تحديات إصلاحية شاقة تنتظر المحافظ الجديد للمركزي السوري

تعزيز الاستقلالية وتوسيع الصيرفة الإسلامية ومراجعة احتياطيات النقد الأجنبي والذهب وتجنب طباعة النقود من أبرز أهداف الفترة القادمة.
الأربعاء 2025/01/15
في مواجهة إرث مالي ثقيل

تدخل سوريا مرحلة أخرى مليئة بالتحديات مع تعيين محافظ جديد للبنك المركزي، والذي سيكون أمامه طريق شاق من أجل القيام بإصلاحات ضرورية تتضمن استقلاليته والقيام بتوسيع دوره، بما يحقق هدفه في تطوير النظام المالي المنهار جراء سنوات الحرب.

دمشق- أكدت ميساء صابرين حاكمة مصرف سوريا المركزي المكلفة بتيسير الأعمال أنها تريد تعزيز استقلالية المؤسسة، في ما يتعلق بقرارات السياسة النقدية، فيما سيكون تحولا كبيرا عن رقابة الدولة المشددة على البنك أثناء حكم بشار الأسد.

وتولت صابرين، التي كانت تشغل ثاني أهم منصب في المركزي، منصب القائم بأعمال الحاكم خلفا لمحمد عصام هزيمة في أواخر العام الماضي، لتكون بذلك أول امرأة في هذا المركز منذ 1961.

وتعتبر هذه المرأة مثالا نادرا لموظف حكومي سابق تمت ترقيته بعد الهجوم الخاطف، الذي شنته قوات المعارضة وأدى إلى سقوط الرئيس بشار الأسد في الثامن من ديسمبر 2024.

وقالت لرويترز خلال أول مقابلة تجريها مع الإعلام منذ توليها منصبها إن المركزي “يعمل على إعداد مشاريع تعديل قانون المصرف بما يعزز استقلاليته ويشمل ذلك السماح له بالمزيد من الحرية في اتخاذ القرارات بشأن السياسة النقدية.”

وتحتاج هذه التغييرات إلى موافقة السلطة الحاكمة الجديدة، لكن العملية غير واضحة في هذه المرحلة. ولم تعط صابرين أيّ إشارة إلى توقيت حدوث ذلك.

ميساء صابرين: ستتم هيكلة البنوك الحكومية وتنظيم عمل شركات الصرافة
ميساء صابرين: ستتم هيكلة البنوك الحكومية وتنظيم عمل شركات الصرافة

ويرى خبراء أن استقلال المركزي أمر بالغ الأهمية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي والقطاع المالي على المدى الطويل. ورغم أن البنك كان دائما، من الناحية النظرية، مؤسسة مستقلة، فإن قرارات السياسة النقدية، التي اتخذها في ظل نظام الأسد كانت تحددها الحكومة فعليا.

وقالت صابرين “البنك المركزي يبحث عن سبل لتوسيع الخدمات المصرفية الإسلامية نظرا لوجود شريحة من السوريين يتجنبون استخدام الخدمات المصرفية التقليدية.”

وأضافت لرويترز من مكتبها في وسط دمشق “قد يشمل ذلك منح البنوك التي تقدم خدمات تقليدية خيار فتح فروع مصرفية إسلامية.” والخدمات المصرفية الإسلامية موجودة بالفعل في سوريا.

وكانت القدرة المحدودة على الوصول إلى التمويل الدولي والمحلي جعلت حكومة الأسد تستخدم البنك المركزي لتمويل عجزها، مما أدى إلى تأجيج التضخم.

وشددت صابرين على أنها حريصة على تغيير كل ذلك. وأضافت “البنك يريد تجنب الاضطرار إلى طباعة الليرة لانعكاس أثر ذلك على معدلات التضخم.” وامتنعت عن ذكر تفاصيل عندما سئلت عن حجم احتياطيات النقد الأجنبي والذهب الحالية، وقالت إن “مراجعة الميزانية العامة لا تزال جارية.”

وذكرت مصادر مطلعة على الوضع لرويترز في ديسمبر الماضي، أن المركزي لديه ما يقرب من 26 طنا من الذهب في خزائنه، بقيمة تبلغ نحو 2.2 مليار دولار، وكذلك نحو 200 مليون دولار وكمية كبيرة من الليرة السورية.

ويخضع المركزي وعدد من الحكام السابقين للعقوبات الأميركية التي فرضت بعد قمع الأسد العنيف للاحتجاجات في عام 2011 والتي تحولت إلى حرب أهلية استمرت 13 عاما.

وقالت صابرين إن “المصرف لديه ما يكفي من أموال لتغطية دفع رواتب موظفي القطاع العام حتى بعد الزيادة التي تعهدت بها الإدارة الجديدة بنسبة 400 في المئة.” ولم تذكر مزيدا من التفاصيل.

ومن المتوقع أن تساعد قطر في تمويل زيادة أجور القطاع العام، وهي العملية التي أصبحت ممكنة بفضل إعفاء أميركي من العقوبات اعتبارا من السادس من يناير، والذي يسمح بالمعاملات مع المؤسسات الحاكمة السورية.

وبموجب الرخصة الصالحة لغاية السابع من يوليو المقبل، فإن واشنطن ستسمح ببعض المعاملات مع المؤسسات الحكومية في سوريا، بالإضافة إلى بعض المعاملات المرتبطة بقطاع النفط، والتحويلات الشخصية، بحسب بيان منشور على موقع وزارة الخزانة.

ووفق الرخصة، فإن الاستثناء سيشمل “المعاملات التي تدعم بيع أو توريد أو تخزين الطاقة إلى سوريا أو داخلها، بما في ذلك النفط ومنتجاته والغاز الطبيعي والكهرباء.” كما ستشمل أيضا “المعاملات التي تكون عادة عرضية وضرورية لمعالجة تحويل الحوالات الشخصية غير التجارية إلى سوريا، بما في ذلك من خلال البنك المركزي السوري.”

♦ رفع العقوبات الأميركية بالكامل سيساعد في النهوض بالقطاع المصرفي السوري والارتباط مرة أخرى بالنظام المالي العالمي

ومنذ تسلم الوزراء مهامهم، دأب المسؤولون في الإدارة الجديدة على الإشارة إلى أثر العقوبات الأميركية على عملية بناء الاقتصاد. وكانت آخر هذه التصريحات ما جاء على لسان وزير التجارة ماهر خليل الحسن، الذي اعتبر أن دمشق غير قادرة على إبرام صفقات لاستيراد الوقود أو القمح أو البضائع الرئيسية الأخرى، بسبب العقوبات الأميركية الصارمة على البلاد.

وتراهن الحكومة الجديدة على رفع العقوبات، ما سيفتح لها المجال لإعادة بناء الاقتصاد الذي دمرته الحرب، وأوصلت الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من 6 مليارات دولار في 2024، مقارنة بأكثر من 61 مليارا في 2010.

ووفق تصريحات سابقة لوزارة المالية، ستساعد هذه الخطوة في تدفق المساعدات والاستثمارات وعمليات التمويل. ومع ذلك، يقول محللون إن استقرار العملة ومعالجة التضخم سيكونان من المهام الرئيسية لصابرين، بالإضافة إلى إعادة وضع القطاع المالي على الطريق الصحيح.

وكشفت بيانات من مجموعة بورصات لندن والبنك المركزي أن قيمة العملة السورية انخفضت من نحو 50 ليرة مقابل الدولار في أواخر عام 2011 إلى ما يزيد قليلا عن 13 ألف ليرة مقابل الدولار الاثنين. وقدّر البنك الدولي في تقرير أصدره في ربيع عام 2024 أن التضخم السنوي في سوريا قفز بنحو مئة في المئة على أساس سنوي في العام الماضي.

وقالت صابرين، التي تشرف منذ فترة وجيزة على القطاع المصرفي، إن المركزي يتطلع أيضا إلى “إعادة هيكلة البنوك الحكومية وتنظيم عمل مؤسسات الصرافة” والتحويلات، التي أصبحت مصدرا رئيسيا للعملة الصعبة. وفرضت حكومات الأسد المتعاقبة قيودا صارمة على استخدام العملة الأجنبية لدرجة أن العديد من السوريين كانوا يخشون حتى من نطق كلمة “دولار”.

غير أن الإدارة الجديدة للقائد الفعلي لسوريا أحمد الشرع ألغى هذه القيود حتى أصبح السكان يلوحون الآن بكميات كبيرة من الأوراق النقدية في الشوارع ويبيعونها من الصناديق الخلفية للسيارات التي تقف إحداها خارج مدخل البنك المركزي.

وقالت صابرين “القطاع المصرفي لا يستفيد من الإعفاء من العقوبات الأميركية، لكن السماح بالتحويلات الشخصية خطوة إيجابية.” وأعربت عن أملها في رفع العقوبات بالكامل حتى يتمكن القطاع من الارتباط بالنظام المالي العالمي.

11