تحديات البحر الأحمر تجعل من السودان أولوية أميركية

تعيين مبعوث أميركي يؤشر على قلق من وصول الحرب إلى الشرق.
الأربعاء 2024/02/28
الوضع يستوجب التحرك

عكس تعيين الإدارة الأميركية لمبعوث خاص إلى السودان، تعاظم حجم القلق حيال الحرب الدائرة في هذا البلد، والمخاوف من استثمارها من قبل خصوم إقليميين ودوليين مثل إيران وروسيا.

الخرطوم - فرض اضطراب الأوضاع في البحر الأحمر نفسه على التوجهات الأميركية تجاه الحرب في السودان، وانعكس على زيادة الاهتمام بالصراع الدائر منذ منتصف أبريل الماضي بين الجيش وقوات الدعم السريع، وظهر ذلك تعيين مبعوث أميركي خاص بالسودان بدلاً من السفير جون جودفردي الذي غادر منصبه كأول سفير للولايات المتحدة في الخرطوم بعد غياب استمر نحو ربع قرن.

وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بيان له، الاثنين، إن الدبلوماسي السابق وعضو الكونغرس توم بيرييلو سيتولى دور المبعوث الخاص ويعمل قائما بالأعمال مؤقتا كمدير لمكتب شؤون السودان، ومقره إثيوبيا، في وقت تسعى فيه واشنطن لزيادة التركيز على إنهاء الصراع بعد تعثر منبر جدة.

الشفيع أديب: تعيين مبعوث أميركي يعزز إمكانية الضغط على طرفي الصراع
الشفيع أديب: تعيين مبعوث أميركي يعزز إمكانية الضغط على طرفي الصراع

ويشير اختيار بيرييلو، الذي كان على رأس الوفد الأميركي في مفاوضات جدة، إلى أنه يملك خلفية دقيقة حول طبيعة الصراع، قد تؤهله ليصل إلى مفاتيح حل سياسي تدعمه بلاده لضمان عدم حدوث اختراقات جديدة في منطقة البحر الأحمر من جانب إيران أو روسيا، تضع إدارة الرئيس جو بايدن أمام مطبات إستراتيجية أشد عمقا.

ويخلط احتمال وصول الحرب إلى إقليم شرق السودان المطل على البحر الأحمر ويتحصن فيه قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان، الكثير من أوراق واشنطن التي تخشى حدوث تهديدات جديدة تؤثر على أمن المنطقة، وتدرك أن الحل السياسي العاجل في السودان يضمن عدم حدوث خلل في التوازنات القديمة.

وتدفع هذه النوعية من المخاطر نحو إدخال تعديلات على الرؤية الأميركية الخاصة بالتعاطي مع الصراع المحتدم في السودان، بما يجعلها أكثر فاعلية من خلال إجراء مزيد من المشاورات مع كافة الأطراف والتعرف على السبل التي تطمئن كلا من الجيش والدعم السريع لدعم مسار المفاوضات، فعودة التصعيد في أم درمان وتدهور الأوضاع الإنسانية والسيولة الأمنية المتفاقمة تشكل خطراً على مصالح واشنطن.

وأكد المبعوث الأميركي الجديد أنه “سيبني على جهود الشركاء في جميع أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط لوضع حد للحرب والأزمة الإنسانية والأعمال الوحشية”.

وعكس تعيينه مدى الأهمية التي توليها الإدارة الأميركية لوقف الحرب ووضع حد لكثير من الأعمال المرتكبة بحق المدنيين ومنع تحول الوضع الإنساني القاتم لمجاعة.

وقال القيادي البارز بحزب الأمة القومي إمام الحلو إن تعيين مبعوث رئاسي أميركي حاليا يؤكد اهتمام واشنطن الكبير بالصراع في السودان، ويعني أن ملف الحرب في عهدة الرئيس بايدن، وربما يكون ذلك نجم عن ضغوط مارسها أعضاء في الكونغرس بعد انتقادات كبيرة وجهت لإستراتيجية الولايات المتحدةحيال ما يجري في السودان.

المبعوث الأميركي الجديد أكد أنه سيبني على جهود الشركاء في جميع أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط لوضع حد للحرب

وأضاف الحلو في تصريح لـ”العرب” أن المواجهة التي تتسع مع إيران وأذرعها في المنطقة تجعل الولايات المتحدة أكثر انتباها لما يدور في السودان، خاصة ما يتعلق بالوضع الإنساني الذي يقود لقناعة بضرورة وقف الحرب والتدخل بفاعلية مقارنة بجهود محدودة قامت بها واشنطن من دون تحقيق اختراق ملموس، وأن وجود مبعوث أميركي يوجد فرصة لزيادة التنسيق مع أطراف إقليمية تدعم وقف القتال.

وجاء تعيين المبعوث الخاص إلى السودان بعد ضغوط قادها مشرعون أميركيون على إدارة بايدن لتصحيح ما تشهده الحرب في السودان، والحد من ارتكاب فضائع، وحثوا في ديسمبر الماضي على اتخاذ نهج أكثر قوة تجاه الحرب، خاصة مع استمرار القتال العنيف وتنامي الفوضى، وفشل جهود الوساطة لوقف الصراع.

وحاز بيرييلو على عضوية الكونغرس عن الحزب الديمقراطي عام 2009، وتولى مهام دبلوماسية في إدارةباراك أوباما،وعمل مبعوثا لمنطقة البحيرات العظمى.

ولفت إمام الحلو في تصريحاته لـ”العرب” إلى أن الولايات المتحدة لديها إمكانيات تجعلها مؤثرة في المشهد الراهن، إذا كانت تملك الرغبة الكافية لوقف الحرب، وأن المجتمع السوداني ينتظر دورا أكثر فاعلية من واشنطن لوقف القتل والدمار في أسرع وقت.

إمام الحلو: المجتمع السوداني ينتظر دورا أكثر فاعلية من واشنطن
إمام الحلو: المجتمع السوداني ينتظر دورا أكثر فاعلية من واشنطن

وشدد على أن الأحاديث الأميركية عن أن السودان له أولوية تكررت منذ اندلاع الحرب، لكن الواقع يشير إلى اهتمامها بمناطق أخرى مشتعلة على حساب السودان، وأن قضية المجاعة تستوجب تحركا عاجلا لوقف إطلاق النار ثم إيصال المساعدات، حتى يتم الوصول إلى مرحلة العدالة الانتقالية وتحقيق التحول الديمقراطي.

وقامت مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية مولي في بزيارة إلى أديس أبابا مؤخرا، التقت خلالها ممثلين من قوى سودانية مختلفة، وهي إشارة دلت على اهتمام أميركي متصاعد، خاصة وسط توتر جديد في القرن الأفريقي بين الصومال وإثيوبيا، تراه الإدارة الأميركية قد يؤثر على أمن الملاحة في البحر الأحمر.

وكشف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر قبل أيامأن بلاده قلقة من القرار الأخير للجيش السوداني بحظر المساعدات الإنسانية عبر الحدود من تشاد، وأن ثمة تقارير أفادت بإعاقته وصولها لمناطق تسيطر عليها قوات الدعم السريع.

وتوقع المحلل السياسي السوداني الشفيع أديب أن تظهر الولايات المتحدة جدية أكبر في إنهاء الحرب في السودان وتسعى لترك بصمتها في جهود وقف القتال بعد أن تعرضت مصالحها للضرر على مستوى الاستثمارات وتعطل اتفاقيات النفط والتنقيب عن الذهب وتأثر صادرات الصمغ العربي الذي تحتاج إنتاجه السوداني، وهو ما دفعها لدراسة الواقع مؤخرا والتعرف عن كثب على طبيعة الأزمة الراهنة.

وأوضح أديب في تصريح لـ”العرب” أن السفير الأميركي السابق لم يترك بصمة إيجابية تجاه التسوية، لكن تعيين مبعوث رئاسي يعزز إمكانية الضغط على طرفي الصراع لوقفه، وحصر الحرب في نطاقها العسكري، ما يدفع واشنطن لتوسيع سلاح العقوبات على الطرفين المتحاربين، إذا لم تجد استجابة سريعة لجهود السلام.

ودمر القتال أنحاء كبيرة من السودان، منها العاصمة الخرطوم، وأدى وفق تقديرات الأمم المتحدة بحياة أكثر من 13 ألف شخص، وفر نحو 1.6 مليون شخص، وتفاقمت أزمة النزوح في الداخل، وحذرت المنظمة الدولية من حدوث مجاعة واسعة.

2