تجميد المشروعات يعيد الطمأنينة إلى المهددين بهدم منازلهم في مصر

الحكومة المصرية تريد عبور الأزمة الراهنة بأقل خسائر اجتماعية وسياسية وأمنية ممكنة لأن التمادي في إنشاء المشروعات القومية سيهدد مصداقيتها.
الأحد 2022/09/11
التراجع عن المشروعات القومية خطوة إيجابية

القاهرة- جاء وقع الأزمة الاقتصادية التي يعيشها عدد كبير من المصريين مغايرا لدى شريحة سكانية بعينها، حيث أعادت إليهم الطمأنينة والنجاة من هدم منازلهم لتبني الحكومة مكانها محاور مرورية وجسورا عملاقة، وتقرر تأجيل مشروعات لم يتم البدء في تنفيذها كجزء من ترشيد الإنفاق الحكومي وتطبيق سياسة التقشف.

وكان حمدي محمد، أحد أرباب الأسر التي استقبلت قرار هدم بناية سكنية يعيش فيها مع العائلة منذ سنوات بتذمر وغضب، فهو لا يملك مصادر دخل تعينه على شراء وحدة سكنية جديدة في ظل ارتفاع أسعار العقارات وتصاعد الغلاء مقابل ضآلة التعويض الذي تقدمه الحكومة لأصحاب المنازل المقرر هدمها.

وتضم البناية التي يعيش فيها حمدي 44 وحدة سكنية، ومن المفترض هدم عشرات البنايات الأخرى ضمن محور مروري جديد سوف يتم بناؤه في حي المطرية بشمال القاهرة، حتى جاءت الأزمة الاقتصادية وتوابعها لتنقذ كل هؤلاء من مقصلة تهجير إجباري من منطقة سكنوا وتعلموا فيها وصارت جزءا من حياتهم.

◙ الأزمة الراهنة عكست أن الحكومة استوعبت الدرس متأخرا، لأنها اهتمت بإنجازات بعينها على حساب ملفات أخرى مرتبطة بصميم احتياجات الشارع

وقال حمدي لـ”العرب” إن الحكومة أدركت خطورة الاحتكاك بالناس وهدم منازلهم لبناء طرق وجسور في ذروة غضبهم من غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وضيق الحال، “في هذه الظروف بالغة القسوة يصعب أن يتنازل عن بيته بسهولة مهما كانت العقوبات، يكفي ما يتحمله من ضغوط ويصمت، ومن التهور أن تأخذ بيتي وأصمت”.

ويبدو أن النبرة الحادة التي صار يتحدث بها الناس في الشارع لم تعد غائبة عن أذهان الحكومة، فهي تريد عبور الأزمة الراهنة بأقل خسائر اجتماعية وسياسية وأمنية ممكنة، لأن الكثير من المواطنين أصبحوا على درجة من الضيق، وصار بعضهم على استعداد للصدام مع أيّ جهة إذا جارت عليهم.

وتدرك الحكومة أيضا أنها إذا تمادت في إنشاء مشروعات قومية كالطرق والجسور، وهي تعاني من أزمة اقتصادية حادة، سوف تجلب على نفسها المزيد من الغضب، فكيف تشتكي ظروفها للناس وتطالبهم بالتقشف ولا تراعي الأوضاع الصعبة التي طالت نسبة كبيرة منهم، وتصر على استكمال مشروعات تُبنى على أنقاض منازل بعضهم.

ويرتبط تأجيل بعض المشروعات بقرار أصدره مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء ويهدف إلى إعادة هيكلة الموازنة العامة لاحتواء انعكاسات الأزمة الروسية – الأوكرانية على الاقتصاد، داعيا المحافظين والوزراء لترشيد الإنفاق الحكومي وبدء إجراءات التقشف، على رأسها تأجيل مشروعات لم يتم تنفيذها ومراجعة تكلفة أخرى يجري العمل فيها.

وترك موقف الحكومة انطباعات سلبية لدى رجل الشارع حول مستقبل الوضع الاقتصادي، لكنه عكس مرونتها وحكمتها في التعامل مع الظروف الصعبة، فالاستمرار في مشروعات كبيرة مثل المحاور والجسور العملاقة في وقت تعاني فيه الدولة من أزمة بطالة وغلاء معيشة وندرة موارد يجلب المزيد من سخط الناس.

طلعت خليل: ارتباك الأولويات لدى الحكومة صنع حالة من الاحتقان المجتمعي

وتسببت مشروعات كانت تُبنى في مناطق أزيلت منها منازل بعض المواطنين في أن تصنع الحكومة لنفسها معارضين من طبقات مختلفة بعد أن جارت تصرفاتها الاقتصادية عليهم وقررت هدم بيوت تتعارض مع خطة مرور المحاور والجسور.

وأوضح طلعت خليل أمين عام حزب المحافظين لـ”العرب” أن ارتباك الأولويات لدى الحكومة صنع حالة من الاحتقان المجتمعي، وعندما تأتي إلى مواطن في هذه الظروف وتطلب هدم منزله سيكون رد الفعل قاسيا، ويولّد استمرار الضغط على الناس المزيد من الغضب، ولا بديل عن التعامل بحكمة لأن هناك طبقة تجاوزت الصبر.

ويقول مراقبون إن تجميد مشروعات قومية يعبّر عن عدم تقدير محكم من قبل الحكومة للأولويات، لكن التراجع خطوة إيجابية، لأنها لو لم تفعل ذلك ستفقد مصداقيتها، فالمفترض عندما تتحدث عن أزمة يجب أن تكون قدوة للشارع في التوفير والترشيد، ولا تتحدى أوضاعا غير قادرة على مواجهتها، ما يدفع الناس إلى التذمر والاحتجاج.

ولم يغب عن دوائر صناعة القرار أن هناك قوى معارضة اعتادت توظيف الإنفاق على مشروعات الطرق والجسور العملاقة التي يتم بناؤها على أنقاض منازل سكنية لتأجيج الغضب ضد الحكومة والإيحاء بأنها لا تعترف بحقوق الإنسان وحق السكن الآمن، فكان عليها غلق هذه الثغرة قبل أن تصبح مدخلا لشرارة الغضب في الشارع.

وبعيدا عن استمرار تجميد بعض المشروعات وإطالة أمد سعادة الذين كانت ستُهدم منازلهم، فالأزمة الراهنة عكست أن الحكومة استوعبت الدرس متأخرا، لأنها اهتمت بإنجازات بعينها على حساب ملفات أخرى مرتبطة بصميم احتياجات الشارع، ما يفرض عليها رسم أولوياتها بشكل يتناسب مع التحديات الجديدة.

1