تحديات تواجه الحكومة المصرية في هندسة الانتخابات النيابية

تواجه الحكومة المصرية ضغوطا من قوى المعارضة تطالبها بتغيير النظام الانتخابي الحالي، واستناده على القائمة النسبية وليس المطلقة كما ترغب الأحزاب القريبة من السلطة السياسية.
القاهرة - بدأت الحكومة المصرية تستعد مبكرا للانتخابات التشريعية المقرر لها العام الجاري، بالاستقرار على زيادة عدد مقاعد مجلسي النواب والشيوخ، كتوصية متوافق عليها في الحوار الوطني بعد زيادة سكانية منذ آخر انتخابات قبل خمسة أعوام.
وتعاملت الحكومة بمرونة مع بعض مطالب القوى المدنية المعارضة بالإعلان عن زيادة عدد الدوائر الانتخابية كخطوة أساسية لتحقيق المنافسة بين المرشحين، ليكون الناخب على علم بالمرشح في منطقته، فكلما زاد اتساع حجم الدائرة الانتخابية أصبحت مهمة النجاح صعبة على بعض مرشحي المعارضة.
وكشفت مصادر سياسية لـ”العرب” أن السلطة ترفض تكرار المشهد الذي خرجت به انتخابات البرلمان الحالي، من استئثار حزب واحد بالأغلبية (مستقبل وطن) أو انخفاض عدد الشخصيات المستقلة والمعارضة، وترغب في وجود قوى وطنية مختلفة تحقق نوعا من التوازن داخل البرلمان، وفي المشهد السياسي بشكل عام.
ويؤخذ على المعارضة في مصر أنها تركز على شكل النظام الخاص بالانتخابات المقبلة أكثر من اشتباكها مع الشارع ومشكلاته وهمومه لمحاولة ترميم شعبيتها، أو على الأقل تجميع قواها ووضع حد لصراعاتها الداخلية حتى تصبح السلطة مرغمة على أن تضع نظاما انتخابيا لا يهمّش كيانات حزبية قوية لديها قواعد جماهيرية.
وحسب نصوص الدستور المصري وقوانين مجلسي النواب والشيوخ، فإن إجراءات الانتخابات البرلمانية تتم قبل نهاية الفصل التشريعي بـ60 يوما، وتقرر أن تبدأ انتخابات مجلس الشيوخ منتصف أغسطس المقبل، بينما تنطلق انتخابات مجلس النواب في الأسبوع الأول من نوفمبر العام الجاري.
ويرتبط الخلاف الوحيد بين الأحزاب القريبة من السلطة وقوى المعارضة بطريقة إجراء الانتخابات، وترفض الحكومة أن تبدو كمن يميل إلى طرف على حساب آخر.
وقال محمود فوزي، وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، إن الحكومة “ستقف على مسافة واحدة وتترك القرار للأحزاب، وإن الحوار الوطني مظلة ترسم ملامح النظام الانتخابي قبل عرضه على مجلس النواب لإقراره، وما تتوافق عليه القوى السياسية سوف يتم تطبيقه.”
لكن المشكلة الحقيقية تكمن في إصرار الكثير من قيادات المعارضة على مقاطعة جلسات الحوار الوطني بحجة أن الموالين للسلطة يقبضون على دفتها بشكل كبير.
وتتمسك المعارضة بأن تتضمن التشريعات الخاصة بالانتخابات ما يُلزم الحكومة بتوفير مناخ مناسب وضمان الحق في التعددية ومراجعة النظام الانتخابي كي يُسمح لكل الفئات بالتمثيل، والتأكيد على استناد قانون الانتخابات على القائمة النسبية وليس المطلقة كما ترغب الأحزاب القريبة من السلطة.
وأعلنت الحركة المدنية (معارضة) موقفها من المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وقالت إن الحكومة إذا أصرت على تقسيم مناطق الدولة إلى أربع دوائر انتخابية والإبقاء على خوض الانتخابات وفقا للقائمة المغلقة/المطلقة، فإنها ستمتنع عن المشاركة، لأن ذلك يقوض قدرتها على الحركة السياسية.
وتقول دوائر قريبة من الحكومة إن تمسك المعارضة بإجراء الانتخابات البرلمانية بنظام القائمة النسبية، أي يتم توزيع المقاعد حسب ما يحصل عليه كل حزب من أصوات، يعني وجود برلمان بلا معارضة، لأن الأخيرة لا تتمتع بشعبية وقد لا تحصل على أصوات كافية تؤهلها لدخول البرلمان.
وتكمن المشكلة الرئيسية في وجود حالة من فقدان الثقة من جانب المعارضة تجاه الحكومة والأحزاب الموالية لها، وترى أن هناك خطة للإبقاء على النظام الذي طبق في الانتخابات السابقة وأفرز برلمانا يتألف من أغلبية مؤيدة للسلطة، واستمرار ذلك يعني إقصاء الأحزاب الصغيرة والشخصيات المستقلة من البرلمان المقبل.
ما يطمئن القوى المدنية نسبيا أن ضياء رشوان المنسق العام للحوار الوطني يميل إلى تأييد موقف المعارضة بإقرار نظام القائمة النسبية في الانتخابات، ويرى أنه بداية لعودة الأحزاب إلى النشاط السياسي بفاعلية ومساعدتها ليكون لها دور مؤثر، ما يعود بالنفع على المناخ العام، وهو موقف تدعمه بعض دوائر السلطة.
وتتحجج أحزاب مؤيدة للسلطة بأن التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه البلاد تفرض الإبقاء على النظام الانتخابي الذي تم تطبيقه وأفرز البرلمان الحالي، وهناك حاجة إلى تكريس الاستقرار التشريعي والسياسي لمواجهة المخاطر، وهي نغمة ترفضها قوى معارضة وتهدد بالمقاطعة.
وقال الرئيس السابق لحزب الكرامة محمد سامي إن النظام الانتخابي الذي تدعمه أحزاب السلطة يظلم المستقلين والمختلفين معها، لأن النجاح فيه مرتبط بالحصول على 51 في المئة من الأصوات واستبعاد من حصدوا 49 في المئة، مع أن مصر تحتاج إلى تعددية سياسية، وليس برلمانا أعضاؤه أقرب إلى المعينين به.
◙ المعارضة تتمسك بأن تتضمن التشريعات الخاصة بالانتخابات ما يُلزم الحكومة بتوفير مناخ مناسب وضمان الحق في التعددية ومراجعة النظام الانتخابي كي يُسمح لكل الفئات بالتمثيل
وأوضح سامي في تصريح لـ”العرب” أن البلاد لا تتحمل استمرار الصوت الواحد داخل البرلمان، والتعددية منصوص عليها في الدستور، لكن هناك من يتحجج بأنها مطبقة بالفعل بوجود ممثلين عن المرأة والأقباط والشباب، في حين أن الظروف السياسية تتطلب تكاتفا وطنيا من خلال وجود المؤيدين والمعارضين في برلمان واحد.
ويبدو أن شكل النظام الانتخابي بات مرتبطا بمدى مرونة الحكومة لتشكيل برلمان متوازن، بعيدا عن هيمنة الصوت الواحد، والعبرة باقتناع السلطة بأن وجود ممثلين للمعارضة لن يؤثر على الاستقرار السياسي ويعيد الاعتبار للبرلمان كجهة تشريعية.
كما أن الجزء الأكبر من أخطاء الحكومة يرتبط بغياب الرقابة البرلمانية، وأي إصلاح حقيقي يرتهن بوجود شخصيات معارضة على أرضية وطنية، لها قدرة على تقويم السياسات الخاطئة، فالأزمة الاقتصادية كان يمكن عدم حدوثها لو وجد برلمان قوي.
وتتحفظ تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، الموالية للسلطة، على إجراء الانتخابات بالطريقة التي ترغبها المعارضة، لأن القائمة النسبية تحتاج إلى حياة سياسية قوية، وهذا غير موجود حاليا، وهي نفس قناعات الحكومة التي ترى أن المعارضة شعبيتها ضعيفة، ويعد ذلك ثغرة قد تنفذ منها شخصيات للبرلمان تابعة لجماعة الإخوان.
وقال وزير الشؤون النيابية محمود فوزي إن الحوار الوطني رفع ثلاث توصيات للرئيس عبدالفتاح السيسي، خاصة بنظام القائمة المغلقة المطلقة (50 في المئة من المقاعد للمرشحين فردي ومثلهم للقائمة)، ونظام آخر بالقائمة النسبية كما ترغب المعارضة، وثالث يجمع بين القوائم المغلقة المطلقة والنسبية والفردي.
وأكد أن الحوار الوطني مستعد لإعادة النقاش حول النظام الانتخابي، شريطة وجود توافق بين مختلف القوى على المشاركة الفعالة، بحيث لا تقرر الحكومة نظاما لا يتفق مع رغبة الجميع، وهي تصريحات طمأنت المعارضة نسبيا، والتي تتخوف من أن تحتكر السلطة لنفسها قرار النظام الانتخابي.