تحالف عسكري للحركات الأزوادية: خطر إستراتيجي على منطقة الساحل

قيادات أزوادية تعمل على توحيد المكونات والفصائل المسلحة بهدف إضفاء الطابع القومي الاستقلالي على الصراع القائم ما ينذر بفتح المنطقة على منعطفات خطيرة.
الثلاثاء 2024/09/03
تحالف قبلي أزوادي عابر للدول

الجزائر- تسير الأوضاع الأمنية في منطقة الساحل إلى المزيد من التصعيد، بعد إعلان قادة المكون الأزوادي في مالي والنيجر عن إطلاق تحالف عسكري بينهما، وعن مباشرة العمل العسكري بشكل مشترك، في مواجهة جيوش المنطقة المرشحة إلى المزيد من التصعيد والتعقيد، خاصة في ظل الأزمة المتصاعدة بين حكومتي باماكو والجزائر، بعد تردد أنباء عن تفكير الأولى في طرد السفير الجزائري.

واحتضنت مدينة تينزاواتين التي يسيطر عليها المكون الأزوادي، والواقعة في أقصى الشمال المالي بالقرب من الحدود الجزائرية، لقاء ضم قادة الفصائل الأزوادية المسلحة في مالي والنيجر، على غرار بركة طاهر حاميت ومحمد المولود رمضان، ومحمد عبدالله، وعبيد علي، وعثمان كوري سيدي، وتوج الاجتماع بالإعلان عن إطلاق حلف عسكري مناوئ للقوات العسكرية الرسمية في مالي والنيجر.

محمد المولود رمضان: لقد تم الاتفاق على تبادلات مثمرة ومفيدة للطرفين
محمد المولود رمضان: لقد تم الاتفاق على تبادلات مثمرة ومفيدة للطرفين

وتقود التمرد الأزوادي في المنطقة حركة الإطار الإستراتيجي الدائم للدفاع عن الشعب الأزوادي المالية، والجبهة الوطنية للتحرير النيجرية، والتي تحمل أبعادا قومية وتعمل على توحيد المكونات والفصائل الأزوادية، مما يترجم نية تلك الأطراف في إضفاء الطابع القومي الاستقلالي على الصراع القائم، الأمر الذي يفتح المنطقة على منعطفات خطيرة.

وتبدو الجزائر مرتاحة لتشكيل التحالف العسكري القبلي لكونه يصب في صالح سياساتها، ويربك خصومها الإقليميين وداعميهم الخارجيين وخاصة روسيا وتركيا، لكنّ متابعين لشؤون المنطقة يحذرون من خطر تكوين تحالف عسكري قبلي عابر للدول، وأن الجزائر التي تستفيد منه اليوم يمكن أن تتضرر بشكل مباشر منه لأنه سيحرك النزعة الانفصالية لطوارق الجزائر. كما أن انفلات السلاح بأيدي كيانات قبلية من الصعب السيطرة عليه وتوجيهه وفق أجندة أيّ دولة مهما كان وزنها.

وإذا كان المتمردون الأزواد اليوم يرفعون السلاح ضد مالي، فيمكن غدا أن يرفعوه ضد الجزائر أو أي دولة إقليمية أخرى تعارض بناء كيان قبلي إقليمي بديل للدول القائمة حاليا.

والتحالف القبلي الأزوادي العابر للدول نموذج جديد يشبه الأكراد، حيث يعتقد من يدعمهم أنه يسيطر عليهم وأنه يحركهم لمصلحته ليكتشف أنه إنما يساعدهم على حساب أمنه.

وذكرت إذاعة فرنسا الدولية أن “وفدا من المعارضين للسلطة الحالية في النيجر، التقى في شمال مالي بوفد من ممثلي الأزواد الذين يتصدون للسلطة في مالي، وأن اللقاء احتضنته مدينة تينزاواتين الحدودية مع الجزائر”، لكنها لم تشر إن كان اللقاء قد تم قبل العملية العسكرية المالية التي راح ضحيتها 26 مدنيا أم بعدها، حسب مصادر أزوادية.

وأضافت “ناقش الطرفان إمكانيات تعزيز العلاقات بينهما دون التوقيع على أيّ وثيقة متعلقة بهذا الأمر”.

ونقلت على لسان الناطق الرسمي باسم تحالف أزواد مالي محمد المولود رمضان قوله “لقد تم الاتفاق على تبادلات مثمرة ومفيدة للطرفين اللذين قررا عقد اجتماعات أخرى من أجل القتال يدا بيد ضد الجيشين المالي والنيجري”.

غير أن مصادر إعلامية مقربة من الأزواديين ذكرت بأن “توقيع اتفاقية التحالف المقترحة تعد إطارا قانونيا وسياسيا للتعاون العسكري بين الطرفين، وتساهم في تعزيز الاستقرار والأمن بالمنطقة، كما أنها تمهد لانصهار أزوادي تحسبا لأيّ عدوان تشنه حكومات المنطقة المتحالفة”، في إشارة إلى تعاونها ضد الوجود الأزوادي في المنطقة.

ويرى المتابعون أن التطورات تدفع إلى المزيد من التصعيد والتعقيد، خاصة في ظل ظهور بوادر التفاف قومي أزوادي حول قضيتهم، ولا يستبعد أن يذهب التصعيد بينهم وبين حكومات المنطقة إلى ارتفاع سقف المطالب والعمل المسلح إلى البعد الاستقلالي الانفصالي عن الحكومات المركزية في باماكو ونيامي.

وبات طرفا الصراع يتبادلان تهم الإرهاب، ففيما يتهم الجيش المالي المدعوم من طرف مجموعة فاغنر الروسية الفصائل الأزوادية المسلحة بالإرهاب المسلح وبضرب وتهديد الوحدة الوطنية لمواجهة الإرهاب، مستدلا على ذلك بنشاط تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين المقرب من القاعدة، يتهم الأزواديون الجيش المالي الرسمي بممارسة الإرهاب المؤسساتي في حق المدنيين العزل وارتكاب جرائم ضد الإنسانية في المنطقة.

وكانت العملية العسكرية الأخيرة التي استهدفت أشخاصا مدنيين في منطقة تينزاواتين المحاذية للحدود الجزائرية، جرى قصفهم بطائرات مسيّرة تركية، قد أججت التوتر في المنطقة بين حكومتي مالي والجزائر، خاصة وأنها تمت في مسافة تقارب الصفر مع الجانب الجزائري، الأمر الذي اعتبر تحديا استفزازيا للجزائر.

◄ الجزائر التي تدعم كيانا عسكريا أزواديا يمكن أن تتضرر منه مستقبلا لأنه سيحرك النزعة الانفصالية لطوارق الجزائر

وفجّرت القضية التي وصلت إلى أروقة مجلس الأمن سجالا دبلوماسيا بين ممثلي البلدين، تزامن مع حديث تقارير محلية عن عزم الحكومة المالية طرد السفير الجزائري من أراضيها.

واتهم ممثل الحكومة المالية في مجلس الأمن دولة أوكرانيا بدعم وتسليح المتمردين الأزواديين انتقاما من غريمها الروسي الذي تربطه علاقات تعاون وثيق مع حكومة بلاده. كما وجه نداء للحكومات الغربية الداعمة لكييف في الحرب مع موسكو بوقف مساعدتها وإمدادها بالسلاح والذخيرة، بعدما ثبت أنها توظفها في تأجيج الإرهاب بمنطقة الساحل.

وكان ممثل الجزائر لدى الأمم المتحد عمار بن جامع قد صرح في مجلس الأمن “لقد قصف 20 مدنيا ماليا بواسطة طائرة مسيّرة، والذين ضغطوا على زر القصف (الجيش المالي ومرتزقة فاغنر)، لا يخضعون للمساءلة أمام أيّ جهة”، في تلميح إلى ما يتعرض له المدنيون من اعتداءات وملاحقات.

كما يترجم مدى انزعاج الجزائر من الدور الذي باتت تلعبه قوات فاغنر في منطقة الساحل، لاسيما دعمها لجيوش حكومات مالي والنيجر في ملاحقة المكون الأزوادي، فضلا عن مساهمتها في الانقلابات العسكرية التي نفذت ضد السلطات المنتخبة، وأفرزت قيادات جديدة أبدت رغبتها في صناعة تحالفات إستراتيجية جديدة بالمنطقة.

1