تحت شرفتها بحثا عنها

المرء لا يحتاج إلى التحقق من أن كل ما يجري حوله هو عبارة عن وهم سياحي لن يتعب أحد نفسه في البحث عن حقيقته.
السبت 2024/05/04
كل عاشق هو روميو وكل محبوبة هي جولييت

وقفت تحت شرفتها كما لو أني كنت روميو. كما لو أن روميو ترك خشبة المسرح وعاد أدراجه إلى فيرونا (شمالي شرق إيطاليا) ليحل في جسدي منصتا إلى همسات العشاق الواقفين تحت شرفة حبيبته.

لا يحتاج المرء إلى التحقق من أن كل ما يجري حوله هو عبارة عن وهم سياحي لن يتعب أحد نفسه في البحث عن حقيقته. تلك هي الشرفة التي كانت جولييت تطل منها لترى الشاب الذي فُتن بها وصار رمزا خالدا للحب بعد أن وهب اسمها الخلود.

في تلك الساحة الداخلية حيث يقع بيت جولييت الافتراضي يمتزج الواقع بالوهم بل ويضع نفسه في خدمته. كل عاشق هو روميو وكل محبوبة هي جولييت.

كنت أبحث عن شكسبير بين جوقات الحاضرين. ربما وقف وحيدا وهو يتأمل نجاح مكيدته. ربما كان يبحث عن فتاة يصطادها فتكون جولييته في المدينة التي لم يزرها. ما من درب في فيرونا إلا ويوحي بأن جولييت كانت قد مشت على أحجاره في طريقها إلى النهر. أنظر إلى شبابيك بيوتها وأردد مع ملحم بركات “شباك حبيبي جلاب الهوى/ هوى حبيبي يا أول هوى/ يا شمس غيبي/ أنا وحبيبي”.

لقد وضع شكسبير مدينة بأكملها على خريطة وهمية. نفث في رئتيها هواء خيال لن يفارقها. لقد قُدر لجولييت أن تقف إلى جانب آلهات الحب والجمال “فروديت وعشتار وإيزيس”. تمشي ويمشي معها كيوبيد ولسان حالها يقول “بحبو ما بقدر خبي/ وعيونو خلت قلبي/ مثل رماد السيجارة” مثلما قالت طروب. ولا مبالغة إذا ما قلت إن كل شخص يقف مع الجموع تحت شرفة جولييت لا بد له أن ينسى الموهبة السياحية مستسلما لغواية حبه الأول.

أما حين تتسابق الفتيات لالتقاط صورة مع تمثال ابنة فيرونا فإن كل واحدة منهن تحلم بلقاء ذلك الفتى الذي سيحلق بها بين النجوم مثلما فعل روميو بجولييت. ولأن المدينة مشهورة بكرومها فلا بد أن يحضر صوت فيروز “ع دروب الهوى مشاني حببيبي/ ع دروب الهوى مشاني/ ع كرم الهوى وصلني حبيبي/ وعنقوده استوى وناداني".

ولكن ماذا لو كانت جولييت هي واحدة من الفتيات الساحرات بجمالهن اللواتي تجمعن حول تمثالها في الساحة التي تطل عليها شرفتها؟ خُيل إلي أن كل واحدة منهن هي جولييت لذلك لم أرفع رأسي إلى الشرفة في انتظار إطلالة منها بل صرت أنقل عيني بين الوجوه بحثا عنها.

18