تحديات تعترض تطور أعمال الشركات الناشئة في السعودية

جذب المواهب والمعلومات والتقييم والتخارج مطبات أمام نمو القطاع.
الجمعة 2024/02/23
حدود المنافسة نقطة فاصلة

تعترض الشركات الناشئة السعودية مجموعة من التحديات للتوسع والنمو رغم أنها حققت نتائج إيجابية في السنوات القليلة الماضية، لاسيما من ناحية الحصول على التمويلات الكافية لأعمالها التي شكلت هاجسا لنظيراتها في الأسواق الإقليمية والعالمية.

الرياض - يسود اعتقاد بين المستثمرين والمحللين في السعودية بأن بيئة الأعمال الخاصة للشركات الناشئة تواجه مجموعة من التحديات، باستثناء جمع الأموال، حتى تثبت قدرتها على الصمود وزيادة أنشطتها.

وتطرق هؤلاء إلى مختلف مراحل نشاط الشركات الناشئة بدءا من القدرة على التوسع في أسواق خارجية، مرورا بندرة المعلومات والموارد البشرية، وصولا إلى عمليات التقييم وصفقات تخارج المستثمرين منها.

ويبدو التوسع داخليا ثم الانتشار في الأسواق الإقليمية والدولية من أبرز مؤشرات تحقيق الشركة الناشئة لأهدافها، فالسوق السعودية رغم أنها الأكبر في المنطقة العربية، إلا أنها لا تزال تعتبر صغيرة مقارنة بالأسواق العالمية.

وقال الشريك العام في صندوق سُكنى فنتشرز للاستثمار وليد البلاع لبلومبرغ الشرق إن “التوسع يتطلب الكثير من التمويل، مما يعني أنه على المستثمرين السماح لمؤسسي الشركة بإعادة توظيف معظم أرباحها لدعم النمو”.

وليد البلاع: التوسع يتطلب الكثير من التمويل مما يعني توظيف الربح
وليد البلاع: التوسع يتطلب الكثير من التمويل مما يعني توظيف الربح

وبحسب شركة إمباكت 46 فإن القطاع يضم نحو ألف شركة ناشئة وتقدر قيمتها مجتمعة بنحو 11 مليار دولار، وهو رقم لا يزال صغيرا مقارنة بحجم الاقتصاد السعودي.

ويتفق فيليب بحوشي المدير التنفيذي لشركة ماغنيت مع هذا الاتجاه قائلا إنه “من الضروري توفير التمويل للتوسع إلى أسواق متعددة بهدف وصول خدمات الشركة الناشئة إلى أكبر عدد ممكن من الزبائن”.

لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن رحلة التوسع تتطلب وجود المواهب والمعرفة التقنية لتحقيق ذلك، وهو أحد التحديات الكبيرة، التي تعترض الشركات الناشئة.

وقال بحوشي إن هذا النوع من الشركات يحتاج إلى “مهارات وعقلية مختلفة”، معتبرا أن المنطقة عموما في حاجة إلى تطوير عملية الوصول إلى هذه المواهب.

وأطلقت دول الخليج خلال السنوات الماضية العديد من المبادرات بهدف جذب المواهب، ومنحت تسهيلات كان أبرزها التأشيرات الذهبية.

وكانت السعودية قد أطلقت في يناير الماضي، خمس فئات جديدة من تأشيرة الإقامة المميزة بمدد مختلفة، وذلك في مسعى لاستقطاب المستثمرين وروّاد الأعمال وأصحاب الكفاءات.

ويذهب مارتن الجاعوني، المدير التنفيذي لشركة فندينق سوق للتمويل الجماعي، أبعد من ذلك في حديثه مع بلومبرغ الشرق عن هذا التحدّي.

وقال “الكثير من السعوديين يملكون المواهب والخبرات، لكنهم يذهبون إلى الشركات الحكومية وشبه الحكومية أو شركات الاستشارات، التي تمتاز غالباً باستقرار أكبر ورواتب أعلى مما تستطيع الشركات الناشئة تحمله”.

ورجّح الجاعوني أن تكون كلفة المواهب المتميزة على الشركات في السعودية أعلى من نظيرتها في الدول المجاورة.

وأوضح أن الحكومة تدرك هذه المعضلة، وأنشأت لهذا الغرض العديد من المبادرات التي تهدف إلى دعم المواهب المحلية.

وعلى سبيل المثال، تدفع الحكومة ما يصل إلى 50 في المئة من رواتب المهندسين السعوديين في الشركات الناشئة، في حين أنها تدعم رواتب حديثي التخرج بنحو 4 آلاف ريال (قرابة 1070 دولارا).

ولا تقتصر التحديات فقط على الشركات الناشئة بحد ذاتها، بل تمتد إلى الممولين والشركات العاملة في المجال، لاسيما أن تقييمها يُستمد من مقدار الأموال التي تحصل عليها خلال جولات التمويل من مرحلة التأسيس إلى النمو.

11

مليار دولار قيمة ألف شركة ناشئة تعمل في السوق وفق شركة إمباكت 46

ويشكو البلاع من غياب المعلومات عن الشركات الناشئة، خاصة أنها ليست مدرجة، وبالتالي ليست مضطرة لنشر نتائج أعمالها.

وقال إن المستثمر في الشركات الناشئة مطالب بالاعتماد على “مهاراته وقدراته لاستنباط البيانات اللازمة لاستهداف الشركات الريادية المناسبة له، ومن ثم الطلب منها مشاركة البيانات في حال توافق الطرفين، لتحديد جدوى الاستثمار ولإجراء الفحص النافي للجهالة”.

ويرى أن الشركات السعودية لم تكن بمنأى عن الفورة التمويلية التي اجتاحت الشركات الناشئة بعد فترة الوباء والفائدة الصفرية التي كانت سائدة، ما مكّن الشركات العالمية من أن تحصل على تقييمات مبالغ فيها.

ومع الارتفاع الكبير في أسعار الفائدة، فإن تقييم هذه الشركات بدأ بالتراجع، حتى أن مستثمرين باتوا يتخارجون بسرعة من بعضها.

لكن خبراء أكدوا أن عملية التصحيح في القيمة ستكون أقل تأثيرا على الشركات الناشئة السعودية مقارنة بنظيرتها العالمية.

وشرح البلاع أن المنظومة ككل لا تزال في بداياتها، لكن هذه العملية “ستكون أكثر إيلاما” للشركات الريادية، التي بلغت مراحل النمو المتقدمة، واقتربت من مرحلة الإدراج.

وتواجه المستثمرين معضلة إضافية، فرغبة الشركات الناشئة بالنمو والتوسع وحاجتها إلى الأموال لتحقيق أهدافها، بما في ذلك إعادة توظيف الأرباح، تعني أنهم يجدون صعوبة في الحصول على العائدات سريعا، ما يضطرهم إلى اللجوء إلى بيع حصصهم.

وللتخارج ثلاثة أشكال غالبا، فإما أن يتم طرح الشركة في سوق الأسهم كما حدث مع شركة جاهز في 2022، أو أن تستحوذ شركة ريادية على الشركة الناشئة. أما الشكل الثالث فيتثمل في الصفقات الثانوية وهي بيع المستثمر لكامل حصصه لمستثمر آخر، وهي عمليات خاصة عادة ولا تظهر إلى العلن.

فيليب بحوشي: رحلة نمو الأعمال تتطلب المعرفة التقنية لتحقيق الهدف
فيليب بحوشي: رحلة نمو الأعمال تتطلب المعرفة التقنية لتحقيق الهدف

ويشير البلاع إلى انخفاض وتيرة التخارج عبر الطرح بالبورصة والاستحواذ في السعودية، ما جعل المستثمرين يلجأون بشكل أكبر إلى الصفقات الثانوية “رغم انطوائها على خصومات عالية، تبدأ من 25 في المئة، على البائع تقبلها للحصول على السيولة”.

وكان نبيل كوشك الرئيس التنفيذي للشركة السعودية للاستثمار الجريء، قد صرّح في وقت سابق أن أكثر من 13 شركة ناشئة سعودية تُجهز ملفاتها للاكتتاب العام خلال العامين القادمين.

وقال إن “عمليات التخارج من الشركات الناشئة بأنماطها المختلفة، كالاستحواذات والاندماجات والطرح في سوق الأسهم، ارتفعت من معدل تخارجين في العام إلى 17 تخارجا في السنتين الماضيتين، من بينها طرح وحيد في السوق الرئيسية لشركة جاهز”.

ولعل الحل الأفضل للشركات والمستثمرين يتمثل في الإدراج في أسواق المال، ولذلك، أطلقت الحكومة السعودية في 2017 برنامج “طموح” للمنشآت الصغيرة والمتوسطة ومتسارعة النمو بهدف دعمها.

وأفاد مدير عام المنشآت متسارعة النمو في “منشآت” عبدالرحمن بأن برنامج “طموح” يضم أكثر من 1700 منشأة متسارعة النمو.

وقال إن “البرنامج عمل مع هيئة سوق المال وبورصة تداول، لإنشاء برنامج مخصص لمساعدة الشركات للإدراج في سوق المال الموازية (نمو)”.

وتظهر الإحصائيات الرسمية أن هذا البرنامج ساهم في إيصال قرابة 19 شركة للإدراج في البورصة المحلية منذ إطلاقه.

11