تحت الياسمينة في الليل

لم يخف التونسيون سعادتهم وفخرهم، وهم يشاهدون ويستمعون إلى تشكيلات الموسيقى العسكرية الصينية وهي تعزف لحن واحدة من أجمل أغانيهم الخالدة خلال الاستقبال الرسمي الكبير الذي حظي به الرئيس قيس سعيد من قبل نظيره شي جينبينغ في بكين.
وقد اعتاد الصينيون على اختيار قطع موسيقية من تراث بلد كل قائد يحل ضيفا على بلادهم في زيارة دولة، انطلاقا من قناعة لديهم بأن الثقافة قادرة دائما على توطيد علاقات الصداقة بين الشعوب، وأن أعظم ما يتميز به التراث الموسيقي والغنائي لأيّ بلد من البلدان هو سلاسة تغلغله في وجدان المتلقي.
وقد كانت الصين القديمة تعرف باسم “أرض الطقوس والموسيقى”، حيث كان الناس يهتمون بالموسيقى بشكل كبير، وكان كونفوشيوس نفسه موسيقيا عظيما. وقد تولى تدريس الموسيقى كواحدة من “الفنون الستة” لثلاثة آلاف تلميذ، ولديه ما يقرب من 30 ملاحظة وممارسة حول الموسيقى من العزف والتلحين والتعليم والتقييم والتدوين وتحديد الوظائف.
ولعل الصينيين انتبهوا للقطعة الموسيقية التونسية التي عزفها طابور الشرف للرئيس سعيد وجينبينغ، وهي لحن أغنية “تحت الياسمينة في الليل” الذي ذاع صيتها بصوت المطرب والملحن التونسي الهادي الجويني، وقد نظمت كلماتها شاعرة مغمورة لم تنظم غيرها، اسمها السيدة عزة، وتم تسجيلها لأول مرة بصوت الفنانة حسيبة رشدي (10 يناير 1918 – 26 سبتمبر 2012) التي تعتبر واحدة من أيقونات الغناء والتمثيل في تونس، وقد سجلت أول ألبوماتها في باريس مع محمد الجموسي ومحمد التريكي الذي تزوجها لفترة، ثم سافرت في الأربعينات إلى مصر حيث كانت أول تونسية تحصل هناك على دور البطولة الأولى من خلال فيلم “دماء في الصحراء” مع عماد حمدي وإبراهيم عمارة ومحمد توفيق، ثم قامت
ببطولة فيلم "طريق الشوك" مع حسين صدقي، ولكنها اختارت وهي في أوج نجاحها مغادرة مصر بعد زواجها من ضابط أميركي لتعيش فترة في نيويورك قبل أن تعود إلى تونس في الخمسينات بسبب وفاته.
وأما الهادي الجويني (1909 - 30 نوفمبر 1990)، فقد ذاع صيته عربيا منذ تسعينات القرن الماضي بأغنيته التي تعود إلى فترة الأربعينات "لا موني الليبي غاروا" من كلمات الشاعر والملحن والرسام والكاتب الليبي البشير فهمي (1907 - 1972)، وقد تداول على أدائها عدد مهم من الأصوات التونسية والعربية.
وتعد "تحت الياسمينة في الليل" من أبرز أعماله التي تميزت بالبساطة والسلاسة والشاعرية، وهي في مقام الكرد وعلى إيقاع الفالس الذي بدأ في النمسا وألمانيا، ومنهما انتشر في أنحاء كثيرة من العالم، خصوصا بعد أن نظم الموسيقار النمساوي يوهان شتراوس الابن مقطوعته الدانوب الأزرق عام 1866، ومن أبرز من قدموا هذا الإيقاع في الموسيقى العربية الموسيقار محمد عبدالوهاب الذي اعتمده لأول مرة في عام 1928 في أغنيته الخاصة "أهون عليك" كما قدمه فريد الأطرش في لحن أغنية "ليالي الأنس في فيينا" الذي أدته شقيقته أسمهان.
ولعل الروح العالمية للإيقاع والإحساس المتدفق في اللحن ساعد الفرقة الصينية على عزفه بتلك الدقة والجودة والجمال في حضرة الرئيسين سعيد وجينبينغ.