد لنقابة الصحافيين بأن يضطلع بدوره في الدفع نحو التغيير الإيجابي.

تونس - اختتمت فجر الأحد أشغال المؤتمر السادس للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والثامن والعشرين للمهنة بانتخاب أعضاء مكتب تنفيذي جديد، حيث فازت القائمة المهنية المستقلة بثمانية مقاعد مقابل مقعد واحد لقائمة “الثبات”.

ويأمل الصحافيون في تونس أن يكون المكتب التنفيذي الجديد على قدر التطلعات، وأن يعمل على توحيد أبناء القطاع المنقسمين على أنفسهم، وأن يتبنى مقاربات موضوعية في التعاطي مع التحديات القائمة، لاسيما في علاقة النقابة بالسلطة السياسية التي زادت من تعميق أزمة القطاع، وتدهور أوضاع أبنائه اقتصاديا واجتماعيا، فضلا عن عمليات التضييق عليهم. ويقول صحافيون إن هناك حاجة اليوم إلى تصويب وضع الإعلام في تونس الذي يشهد حالة تدهور، لافتين إلى أن من أوكد الأولويات تفعيل الاتفاقيات التي تم إبرامها والتي لم تجد طريقها إلى التنفيذ.

ويشير هؤلاء إلى أن هناك نقطة جوهرية تم التغافل عنها وهي كيفية النهوض بالمضمون الإعلامي الهزيل والذي لا تتوفر فيه أدنى معايير المهنية، معتبرين أن ما يقدم حاليا في وسائل الإعلام لاسيما المرئية منها دون المستوى المطلوب. ولطالما وجه التونسيون انتقادات حادة للمضمون الإعلامي في البلاد، ويتهم قطاع عريض من المواطنين وسائل الإعلام الخاصة بنشر الرداءة، و”تتفيه” النخب، والسعي خلف “الشوو” من دون أي احترام لثوابت المهنة.

صلاح الدين الدريدي: الممارسات الإعلامية تحتاج إلى تأطير قانوني وأخلاقي
صلاح الدين الدريدي: الممارسات الإعلامية تحتاج إلى تأطير قانوني وأخلاقي

في المقابل فإن وضع وسائل الإعلام العمومية لاسيما المرئية منها، والتي تعج بالمئات من العاملين الذين يحصلون على رواتب وامتيازات من دافعي الضرائب التونسيين، لا يقل سوءا، وقد هجرها المشاهدون حيث أنها لا تقدم أي إضافة، وهي تعمد إلى تقديم برامج ومسلسلات مكررة حفظها التونسيون عن ظهر قلب. وتبرز من حين إلى آخر دعوات لمواطنين يطالبون بإلغاء معلوم الإذاعة والتلفزيون من فاتورة الكهرباء، محتجين على دفع المعلوم مقابل مادة إعلامية أقل ما يقال عنها إنها هزيلة، ولا يتابعونها.

وانصبّ تركيز المكتب التنفيذي المنتهية ولايته على مدى الأشهر الماضية على ضرورة الوقوف ضد ما يعتبرها محاولات من السلطة السياسية لإخضاع الإعلام العمومي وتركيعه، واعتبرها المكتب القضية “الأم” التي يجب أن يلتف حولها أبناء القطاع، دون أن تكون له الجرأة في الحديث عن المضمون الإعلامي الذي يقدم، والذي بلغ درجة من الضحالة أدت إلى نفور التونسيين.

ويقول البعض إن المخاوف التي أثارها المكتب التنفيذي المتخلي بشأن إمكانية سطو السلطة السياسية على الإعلام العمومي، هي من المبالغات التي تروج من قبل بعض الأعضاء الذين يملكون أجندات سياسية، لافتين إلى أن إهمال المضمون الإعلامي الخالي من أي دسامة يجب أن يكون من بين القضايا التي تطرح، أما التعامل من منظور سياسي وبنظرة قطاعية ضيقة فلن يفرز صحافة موضوعية وجادة تلعب دورها في الارتقاء بالذهنية المجتمعية.

ويرى هؤلاء أن دور النقابة، وإن كان الدفاع عن منظوريها، فإنه لا يخلي مسؤوليتها تجاه النهوض بالمادة الإعلامية، لافتين إلى أن هناك العشرات إن لم يكن المئات من الدخلاء على القطاع، والذين نجح بعضهم في الحصول على بطاقات انخراط في النقابة، وهو ملف لا بد على المكتب التنفيذي الجديد فتحه.

ويقول مهتمون بالشأن الإعلامي في تونس إنه يجب على المكتب التنفيذي الجديد إعادة ترتيب الأولويات، وأن يرتكز عمله على محورين أساسيين هما: أولا، وضع أبناء القطاع لاسيما الاقتصادي والاجتماعي، حيث أنه لا يمكن الحديث عن إعلام حر فيما وضع الصحافي متدهور، والمحور الثاني هو الحرص على إعادة بناء منظومة إعلامية جادة وموضوعية، حيث أن للإعلام دورا رئيسيا في نهضة الشعوب والارتقاء بالوعي الجمعي.

ويشير المحللون إلى أن ذلك ليس مسؤولية النقابة وحدها بل هو جهد مشترك يجب أن تنخرط فيه بقوة الدولة والهياكل المعنية على غرار وكالة السمعي البصري (الهايكا) ومجلس الصحافة الذي تأسس قبل نحو ثلاث سنوات ولم يبرز له أي نشاط فاعل خلال تلك الفترة، حتى أن هناك الكثير ممن لم يسمعوا به.

وقال صلاح الدين الدريدي أستاذ الاتصال الجماهيري والعلاقات العامة إن “من مقومات حوكمة قطاع الإعلام في مجتمع ديمقراطي التعديل والتعديل المشترك والتعديل الذاتي. الأول توفره ‘الهايكا’ التي أصبحت غائبة تماما، والتعديل المشترك الذي يجمع الإعلام مع القطاعات الشبيهة وهو غير موجود من الأصل، أما التعديل الذاتي فهو موجود ضمن الأهداف الإستراتيجية في القسط الثاني من البرنامج الأوروبي لدعم الإعلام التونسي الذي تتحكم فيه بروكسل مباشرة"، لافتا إلى أن "التعديل الذاتي هو من أهم وظائف مجلس الصحافة الذي تأخر بعثه وولد ميتا وأصبح نسيا منسيا".

◙ انتخابات نقابة الصحافيين التونسيين أفرزت فوز ثمانية أعضاء من القائمة المهنية المستقلة، ومقعد لقائمة "الثبات"

وأضاف الدريدي في تصريحات لـ”العرب” أن “الخاسر هو الجمهور والمنظومة الإعلامية ككل، لاسيما أن الصحافة المكتوبة أصبحت منكوبة ومهددة بالانقراض وأن الممارسات المهنية للإعلام ككل أصبحت تحتاج إلى تأطير قانوني وأخلاقي واضح”، لافتا إلى وجود “أزمة إعلام تنظيمية وهيكلية تستفحل في غياب هيئات مؤسسية توضح سياسات الدولة العامة في قطاع الإعلام".

وتابع أستاذ الاتصال الجماهيري "لكل اختصاصه، لأن أخلاقيات المهنة والتعديل الذاتي جزء لا يتجزأ والحفاظ عليهما مسؤولية مشتركة، الإعلام أصبح متقاطعا مع بعضه البعض، يلتقي فيه المكتوب والمرئي والمسموع والرقمي، والأفضل أن نتحدث عن مجلس للإعلام عوضا عن مجلس للصحافة". واستطرد قائلا "ما يعمق الأزمة الإعلامية في تونس غياب هيئات سيادية تشارك في حوكمة القطاع ووضع السياسات العامة”، مشيرا إلى أن "مجلس الصحافة على سبيل المثال فكرة أوروبية لا ندري من أين جاءت وإلى أين ذهبت".

ويجمع المهتمون بالشأن الإعلامي على أن هناك اليوم حاجة ماسة إلى فتح نقاش جدي بين مختلف المعنيين حول واقع المنظومة الإعلامية ككل في تونس، مشيرين إلى أن القيادة الجديدة للنقابة يمكن أن تأخذ المبادرة في طرح الملف.

وأفرزت انتخابات نقابة الصحافيين التونسيين فوز ثمانية من القائمة المهنية المستقلة، وهم: زياد دبار، زهور الحبيب، جيهان اللواتي، حبيبة العبيدي، ياسين القايدي، كريم وناس، سوار عمايدية وعائدة الهيشري. في المقابل فازت العضو السابق في المكتب التنفيذي أميرة محمد عن قائمة "الثبات". ومن المنتظر أن يتولى زياد دبار منصب نقيب الصحافيين لولاية مدتها ثلاثة سنوات.

5